حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

عن الدخول الأدبي والثقافي

إعداد وتقديم- سعيد الباز

يطرح كلّ دخول أدبي وثقافي، على المهتمين والمتابعين، عدة قضايا وإشكالات مرتبطة بالتحولات الكبرى التي تعرفها الساحة الثقافية في المغرب وفي العالم، من أهمها العزوف عن القراءة وقلة الإقبال على متابعة الإنتاج الأدبي والثقافي. إضافة إلى كلّ ذلك، برزت إلى الوجود تحديات كبيرة أخرى، من أهمها المخاطر المرتقبة للذكاء الاصطناعي من جهة وهيمنة الثقافة الرقمية من جهة أخرى.

 

عبد الرزاق المصباحي.. الثقافة المغربية والحاجة إلى الاعتراف

إن تقييم الحصيلة الثقافية لسنة 2025 أمر بالغ التعقيد، ذلك أن قياس الجهود المبذولة يحتاج إلى جهد مؤسسي تتضافر فيه جهود كثيرة، لقياس أثر هذا الإنتاج في مختلف المجالات الثقافية والإبداعية على تطوير الصورة الثقافية في العالم العربي. ومع ذلك فإن التقييم الخاص، لكن الموضوعي، يفضي إلى فرضية كبرى تقول إن الجهود المبذولة قائمة على التطوع الفردي المصحوب بالموهبة الحقيقية التي يسندها الشغف والقراءة الحقيقية، وقد تنصفهم منابر ثقافية وجوائز عربية كبيرة تضيء بعضا من تجاربهم، أو بانخراط مدعوم بسهولة الكتابة على الحيطان الشخصية، أو بمساعدة برانم الذكاء الاصطناعي، التي صارت تصنع، على حين غرة، «كتَّاباً» «ينتجون» نصوصاً «عميقة» مكتوبة بلغة دقيقة، وبأسلوب إبداعي أو علمي عال. وقد نرى قريبا أن يتساوى الكاتب أو الباحث من أصحاب المشاريع البحثية، مع كتاب «موسميين» بعد أن يستمدوا من تلك البرانم زبدةَ أعمال كتاب حقيقيين تم إخضاعها لآليات التوليد البرمجي المعقد.

إن الإنتاج الثقافي صار يواجه تحديا كبيرا في تأصيل «نسبه»، وفي تقييم دقيق لأثره، ذلك أن السطوة «اللذيذة» للفيديوهات الخاطفة على وسائط التواصل الاجتماعي، واقترانها بالمدخول المادي، وتراجع القدرة على قراءة الأعمال الطويلة، لصالح الكسل القرائي، الذي رسخته برانم تكتب بالنيابة وتلخص بالنيابة، وتمنح بسخاء المعارف مهما ظهر خطؤها أو خطلها أو تضليلها، على نحو أنيق، كلها تؤدي إلى التقليل من قدر الإنتاج الثقافي المكتوب، وخاصة منه ما كانت الجامعة والمؤسسات الأكاديمية تمنحه الرفعة والقدر.

وعلى الرغم من كل هذه الإكراهات، فإن المنتج الثقافي في المغرب، إبداعاً ونقداً، يعرف حركية نشطة، وتوج بعضها بكبريات الجوائز العربية… لكن هذه النشاطية الطوعية والفردية المشرفة لا تُواكَب بالاعتناء اللازم، ولا بالتتبع الضروري، وهو أمر مهم، رغم الصدى والتكريم الخارجي، ولعل من المفارقات أن الفئات التي حصل فيها المغاربة على جوائز مرموقة، كالدراسات النقدية وأدب الطفل، هي نفسها التي تحجب في جائزة أصيلة كجائزة المغرب للكتاب لسنة 2025.

وهنا تتحول الريادة المغربية في العالم العربي إلى نكوص على المستوى الوطني، لذلك فإن أي تقييم ضروري يفترض النظر إلى الإنتاج الثقافي المحلي بعين إيجابية تحتفي به، وتعضد وجوده، وتقيم عثراته، بروح علمية خالصة، ترسخ الجيد، وتشجع الموهوب وتخفف الساحة من عبء الأسماء المصنوعة صنعاً. فصناعة الثقافة، كما حذر من ذلك مفكرو مدرسة فرانكفورت، أساس تقويض الثقافة الحقيقية والطليعية. ومقياس هذه الثقافة الحقيقية هو التأصيل لمشاريع إبداعية وبحثية طويلة المدى، وذات أثر حياتي يقيني، ولن يحدث ذلك دون مواكبة نقدية ومؤسسية داعمة وممحصة في الوقت نفسه.

 

عبد المجيد سباطة.. المثقف والضمير الإنساني

 

برزت بالتأكيد، خلال الموسم الثقافي المنصرم، مجموعة من الأحداث والأنشطة الثقافية الهامة، حيث شكلت كل منها لحظة دالة وشاهدة على تحولات المشهد الثقافي، وإن هيمنت عليها وطأة سياق مشحون، لا صوت فيه يعلو على أنين الجرحى والثكالى في غزة، مع استمرار آلة القتل الإسرائيلية في حصد أرواح الأبرياء وتحويل القطاع المحاصر إلى جحيم، ما ألقى بظلال ثقيلة على الإنتاجات الفكرية والأدبية والفنية، بل والمزاج الثقافي بشكل عام.

لم تختلف دورة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط هذه السنة عن سابقاتها، وإن ميزها، كما لاحظت، تنامي الاهتمام بأعمال أدبية وفكرية تتناول جوهر وعمق وماضي القضية الفلسطينية، التي عادت إلى واجهة الأحداث، وصار فهم جذورها وأبعادها مطلبا عند مختلف الأجيال.

هذه الملاحظة تنسحب أيضا على سياق الأنشطة الثقافية والمعارض العربية والدولية، فنفضت النصوص المعبرة عن الوجع الجمعي الغبار عن ذاتها، بعد انغماس طويل في عوالم الفردانية وهموم عصر ما بعد الحداثة. وواجهت الأنشطة المألوفة سؤال الجدوى، في ظل مشهد دموي يهدد الأسس والقيم التي تستند إليها الثقافة نفسها، بما يعيد التذكير بسياق حرب فيتنام ونهاية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حيث أكدت الثقافة من جديد استحالة فصلها عن العدالة الإنسانية.

وقد واجه بعض المبدعين في كل أنحاء العالم خطر فقدان امتيازاتهم جراء تعبيرهم الشجاع عن رأيهم بشأن ما يجري في غزة، ولعل المثال الأبرز هنا (ضمن أمثلة أخرى لمبدعين وفنانين) هو دعم الروائية الإيرلندية الشهيرة سالي روني للقضية الفلسطينية، وتخصيصها جزءا من مداخيلها لدعم إحدى مؤسسات الإغاثة، ما جر عليها انتقادات وضغوطا منعتها من حضور حفل تسلم جائزة أدبية في إنجلترا خشية تعرضها للاعتقال، وفتح النقاش من جديد حول مفهوم حرية التعبير، ومستقبل الأدب في ظل بروز خطر جديد اسمه الذكاء الاصطناعي.

على الصعيد الشخصي، شكلت دورة هذه السنة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الرباط، عودة جديدة، إذ شهدت الظهور الأول لروايتي الجديدة «في متاهات الأستاذ ف.ن.» الصادرة عن المركز الثقافي العربي، وهي الرواية الرابعة في مساري الأدبي، بعد غياب دام خمس سنوات، منذ روايتي الأخرى «الملف 42».

«في متاهات الأستاذ ف.ن.» رواية كاليدوسكوبية عابرة للأزمنة والأمكنة والتصنيفات، حاولت من خلالها تقديم مشهد متشظ، يعكس سيولة الحقيقة في عصرنا الحالي، ودخول الذاكرة الفردية والجمعية عصر التشتت والضياع، بما ينسجم، من وجهة نظري، مع تداعيات زمن متأزم، انهارت فيه القيم فصار منفتحا بالتالي على المجهول.

على هذا الأساس، يبقى الرهان على المواسم الثقافية المقبلة مزدوجا، فمن ناحية، لا بد وأن تساهم الأنشطة الثقافية بكل أشكالها، من معارض ولقاءات وندوات في ترسيخ ثقافة الوعي والتفاعل ومواجهة الأخطار المحدقة بالذاكرة، بما يعيد للمثقف دوره المعهود كصوت للضمير الإنساني.

ومن ناحية أخرى، أرى أن السياق الحالي قد يساهم في تحويل الأزمة إلى محرك إبداعي وفكري، قادر على تقديم قراءة جديدة للعالم، لا مجرد ردود فعل عاطفية وآنية، فالحرب الحالية، كما صار واضحا ومؤكدا، لم تعد مجرد حدث عابر، بل تحولت إلى اختبار عسير لقيمنا، ومعيار لصدق الكلمة وقدرتها على المقاومة في وجه ترسانة الإبادة، فإما أن تكون منعطفا يعيد الاعتبار لمفهوم المصير الإنساني المشترك، أو إيذانا بغرق كوكب بأسره في مستنقع الفوضى…

 

محمد الخضيري.. من معالم الدخول الأدبي الفرنسي

 

هيمنت في الدخول الأدبي الفرنسي لهذا العام، الذي صدر فيه 484 كتابا، سرديات حول الذات و«روايات» عن عائلات المؤلفين.. كل هذا في سرد يقارب التاريخ الحديث من منظار «الذات». هذا العام تطغى شخصيات الأمهات في أعمال العديد من كبار الكتاب الفرنسيين. ومن الكتب التي تشغل المشهد النقدي، رواية «كولخوز» لإيمانويل كارير التي تجعل شخصيتها الرئيسة والدته، عضوة الأكاديمية الفرنسية هيلين كارير دونكوس، التي رحلت عام 2023. وهي رواية اختيرت ضمن قائمة الأعمال المرشحة لجائزة غونكور، ويعتبر كارير مرشحا ذا حظوظ وافرة للفوز بها.

ويستكشف العمل الروائي، عبر جدارية سردية، تاريخ أوكرانيا وروسيا على مدى أربعة أجيال. من جانبها، تواصل كاثرين مِييه منجزها الروائي المبني على السيرة الذاتية مع رواية «سيمون إيمونيه» (دار فلاماريون)، التي تستحضر انتحار والدتها، فيما نشرت أميلي نوثومب رواية عن حياة والدتها، وقطيعتها مع محيطها العائلي.

 

أعمال مميزة

بالنسبة إلى جريدة «لاكروا»، فإن لائحة جائزة غونكور لهذا العام اختارت أعمالا وجدت طريقها إلى اهتمام القراء. وضربت، على سبيل المثال، رواية ناتاشا أبانا «ليلة القلب» (دار غاليمار)، التي تتناول ثلاث نساء ضحايا للعنف الأسري. ومن الأعمال التي حققت حضورا مهما رواية لوران موفينييه «البيت الفارغ»، التي برزت كثيرا، ورواية ماريا بورشيه «الاختلاجة» (دار ستوك). ومن ضمن عشرات الروايات الأولى لكتاب فرنسيين، تميزت رواية دافيد دونوف جيرمان، «الوداع على الوجه» التي تعود إلى زمن جائحة كوفيد.

ومع أنه، بدت ظاهرة الرواية عن العائلة طاغية في الدخول الأدبي ما دفع إلى انتقادها، إلا أنها جزء من تاريخ أدبي فرنسيّ عريق، وفق ما ذكَّر به مؤرخ الآداب ويليام ماركس، في برنامج «صباحات الثقافة» على أثير إذاعة فرنسا الثقافية، قائلا: «إن الحديث عن الذات، وعن العائلة، ليس بالأمر الجديد إطلاقا في تاريخ الأدب، والأدب الفرنسي تحديدا. إذ إنه، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تطوّر ما نُسمّيه «الرواية الذاتية». ابتكر سيرج دوبروفسكي هذا المصطلح عام 1977، وكان شائعا جدا. ثم مثّله بعضٌ من ألمع الأسماء في الأدب الفرنسي، مثل آني إرنو، ثم كريستين أنغو ومؤخرا إدوارد لوي».

 

قطاع النشر في «أزمة»..

يعيش قطاع النشر هذا العام على وقع جدل ضغط اقتصادي واضح على دور النشر، وعلى الاختراق من طرف اليمين المتطرف الذي يتجلى في نموذج دار «فايار» المعروفة.

جريدة «لوموند» خصّصت للموضوع حيزا على صفحاتها مؤكدة على أن الوفرة في الكتب ترافقها أزمة اقتصادية قلّصت من أرباح شركات النشر الكبرى ودفعها إلى اتخاذ إجراءات تقشف واسعة. وكتبت الصحافيّة نيكول فولسير مقالا يرصد هذا الوضع المثير للقلق لدى العديد من نقابات العاملين في قطاع النشر.

وتقول الصحافية إن: «العرض الوفير لـ 484 رواية خلال الموسم الأدبي يُخفي حالة من الضيق الاجتماعي الشديد في قطاع النشر. فقد انكمش السوق بنسبة 0.8 بالمائة ليصل إلى 2.28 مليار يورو بين يناير ونهاية غشت. بل كان لينخفض بنسبة 2.7 بالمائة لولا النجاح الباهر الذي حقّقته سلسلة روايات فريدا ماكفادن، مؤلفة سلسلة «بيت الزوجية».

ويفسّر هذا التراجع بالسياسة الحكومية التي خفضت من قيمة منحة كانت تقدم للشباب تخصّص لاقتناء منتجات ثقافية، وهو ما كان يساهم في الرفع من نسبة الكتب المبيعة في المكتبات، ويطول هذا التقلّص في منح الكتب خاصة القصص المصوّرة (الكوميكس) والروايات الرومانسية.

إلى جانب هذا العامل، تتركز المخاوف من «تغوّل» اليمين المتطرف على سوق النشر، بعد عمليات شراء لدور نشر من رجال أعمال محسوبين على التيار السياسي. ويتركز هذا الجدل في دار «فايار»، المملوكة لمجموعة «هاشيت»، والتي ترأّستها قبل مدة المحرّرة السابقة لإيريك زيمور، والتي أصدرت في الدار أوّل كتاب لرئيس التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلا.

وترى النقابات العاملة في النشر وجملة من المتابعين له أن القطاع أصبح «حصان طروادة» يلجأ إليه رجال أعمال يضخون ملايين اليوروهات في عمليات شراء، الهدف منها تركيز هيمنتهم الإيديولوجية على قطاع النشر وبالتالي في الفضاء العام، كما يحدث في قطاع الإعلام.

 

حسن بولهويشات.. الثقافة في حاجة لاستجابة جماعية

يتزامن الدخول الثقافي مع استئناف الدوام المدرسي وعودة الموظفين من الإجازة السنوية، لذلك غالبًا ما يتمّ الاهتمام بالمعيشي والحياتي والترفيهي على حساب الثقافي، وإن كنّا نتحفظ على مصطلح «الدخول الثقافي» لأنّ الثقافة ملازمة للإنسان على مرّ الأيام والفصول وجوهر وجوده ونشاطه. وقطعًا ليست ترفًا، أو قصعة كسكس نتذكرها يوم الجمعة ونستعيض عنها بالخبز ومشتقاته باقي الأيام. ومتى خرجنا من الثقافة كي نتحمّس ونُعلن عودتنا من جديد أو على الأصح دخولنا الثقافي مع مطلع كلّ أكتوبر؟

لكن دعونا نتحدّث عن استئناف الأنشطة الثقافية وعودة الملاحق الأدبيّة، وبداية تنزيل برنامج ثقافي عبر خطة فعّالة تساهم في صياغتها وزارة الثقافة ودور النشر والجامعات والمعاهد الثقافية وجميع الشركاء والمهتمين بالشأن الثقافي. ويتجسّد هذا الدخول في الإعلان عن الإصدارات الجديدة والترويج لها في الصحافة المرئية والمكتوبة والمواقع الإلكترونية. وأيضًا عبر الإعلان عن جوائز وزارة الثقافة وما يرافق ذلك من نقاش ومواكبة إعلامية ونقدية للأعمال المتوّجة.

والحق أن وزارة الثقافة والشباب والتواصل، (قطاع الثقافة)، تعاملت مع الشأن الثقافي بإيجابية ملحوظة في السنوات الأخيرة من خلال دعمها للمشاريع والمبادرات المختلفة؛ من كتبٍ ومجلات ومعارض فنية، وسعيها إلى تجويد وتطوير البنية التحية الثقافية على نحو مقبول مما كان، وبناء مراكز وفضاءات ثقافية في بعض المناطق النائية. وأيضًا من خلال الاهتمام بالتراث المادي واحتضانه والتعريف به وطنيا وعالميا. فضلًا عن توسيع الشركات الثقافيّة والاحتفاء بالقامات الأدبية العالمية؛ كما هو الأمر مع جائزة الأركانة العالمية للشّعر التي تُمنح سنويا للشّعراء الأجانب على مجمل أعمالهم، وذلك بالتعاون مع بيت الشعر في المغرب وصندوق الإيداع والتدبير.

وفي القناعة أن الدخول الثقافي لا يرتهن بمبادرات وبرامج وزارة الثقافة ودور النشر فحسب، وإنّما بالأسرة، أيضًا، التي تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على التراث الثقافي المغربي ونقله من جيلٍ إلى جيلٍ، وأن تعي أهمية الثقافة في الحفاظ على تماسك المجتمع وتعايش أفراده والعمل على إشاعة ثقافة السلم والحوار بين الثقافات في تعدّدها، وأن تضع الخبز والكِتاب في مصافٍ واحد، وألّا تغيب عن حسبانها أهمية وجود مكتبة منزلية والعمل على إثرائها بعناوينَ جديدة بدل الركض خلف الثراء المادي بشتّى الطرق. إنّه الدخول الثقافي الحقيقي عوض الاقتصار على إدخال الفواكه والأجهزة الإلكترونية وباقي أغراض الديكور المنزلي.

غير أنّ الصورة تصبح ضبابية ويحيد «الدخول الثقافي» عن فهمه الصحيح، عندما يتم اختصاره في إعلان دور النشر الوطنية عن جديد إصدارتها؛ على محدوديتها، وفتح المراكز الثقافية أبوابها بعد الخمول الصيفي، واستئناف المنصات الثقافية نشاطها، وإعلان وزارة الثقافة عن نتائج جوائزها وما يرافق ذلك، أحيانًا، من انتقادات غير رحيمة كما هو الحال دائمًا مع جائزة الشعر. وهي مناسبة لنقول إنّ الثقافة ليست هي الشّعر والرواية والمسرح والسينما كما يفهم البعض، ويتم نقله إلى تلاميذ المدارس، وإنما المقصود هنا كلّ أنواع الفنون والمعرفة والأشكال التعبيرية والقيم والعادات وأساليب الحياة التي يتم توارثها عبر الأجيال.

إنّ الدخول الثقافي يحتاج إلى استجابة جماعية، من مؤسسات تعليمية ومعاهد جامعية وفعاليات جمعوية وسياسية، وإلى دور نشر تُحقق التسوية بين الهم الثقافي والحس التجاري، وإلى إعلامٍ حقيقي ينتصر إلى الفعل الثقافي الجاد وإلى الثقافة المغربية في تنوعها وعمقها بدل التسطيح والإشاعة واستغلال مآسي الطبقة الفقيرة.

 

سارة حامد حوّاس.. الدخول الثقافي.. حصيلة وآفاق

 

 

هذه قراءة تقييمية للحصيلة الثقافية لسنة 2025، مع استشراف لما يمكن أن يكون عليه الموسم الثقافي القادم: سأبدأ بالمعالم الوطنية التي تخص بلدي مصر حيث حرصت وزارة الثقافة والإدارة المركزية للعلاقات الثقافية الخارجية على تنمية الحضور المصري الدولي عبر أكثر من 100 فعالية ثقافية عالمية.

واستضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب (الدورة 56) دور نشر من نحو 80 دولة، وخصص قاعةً للكتاب المخفّض، وشهد مشاركة واسعة داخل المحاور الثقافية والفكرية. وكنت أنا مشرفة ومنسقة البرنامج الخاص بالشعراء الأجانب، كما أن وزارة الثقافة خصّصت برنامجًا ثقافيًا مكثفًا للاحتفاء بـ«أديب نوبل» نجيب محفوظ في القاهرة والمحافظات، بما يزيد عن 200 فعالية (ندوات، ورش، معارض) لتعزيز الارتباط بالموروث الأدبي المحلي والعربي.

واستمرت الفنون والعروض المسرحية والموسيقية بوتيرة جيدة، فقد مثلت دار الأوبرا المصرية مشهدًا بارزًا في هذا الجانب، رغم الضغوط الاقتصادية والإعلامية. وكذلك، الجامعة الأمريكية في القاهرة، التي نظّمت مهرجانًا ثقافيًا تحت اسم Tahrir CultureFest احتفى بطابع القاهرة العالمية، وضمّ عروضًا فنية، حوارات، معارض وورش عمل.

ومن هذه المعطيات يمكن القول إن المشهد الثقافي في مصر شهد نشاطًا نوعيًّا، سواء عبر التوسّع في البُعد الخارجي أو عبر تمكين الفعل الثقافي داخل الأقاليم والمحافظات. الأثر الأهم هنا هو أن الثقافة لم تكتفِ بأن تكون «زينة» بل سعت لأن تكون أداة للتواصل، ولإعادة تأكيد الهوية والانفتاح. كما صدر لي كتاب «ولاؤهم للرُّوح.. عشرون شاعرًا أمريكيًّا حازوا جائزة بوليتزر مختارات شعرية وسِيَر» عن بيت الحكمة للثقافة. وأيضا إصداري كتابا شعريا تحت عنوان «جبل على كتفي» وقد صدر عن بيت الحكمة للثقافة في القاهرة أيضا.

شاركت أيضا في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية في العراق في أبريل الماضي بقراءة شعرية مع شعراء وشاعرات من شتى بلدان العالم، كما شاركت بندوة حول الترجمة في جامعة بابل، وفي مؤتمر قصيدة النثر المصرية بورقة حول «الترجمة التحديات والمشكلات والحلول». أمّا على المستوى العربي ففي الإمارات، على سبيل المثال، أُعلن برنامج ثقافي طموح في الشارقة لعام 2025، يشمل جوائز سنوية، ومهرجانات مسرحية للشباب وتكريمًا للمبدعين العرب، مما يدل على التوجه المستمر نحو التحوّل الثقافي كرافعة ناعمة في المجال المحلي والإقليمي.

أما مؤتمر الصناعات الإبداعية العربية في أبوظبي، الذي عاد تحت عنوان «الإبداع العربي يُعيد تخيله» (شتنبر 2025)، فيركّز على أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، والنشر الرقمي وأساليب السرد الجديدة. وفي مبادرة جديرة بالانتباه، أعلنت «أصوات عربية» عن توسيع مشروع ترجمة ودعم الأدب العربي إلى الأسواق العالمية، من أنشطة مصرية كانت محصورة سابقًا إلى شمول عربي.

وعلى مستوى الفن المعاصر، استضاف معرض Art Cairo 2025  في مصر أعمالًا لفنانين إقليميين، إلى جانب النسخة 16 من بينالي الشارقة بمشاركة واسعة. وهذه الفعاليات تكشف أن المشهد الثقافي العربي يحاول تجاوز الحواجز الجغرافية والتقليدية، وأن هناك رغبة في أن يكون المنتج الثقافي العربي حيويًّا في العالم، لا مجرد مرآة محلية.

أمّا على المستوى العالمي، فإنّ العالم يمرّ بمرحلة مفصلية في الاهتمام بثقافة التنوع والتعبير، حيث احتفلت اليونسكو بمرور 20 عامًا على اعتماد اتفاقية حماية التنوع الثقافي كمنصة للتحوّل الرقمي الثقافي والتحديات المعاصرة. وعلى صعيد المهرجانات، مهرجان البوسان السينمائي الكوري أقيم في سبتمبر 2025، ومثّل منصة آسيوية مؤثرة لعرض الأفلام وتبادل الثقافات السينمائية.

وفي مجال التصميم، انطلقت نسخة London Design Festival في سبتمبر 2025، مسلطة الضوء على التصميم المعاصر كأداة للتغيير الحضري والابتكار. وفي الساحة الفنية العالمية، المظاهر التي تربط الثقافة بالفن الرقمي والعروض متعددة الوسائط تتزايد؛ وهناك تجارب مثل مزج سرد الماضي بالحاضر في الفنون البصرية والتقنيات الجديدة (مثل الواقع المعزز، التفاعل الرقمي). وكذلك، الثقافة الاحتجاجية والفنية المرتبطة بقضايا الحركات الاجتماعية أو الصراعات (كما في عروض تضامن مع فلسطين أو التعبير عن الأزمات) تبرز كجزء لا يتجزأ من المشهد الثقافي العالمي المعاصر. (مثال: Together for Palestine  مهرجان موسيقي ضخم يجمع الفنانين لدعم القضية الفلسطينية). ومن هذا النزوع، يبدو أن الثقافة العالمية تعيش انتقالًا من كونها ترفًا أو ترفيهًا إلى أن تكون ساحة جدلية بين الهوية والتحدي، بين الحضور المحلي والتداخل العالمي. ويمكن اختصار الحصيلة الثقافية في 2025 بأنها كانت مزيجًا من التحرك الاستراتيجي والرغبة في التجديد، مع بعض التوترات:

المكاسب: التي تتجلى في تعزيز الحضور الدولي للمبدعين العرب، ورعاية المشروعات الترجميّة ونشرها عالميًّا، تقاربُ بين الثقافة والإبداع الرقمي، وتشجيع الفعل الثقافي في الأقاليم والمحافظات (لا مركزية فقط).

التحديات: في التمويل المستدام للبرامج الثقافية، والفجوة الرقمية في الوصول إلى الثقافة للشرائح المهمشة، الضغوط السياسية، الحفاظ على حرية التعبير في ظل المواجهات الاجتماعية، وضمان أن تكون الثقافة ليست أداة ترويجية فقط بل مكانًا للنقد والابتكار. ومن وجهة نظري، الأهم في هذه المرحلة هو أن الفعل الثقافي لا يعود مقتصرًا على المعارض والجوائز، بل يجب أن يمتد إلى الحياة اليومية مثل المدارس، والمراكز الشبابية، والحوارات الرقمية والفنون البديلة في الشارع.

أمّا عند النظر إلى الأماني والتوقعات، فمن المنتظر أن يحدث تكامل أعمق بين الثقافة والتكنولوجيا الرقمية، ويزداد الدمج بين الفن والثورة الرقمية.. مزج الواقع المعزز، الفنون التفاعلية، ممارسات الفنون الرقمية التي تتجاوب مع الزائر، ليس كمشاهد فحسب بل كمشارك. وأن تصبح الترجمة والتصدير الثقافي تحديا استراتيجيا من خلال مشروعات مثل «أصوات عربية» التي تحتاج أن تتوسع وتُلبّي حاجات الأسواق الناطقة بلغاتٍ أخرى، مع إدراك أن الترجمة والترويج العالمي للعربية هما مفتاح الحضور خارج النطاق العربي.

إضافة إلى ذلك، نأمل في أن تشهد الفعاليات الثقافية العربية تعاونًا عابرًا للبلدان انطلاقا من إقليمية أقوى وشراكات تتخطى الحدود: مشروعات فنية مشتركة، معارض تجوب الوطن العربي، تبادلات في الفنون المسرحية والموسيقى بين الدول العربية. وأن تتجه الثقافة أكثر إلى مواجهة الأزمات الثقافية والبيئية لمعالجة القضايا الكبرى — البيئة، العدالة الاجتماعية، النزوح، الهوية في زمن التغيّر — وسيُنتج فنونًا تعبّر عن القلق الجمعي وتعكس الحراك الاجتماعي. ومن أجل مستقبل مستقر يجب أن تُطوّر نماذج تمويل مستدامة وجديدة (رعاية، شراكات، اقتصاد ثقافي صغير) بدل الاعتماد الكلي على الدعم الحكومي أو المنح. أخيرا، احتضان الهامش والتمثيل للجماعات المهمّشة، لذلك أتطلع إلى أن يزداد تمثيل المرأة، في المناطق النائية، والمجموعات الأقل حضورًا، في الإبداع الثقافي الرسمي والبديل. وباختصار، فإنّ موسم 2026 الثقافي لديه فرصة ليكون موسم التحوّل من فكرة الثقافة كزينة سياسية إلى فكرة الثقافة كشبكة حية تتفاعل مع المجتمع، تأخذ من الماضي، وتضع بصمتها في الحاضر وتتطلع إلى المستقبل.

شاعرة ومترجمة وأكاديمية من مصر

 

 رف الكتب

 اختراع الكتب.. اللا متناهي في برديّة

نقرأ في تقديم كتاب «اختراع الكتب» للكاتبة الإسبانية إيريني باييخو على ظهر غلافه: «لو أنّ هناك نسخة من «ألف ليلة وليلة» تحكي عن الكتب والكتابة، فهي ماثلة بين يديك الآن في هذه الصفحات التي وضعتها الباحثة والروائية والحكّاءة إيريني باييخو، «شهرزاد الكُتب» مازجة بين التاريخ والأدب والمتعة ببراعة قلّ نظيرها. في هذا العمل الرائع، الذي وُصف بأنّه «أنشودة في حبّ الكتب»، تقتفي المؤلفة آثار الكتب انطلاقا من مكتبة الإسكندرية العظمى، التي «خلقت موطن من الورق لمن لا موطن له». هناك حيث أُلغيت الحدود وتعايشت كلمات الشعوب.

بلغة رشيقة سلسة، تعود بنا إيريني باييخو إلى مكتبات مصر القديمة، وبلاد الرافدين، وفينيقيا، واليونان، وروما، وغيرها… كما تستحضر أشكال التدوين الأولى، واختراع الحروف الأبجدية، وتطوّر الكتاب من الألواح والبرديّات، مرورا برقوق الجلد والورق، وصولا إلى الكتاب الإلكتروني. في الكتاب متّسع للكون بأسره، ومن هنا جاءت فكرة «اللا متناهي في برديّة»، الذي سرعان ما حقق نجاحا مدويّا، وأصبح ظاهرة أدبية في شتّى أرجاء العالم، وتُرجم إلى أربعين لغة وحصدت مؤلّفته عددا كبيرا من الجوائز المرموقة.

«لطالما كانت القراءة ارتحالا، سفرا، رحيلا في سبيل العثور على الذات»، وفي هذه الرحلة الغنية بالمغامرات والطرائف والصعاب، نقتفي أثر الكتب كلّها وكأنّها قطع من كنز تناثرت أجزاؤه، حتّى نعثر على أصل الكتب والكتابة». أمّا الكاتبة إيريني باييخو فتذكر كيف خطرت ببالها فكرة الكتاب والأجواء الخاصة التي تمّت فيها كتابته: «… عرفتُ منذ اللحظة الأولى أنّه لن يكون مقالا متوقعا، وإنّما تجربة أدبية، نسيجا مطرّزا بالقصص، حكاية من الحكايات. إنّها «ألف ليلة وليلة» التي تحكي قصّة الكتب.

كنتُ أحبّ مراقبة طلابي بانتباه وأنا ألقي الدروس، حتّى أتعلم منهم مهنة التعليم، فتأكّد لي أنّ الطرائف والمغامرات والأخطار والسيّر تترك في نفوسهم أثرا أقوى من ذلك الذي تتركه الأفكار المجرّدة. وهكذا رحتُ أسائل نفسي كيف أتمكّن من وضع مقال في التاريخ، يُنسج كما تُنسج الرواية، بخيوط الترقب والحكايات والأجواء ووجوه البشر. ثم دار بخلدي أنّ خير وسيلة لذلك تكون برواية التجسّدات التاريخية التي عرفتها الكتب تحديدا، وكأنني راوية شفهية من رواة الماضي، ما دمتُ أرغب في الاحتفاء بالكتب. وهكذا انطلقتُ أكتب هذا المؤلف هاربة من العمل الأكاديمي البارد الرصين، في محاولة منّي لربط الاكتشافات التي وقفتُ عليها في عملي باحثة، بشغف شهرزاد إذ تبحر في حكاياتها الليلية.

هكذا وُلد (اللا متناهي في بردية) خلال لحظات عصيبة، في العراء، بعيدا كلّ البعد عن الآمال الكبرى. وممّا يثير المشاعر في نفسي أنّه قد كبُر بفضل سخاء المجهولين الحميمين، والمشجّعين السرّيين. ما دام الكتاب مقفلا، فإنّه لا يعدو أن يكون نوتة موسيقية خرساء من الحروف، موسيقى سيمفونية لم تزل قيد الاحتمال. فما من قصة أو صفحة تختلج ما لم تداعبها عينا قارئ آخر، لأنّها في حاجة إلى مترجمين يضربون أوتارها، ويمرّون بمدرّجاتها الموسيقية المحمومة، ويهمسون بأناشيدها… ويشكّلون ألحانها على إيقاع ذكرياتهم، حتّى تدبّ فيها الحياة».

 

 

 

 

 مقتطفات

 البارود.. تاريخ المادة المتفجرة التي غيّرت العالم

يستعرض المؤرخ الأمريكي جاك كيلي Jack Kelly، في كتابه «البارود.. تاريخ المادة المتفجّرة التي غيّرت العالم»، مراحل تطور مادة البارود من سلاح فتّاك غيّر وجه التاريخ إلى أداة للاحتفال والتعبير عن الفرحة والبهجة. عن هذه البدايات الأولى للبارود يقول: «… المادة التي أصبحت تُعرف بالبارود لم يتم اختراعها من أجل المدفع، وقبل بدايته لم يكن أحد قد تصور وجود آلة تطلق المقذوفات بدفعٍ من طاقة كيميائية.

وقد أنتج أناس أدوات لاستخدام هذه المادة الجديدة فقط بعد أن برزت من خلال تأمل الكيميائيين المذهل. ولم يسفر البارود عن خصائصه وإمكاناته إلّا بعد قرون من التجربة والخطأ. ولم تكن هناك نظرية معقولة ترشد مخترعي البارود، والأكثر من ذلك أنّه خلال التسعمائة عام، عندما شاع استخدام البارود، أي خلال القرن منذ بطل استعماله في معظم المجالات، لم توجد أية تركيبة من عناصر طبيعية يمكن أن تحدث آثارا مطابقة له. لقد كان البارود شيئا متفردا.

وفي وقت مبكر من تاريخ البارود وصف بأنّه «قُطارة الشيطان» ذلك لأن مشاهديه كان يصيبهم الفزع من وميضه وهديره، وكان صنّاعه مبالغين في الكتمان ويعلو السواد أجسادهم. كما كانوا متهورين ويعتبر عملهم الغامض عرضة لحوادث كارثية. وكان حجر كبريت العمود الحارق، وهو أحد مكونات البارود، ينسب دائما إلى إبليس.

واعتبر البارود لغزا شيطانيا يتوهّج توهجا وحشيا وجهنميا بمجرد إشعاله، تاركا وراءه رائحة الكبريت النفاذة وغيمة من الدخان». ثم يضيف موضحا كيف أصبح البارود والطباعة والمغناطيس إحدى الركائز التي أسهمت في تغيير وجه التاريخ خلال القرون الوسطى: «وقد ظل البارود لمعظم حقبة ألف عام متفجرة الجنس البشري الوحيد، وكان واحدا من التقنيات الكيميائية القليلة التي برزت من العصور الوسطى وكانت آثاره خطيرة.

وفي القرن السابع عشر تحدث فرانسيس بيكون عن تلك «الأشياء الثلاثة التي لم تكن معروفة للقدماء، والتي، رغم حداثتها، ظل أصلها غامضا ومغمورا وهي الطباعة والبارود والمغناطيس، وهذه الأمور الثلاثة غيّرت تماما وجه الأشياء وحالتها في جميع أنحاء العالم». وفي الحقيقة كان أصل البارود من دون شك حافزا للعالم الحديث باعتباره الاختراع الذي أحدث شقا فاضت بعده أنهار التاريخ في اتجاه جديد».

أما في عصرنا فيشير الكاتب: «اليوم يعتبر البارود مفارقة تاريخية، إذ إن صنّاعه الذين يقومون بتشغيل العدد القليل المتبقي من الطواحين، ما زالوا يستخدمون الطرق القديمة التي تعود إلى عدة قرون، ولم يكن أسلوبهم في عمل البارود سرا بالنسبة لحرفيي الأعوام الثلاثمائة من الألفية الثانية. والجدير بالملاحظة أنّ التقنية التي وصلت إلى الغرب في زمن (دانتي) كانت لا تزال تؤدي خدمة ثمينة في زمن هنري فورد، كما أن المادة التي كانت تزوّد السهام النارية والمفرقعات النارية في عصر جنكيزخان قُدّر لها أن تفعل نفس الشيء خلال العصر الحاسب الكمّي».

أخيرا يتناول هذا الكتاب التقنية الأصلية عن البارود، الذي نتج عن المزج الميكانيكي للمكونات الموجودة بشكل طبيعي. وخلال الجزء الأخير من عام 1800، أُلغيت هذه المادة القديمة بواسطة أنواع من الوقود الدافع والمتفجرات الاصطناعية المستخرجة في المختبر الكيميائي. وأصبح البارود الأصلي معروفا باسم «المسحوق الأسود»… وظلّ الاستخدام الأساسي للبارود هو صناعة الألعاب النارية.

إنّ عبوة من البارود تدفع قذائف من الصواريخ النارية إلى أعلى، كما أن فتيل المفرقعة يصدر هسيسا نحو الغلاف الخارجي أثناء طيرانه. وتفجر عبوة أخرى القنبلة لكي تطلق شذرات مشتعلة يخلق وهجها الغني بالألوان تلك الأشكال الرائعة، أمّا الدخان الذي ينساق نحو الجمهور، فإنّ رائحته هي نفسها رائحة الدخان الذي كان ينطلق عبر الصين القديمة، والذي أشبع أعدادا لا حصر لها من ميادين القتال، والذي تسرب من مناجم الفحم، ذلك هو دخان التاريخ الموجع والمثير للذكريات. إنّ الوظيفة التي انتهى إليها البارود هي نفس الوظيفة التي بدأ بها. وقبل قاذفات اللهب والقنابل والمدافع، التي ملأت العالم بما تحتويه من رعب، كان البارود أداة البهجة وباعث الروعة».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى