حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف الأسبوع

كنت متظاهرا … وزراء ساروا في ركب مظاهرات صاخبة

حسن البصري:

ليس الهدف من التظاهر والاحتجاج العمومي فقط مواجهة السلطات، بل هي أداة لنقل الاحتجاج الفردي إلى احتجاج جماعي. وعلى مر التاريخ، كانت التظاهرات بمثابة القوة الدافعة وراء بعض أقوى الحركات الاجتماعية، إذ تترجم مطالب الجماعات ورغبتها في رفع الحيف عنها والظلم حين يطولها.

الحق في التظاهر السلمي ليس مجرد شعار دستوري، بل مرآة تعكس جوهر التحول الديمقراطي الحقيقي، وأداة راقية تمكن المجتمع من أن يسمع صوته ويجدد عهده بالمساءلة والرقابة الشعبية.

التظاهر السلمي عنوان للديمقراطية ولسلوك المواطنة، يجعل المواطن رقيبا على السياسات العمومية في بلاده، ويعكس قدرة الشعوب على التعبير عن همومها وتطلعاتها بوسائل حضارية، بعيدا عن منطق العنف والانفلات.

لهذا، رفعت منظمة العفو الدولية شعار “لنحمي التظاهر”، ونددت بمن يسعى إلى انتهاك الحق في التظاهر، ودعم الحركات في جميع أنحاء العالم في سعيها لإحداث تغيير إيجابي، عبر حماية المتظاهرين، و”إزالة الحواجز والقيود غير الضرورية التي يتعرّض لها التظاهر السلمي”.

أفرزت المظاهرات نخبا سرعان ما انتقلت من صف المحتجين من عامة الناس، ومن العمال البسطاء، إلى الصفوف الأمامية للوجاهة الحزبية والنقابية، بل منها من عبر نحو ضفة التدبير الحكومي للشأن العمومي، بعدما جعلت من التنظيمات الحقوقية والنقابية والطلابية مدرسة للتكوين في الترافع.

في كثير من الدول، يتحول الحقوقي والنقابي إلى سياسي والعكس صحيح، وفي بعض الأحيان يرفض قادة المظاهرات تأبط الحقائب الوزارية، على غرار نوبير الأموي، الذي رفض مقترح استوزار من عبد الرحمان اليوسفي حين كان رئيسا للحكومة.

لكن عددا من الوزراء المغاربة، الذين ساروا في ركب المسيرات الاحتجاجية ورددوا الشعارات الحماسية، سينتهي بهم المطاف في دائرة القرار عرضة للانتقاد، وهذه الظاهرة تتجاوز المغرب، ففي دول عديدة يتحول قادة الاحتجاج إلى حكام يواجهون غضب مسيرات جيل آخر.

 

 

اليوسفي.. الوزير الخبير في المظاهرات

حين بدأ عبد الرحمن اليوسفي حياته السياسية في حزب الاستقلال، كان يعكس رأي الشباب المتحمس والمثقف. فوران في دمه وهو يحاول البحث عن موضع قدم يناسبه في الدار البيضاء، من خلال الاشتغال النقابي، قادما إليها من طنجة، جعله مرات كثيرة يخرج عن الخط الذي ترسمه القيادة في الحزب. لذلك كان من أوائل من التحق بالمهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم، ليكون في صف المنفصلين الأوائل عن حزب الاستقلال، والمتحمسين لتجربة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

في مذكرات عبد الواحد الراضي “المغرب الذي عشته.. سيرة حياة”، إشارات قوية للمراس الصعب لعبد الرحمن اليوسفي، “الذي كان يثير إعجاب المحيطين به تارة، وغضبهم تارة أخرى. لأن هدوءه كان مزعجا، ولم يفلح كل قادة الحزب في إقناعه مرات كثيرة بالعودة إلى المغرب إن هو حزم حقيبته، احتجاجا على تزوير الانتخابات كما وقع في تجربتي 1980 و1995. لم يكن لديه موقف وسط ولا طريقة للسباحة مع التيار”.

“عندما عاد عبد الرحمن اليوسفي إلى الرباط، أصبحت لديه خبرة في المظاهرات، وهو ما استمر فيه حتى عندما غادر إلى فرنسا لدراسة الحقوق. فخلال المرحلة الطلابية، كان عبد الرحمن اليوسفي يحضر المظاهرات التي تحتج على السياسة الفرنسية في المغرب”، وفي المغرب وضع خبرته رهن إشارة المنظمات اليسارية.

وفي بداية الخمسينيات، عاد اليوسفي إلى طنجة، حيث اشتغل محاميا بها ما بين سنوات 1952 و1960. ووقتها كان موضوع نفي الملك الراحل محمد الخامس في الواجهة. وكان على اليوسفي أن يترك مكتبه في طنجة، مرات كثيرة لكي ينزل إلى الدار البيضاء والرباط، ويشارك، ناسيا أنه صاحب بذلة لمهنة تفرض على أصحابها وقتها الكثير من الوقار، ويكون في الصف الأول لمن تأتي “هراوات” البوليس على ظهورهم.

أثناء عضويته في حزب الاستقلال، طيلة الفترة ما بين 1943 و1959، كان يتزعم الأنشطة الطلابية والعمالية الأولى، ولم يمنعه مركزه من حضور بعض الأحداث التاريخية خلال بداية الخمسينيات، سوى التحاقه بأوروبا لدراسة القانون.

لهذا ظل مطاردا من طرف البوليس السياسي ما بين سنوات 1962 و1963. إذ كان المنزل الذي تقطنه والدته يتعرض لحملات تفتيش مباغتة بحثا عن عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان مبحوثا عنه أكثر من مرة، سواء سنة 1959 بسبب افتتاحية بجريدة المحرر أو خلال 1963، حيث اعتقل من داخل مقر المؤتمر الذي عقده قادة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان اليوسفي على المنصة رفقة أسماء من طينة عبد الله إبراهيم ومحمد الفقيه البصري والشيخ محمد العربي العلوي.

 

الوفا.. قاد مسيرات ضد رداءة التعليم فأصبح وزيرا للقطاع

اجتمع في محمد الوفا ما تفرق في غيره، فهو الرجل الذي جمع بين السياسة والاقتصاد والديبلوماسية والتعليم، وفيها معا كان يعلن التمرد، بل إنه رفض الخضوع لقرار حزب الاستقلال القاضي بالانسحاب من الحكومة وأصر على البقاء في تشكيلتها.

من مواليد 1948 بمراكش، بعد حصوله على الإجازة في العلوم الاقتصادية في كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس في الرباط، سيرحل إلى باريس حيث تابع دراساته العليا في العلوم الاقتصادية، ثم نال دبلوم السلك الثالث بمعهد التنمية الاقتصادية بباريس.

في بداية الثمانينات أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وقبله تولى منصب الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية ما بين 1976 و 1984 كما ترأس الاتحاد العام لطلبة المغرب.

يقول عنه صديقه الأنثروبولوجي عبد الصمد محيي الدين، “إن محمد الوفا يستمد الجرأة السياسية من تاريخه الطويل في النضال، فقد كان جريئا منذ صغره. جريئا بثانوية محمد الخامس بباب أغمات، جريئا بنادي الشبيبة الاستقلالية، هناك كان صديقنا محمد الوفا يصول ويحاج سياسيا الأصدقاء قبل الأعداء”.

كان يتقدم المظاهرات الاحتجاجية في الجامعة، ويدعو في الاجتماعات الصاخبة لشبيبة حزبه إلى رفع سقف المطالب، بل تقدم عشرات المسيرات حين كان يرأس الاتحاد العام لطلبة المغرب.

لكن الشاب، الذي طالما رفع شعارات تطالب بجودة التعليم، وجد نفسه وزيرا للتعليم في حكومة بنكيران ممثلا لحزب الاستقلال، في تحالف حكومي، سيكلفه لاحقا ضياع عضويته في حزب “الميزان”.

بعد وفاته بسبب وباء كورونا، قال رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، في حفل تأبينه: “لم يكن بيني وبينه اتصال مباشر في السابق، وبعد أن عينني الملك رئيسا للحكومة، واختلفنا في حقيبة التعليم واقترحوا علي الوفا فرحت. هذا الرجل اسمه يتطابق مع حقيقته”.

حين كان رئيسا للاتحاد العام لطلبة المغرب، قاد وقفة احتجاجية في أكثر من حرم جامعي ضد الموظفين الأشباح، وحين أصبح وزيرا للتعليم شن حربا بلا هوادة على المدرسين الأشباح، وكان من الوزراء القلائل الذين يحضرون بصفة شخصية لاجتماعات مديريات الوزارة في المدن، رافضا فكرة أن ينوب عنه أحد في هذه المسؤولية.

ندد وهو طالب بالخروقات التي يشهدها الحقل التعليمي ورفع شعارات الإصلاح والتقويم، وحين أصبح وصيا على القطاع، “عكف على النبش في ملفاته إلى أن كشف المستور وأقر بما شابه من اختلالات وخروقات خطيرة، فتم تشكيل لجنة للتقصي في ميزانيته الضخمة ومشاريعه التي لم تنجز”.

 

وهبي.. تعلم دروس النضال بمكتب المحامي بن جلون

من مواليد مدينة تارودانت سنة 1961. انضم لحزب القوات الشعبية في منتصف السبعينات، وتابع دراسته العليا في الرباط، حيث حصل على الإجازة في القانون العام من جامعة محمد الخامس وديبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون.

لكن دخول وهبي معترك السياسة الحقيقي بدأ حين التحق كمحام قيد التمرين بمكتب أحمد بن جلون اليساري وشقيق القيادي الاتحادي الراحل عمر بن جلون.

حين حصل على شهادة الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس، اختار ممارسة مهنة المحاماة فالتحق، سنة 1989، بمكتب أحمد بنجلون كمتمرن، وهناك رضع من ثدي الفكر اليساري وشارك في صياغة بيانات وعاش ميلاد حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي سنة 1989 والذي أسسه أحمد بن جلون، ما مكن وهبي من مواكبة هذا الحدث السياسي.

رافق وهبي المحامي بن جلون في محطاته النضالية، لكنه لم يكن في الصفوف الأولى للمظاهرات التي كان يتقدمها الحزب اليساري، قبل أن يفتح عبد اللطيف مكتبا في الرباط ويصبح محاميا في منزلة بين منزلتي اليسار واليمين.

خلال هذه الفترة، سينفتح وهبي على الصحافة ويؤسس جريدة رياضية حملت اسم “الجمهور” لكنها لم تعمر طويلا، كما كان مديرا سابقا لمجلة “عدالة”. دخل التجربة الحقوقية كمستشار بمركز الهجرة بوزارة حقوق الانسان، وعضو بالمعهد المغربي لحقوق الإنسان، وكان عضوا مؤسسا لفرع منظمة العفو الدولية بالمغرب، وأيضا نائبا لرئيس المنظمة العربية للمحامين الشباب، حين كان شابا، وقاد حركات احتجاجية في بهو المحاكم، وحين أصبح وزيرا للعدل تصدى لغضبات المحامين ووقفاتهم التي شلت المحاكم.

يقال إن وهبي “جنى ثمرة كانت ناضجة بعد فشل قيادة “التراكتور” السابقة في تزعم انتخابات 2016، رغم الدعم، والعهدة على خصومه في حزب “المصباح”، من هنا سيتمكن تيار وهبي من التربع على منصة “البام”، وتم سحب البساط من تحت أقدام الأمين العام السابق عبد الحكيم بنشماش، خاصة حين أسس تيار المستقبل من داخل الحزب وعززه بكثير من القيادات الأمازيغية.

 

الداودي.. وزير في طليعة وقفة المقاطعة الاقتصادية

في نهاية الأسبوع الأول من شهر يونيو سنة 2018، سيطلب وزير الشؤون العامة والحكامة المغربي لحسن الدوادي، إعفاءه من مهامه الوزارية، وذلك على خلفية ظهوره في وقفة احتجاجية لعمال “سنترال دانون” الفرع المغربي لشركة “دانون” الفرنسية لمنتجات الحليب، كانت تطالب الحكومة بالتدخل لحمايتهم من الطرد و”التشرد” على خلفية حملة مقاطعة المنتجات الاستهلاكية في المغرب.

في اليوم نفسه أصدر حزب “العدالة والتنمية” الذي كان يقود الائتلاف الحكومي بيانا ربط فيه هذه الاستقالة بتداعيات ظهور الداودي في وقفة احتجاجية في الرباط، الغرض منها المطالبة بوقف الحملة ودعوة الحكومة للتدخل لحماية مناصب عملهم المهددة جراء خسائر الشركة.

ظهور الوزير في هذه الوقفة أثار استغراب الجميع، إذ تبين أنه كان في طريقه إلى اجتماع بمقر البرلمان، وخلفت موجة من التعليقات الساخرة والمستهجنة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال البيان الذي صدر إثر اجتماع استثنائي دعا إليه رئيس الحكومة آنذاك وأمين عام حزب “العدالة والتنمية” في تلك الفترة سعد الدين العثماني، إن مشاركة الداودي في هذه الوقفة الاحتجاجية “تقدير مجانب للصواب وتصرف غير مناسب”.

مسطريا، أصبحت استقالة الوزير نافذة بعد أن رفعها رئيس الحكومة إلى الملك. وكان الداودي مسؤولا مباشرا عن مواجهة أزمة المقاطعة بالنظر لصلاحيات وزارة الشؤون العامة والحكامة المتصلة بمراقبة الأسعار.

ولد لحسن الداودي سنة 1947 بمنطقة فم أودي في ضواحي مدينة بني ملال. ترعرع الفتى في أسرة ميسورة، وكان عمه قائدا معارضا لكبير القواد الباشا التهامي لكلاوي، لذا لم يعش الولد طفولة القهر، بل كان يملك دراجة هوائية وهو تلميذ في الابتدائي، في زمن كان فيه امتلاك دراجة عنوانا للرفاه.

درس المرحلتين الابتدائية والثانوية في بني ملال، وانتقل إلى الرباط حيث حصل على الباكلوريا سنة 1971. وعاد إلى بني ملال، حيث تمكن من الظفر بوظيفة مدرس لمادة الرياضيات في إحدى ثانويات المدينة، لكنه ظل يراسل الجامعات الفرنسية أملا في الحصول على منحة، وهو ما تأتى له لينتقل إلى جامعة ليون بفرنسا لاستكمال تعليمه في شعبة الاقتصاد.

خلال فترة دراسته الجامعية في فرنسا، كانت للفتى الملالي ميولات ماركسية، فقد كان متيما بالفكر الشيوعي داعيا إلى سلوك تحرري يتنافى مع قناعاته الحالية، بل إنه انخرط في فصيل الطلبة الاشتراكي على امتداد مساره التعليمي في فرنسا. وحين عاد إلى المغرب غير جلده الإيديولوجي.

 

أرسلان.. قاد احتجاج عمال الفوسفاط وأصبح وزيرا للشغل

لم يشغل مسؤول حكومي الرأي العام كما شغله محمد أرسلان الجديدي، سواء حين كان نقابيا أو برلمانيا أو أمينا عاما لحزب سياسي، أو وزيرا أو رئيسا للمجلس البلدي بالجديدة، لكن لا أحد يتحدث عن أرسلان المعلم، بل إن عددا من الناس ظلوا يعتقدون أن ابن دكالة لا علاقة له بالتدريس والترافع، وينسجون حوله روايات تحتمل كثيرا من النقاش.

اسمه الحقيقي محمد الجديدي، ولقبه أرسلان، وهو من مواليد سنة 1926 بمدينة الجديدة داخل أسرة تنحدر من قبيلة توجد في منطقة الغربية ضواحي الزمامرة، على الحدود بين دكالة وعبدة.

يقول عبد الله غيتومي، أحد رفاق دربه، إن أول وظيفة شغلها الراحل هي التدريس في إحدى المدارس الابتدائية في ضواحي أكادير، بعدما تلقى في العاصمة الرباط تكوينا كمدرس، وكان معلما للغة الفرنسية، لكنه لم يستمر طويلا في التدريس، بعد أن كثرت احتجاجاته على الوزارة، “لمس فيه رؤساؤه نزعة نقابية مستترة سرعان ما تفجرت حين قرر أرسلان مغادرة وزارة التربية والتعليم، واجتياز مباراة لولوج وظيفة بالمكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة ، وهناك وفي عنفوان الشباب يحتضن الشاب أرسلان من طرف الاتحاد المغربي للشغل النقابة التي كان يتزعمها المحجوب بن الصديق، ومع مرور الأيام اشتد عوده النقابي وراح يتزعم إضرابات صاخبة، أقلقت النظام يومذاك، وهو الأمر الذي جعل الدولة تقرب منها هذا الشاب القادم من عمق بادية دكالة، وتدخله دواليبها ليغرد داخل السرب وليس خارجه، وهكذا سيعينه الراحل الحسن الثاني مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم فيما بعد وزيرا للشبيبة والرياضة في حكومة كان يقودها محمد كريم العمراني، ثم وزيرا للشغل والتكوين المهني”.

عاش الرجل معارك نقابية وسياسية، وظل كثير التنقل بين المدن والمداشر، خاصة بعد أن عين أمينا عاما للحزب الوطني الديمقراطي الذي انشق عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما زاد من محنة أرسلان وبدأ الإرهاق يتسلل إلى جسده.

على الرغم من كونه رجل تربية، إلا أنه ظل يوظف الدارجة المغربية في خطبه السياسية بالخصوص، فحين كان مرشحا للانتخابات البرلمانية في الجديدة سنة 1976، باسم حزب الأحرار ولونها الأبيض، ضد عبد الكريم الخطيب الذي كان يتزعم حزب الحركة الشعبية الدستورية باللون الأصفر، قال أرسلان في تجمعه قولته الشهيرة “حنا جينا نجلبو ضد بوصفير” في إشارة للون خصومه.

 

الصقلي.. نظمت احتجاجا نسائيا في المسيرة الخضراء

شاركت نزهة الصقلي في المسيرة الخضراء، وكانت حينها عائدة للتو من الديار الفرنسية بعد انتهاء دراستها الجامعية. مشاركة نزهة كانت بناء على مقترح من حزب التقدم والاشتراكية، ولكنها احتجت على تخصيص نسبة 10 في المائة للنساء، مقابل 90 في المائة للرجال.

حين وصلت قوافل المتطوعين إلى مخيم طرفاية، فوجئ منظمو المسيرة الخضراء بتزعم نزهة للنساء المتطوعات، بل إنها أقدمت على تنظيم وقفة احتجاجية في مخيم مدينة طرفاية خلال تجمع المتطوعين، وطالبت بضرورة توفير احتياجات تتعلق بخصوصيات المرأة، ونبهتهم إلى إغفال بعض الأمور النسائية خاصة “الفوطات” الصحية، وهو مطلب فاجأ الجهة المنظمة، التي أغفلت الحاجيات الدورية التي تحتاج لها كل النساء وفي موعد محدد مرة في كل شهر. وقالت إن الماء والخبز لا يكفي لإنجاح المسيرة الخضراء.

قالت وزيرة التضامن والأسرة سابقا، لأحد المواقع الإلكترونية، إن المسيرة أخرجت المغرب من سنوات الرصاص وأقسى سنوات ما يسمى انعدام الديمقراطية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ المغرب في تحقيق الكثير، “المسيرة الخضراء لم تكن فقط مسيرة لاسترجاع أراضينا، ولكنها كانت أيضا بداية لتطور مكانة المرأة داخل المجتمع وكانت كذلك مسيرة للتنمية والتطور الذي شهده المغرب منذ سنوات وهذا يجب أن تستفيد منه باقي الأجيال”.

على امتداد حضورها في المسيرة الخضراء، جسدت نزهة الصقلي شخصيتها التحررية ونزعتها كمناضلة في مجال حقوق المرأة، وسعيها للمساواة بين الجنسين، في أول اختبار رسمي، وظلت تحت الفتيات على رفض الزواج بطريقة تقليدية، من خلال تجربتها الشخصية حين اعترضت على قضية الصداق واعتبرته شكلا من أشكال تبضيع المرأة، بل ورفضت إقامة عرس بتجلياته الاحتفالية، ولأنها دكالية الأصول فقد حرصت على زيارة وفد المتطوعات الدكاليات، وصلة الرحم معهن.

 

حين تحولت ثريا جبران من ممثلة متمردة إلى وزيرة للثقافة

كانت ثريا في زمن إدريس البصري ممنوعة من الصرف، بل إن أعمالها المسرحية كانت مصدر قلق لكثير من الأجهزة الأمنية، سيما أمام ميولاتها اليسارية، بل إن وزارة الداخلية ظلت تنقل للملك تحركاتها المقلقة وخطواتها على الركح ولقاءاتها مع معارضي القصر.

 

في عهد الحسن الثاني لم تكن ثريا مدللة، بل إن الساحة الفنية المغربية ما زالت تذكر بمرارة حادث اختطافها وحلق شعرها لمنعها من المشاركة في البرنامج الحواري الجريء “رجل الساعة” الذي كانت تقدمه الصحافية فاطمة الوكيلي على القناة الثانية.

تمرد ثريا لم يكن يقتصر الفضاء المسرحي، لكنها استلهمت التمرد منه، إذ ترجع علاقتها بالمسرح إلى مرحلة الطفولة، ففي سن العاشرة اقترح عليها أخوها، الذي كان يدير فرقة مسرحية للهواة في مدينة الدار البيضاء، المشاركة بدور ثانوي في إحدى المسرحيات، علما أن نبوغها في التشخيص ظهر في خيرية عين الشق حين كانت ترافق أحد أفراد أسرتها إلى هذا المرفق.

كانت نقطة التحول في حياتها حين التقت بالمخرج فريد بن مبارك، أستاذ الفن المسرحي، الذي أثنى على موهبتها، وشجعها على الاحتراف، وساعدها على الالتحاق بمعهد المسرح الوطني بالرباط عام 1969. كانت حينها تمثل ضمن فرقة المسرح الجامعي، وكان المسرح في نهاية عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، يشكل مصدر قلق للأنظمة السياسية العربية.

ساهمت ثريا في تأسيس عدة فرق مسرحية من بينها “مسرح الشعب”، و”مسرح الفرجة”، و”فرقة الفنانين المتحدين” ومثلت في أفلام ومسلسلات تلفزيونية، اكتسبت من خلالها شعبية عريضة خاصة من خلال وصلات إشهارية لازال المغاربة يحفظونها عن ظهر قلب، كما تألقت بشكل ملفت في أشهر مسرحيات الطيب الصديقي، كما انضمت جبران إلى فرقة الممثلين العرب، التي تأسست في الأردن، حيث حصلت على جائزة أحسن ممثلة عربية بمهرجان بغداد عام 1985.

تولت ثريا جبران عام 2007 حقيبة وزارة الثقافة، وكانت محسوبة على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فكانت بذلك أول فنانة مغربية وعربية تتولى منصبا في الحكومة، لكنها طلبت إعفاءها من المنصب سنة 2009 لأسباب صحية. عينت وزيرة للثقافة لكن المرض عجل برحيلها من كرسي الوزارة، بعد أن داهمها وأصبحت زبونة للمصحات، لذا طلبت من الملك محمد السادس إعفاءها من مهام لا تملك القدرة الجسدية والذهنية لممارستها، واختارت المغادرة الطوعية كي تتفرغ للعلاج. استجاب القصر للملتمس وعوضها في تعديل حكومي صيفي بنسالم حميش، قبل أن تلتحق بالرفيق الأعلى في 24 غشت 2020.

 

السعدي.. قاد احتجاجات وقدم خطة للمساواة تصدى لها “المصباح”

ولد سعيد السعدي بالدار البيضاء سنة 1950، وتبنى منذ صغره الأفكار اليسارية التي جسدتها بعض الشخصيات الرمزية للفكر السياسي في فترة ما بعد الاستقلال في المغرب، وتشبع بأفكار الاقتصادي والسياسي عزيز بلال، أحد المؤسسين لحزب التحرر والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي المغربي.

ولد السعدي، في “درب اليهودي” من عائلة تضم العديد من المناضلين في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، عرف منذ شبابه بنزعته الاحتجاجية وكان يفكر بصوت مرتفع. كان أبوه فقيها، وكانت أخواته على دراية بالحياة السياسية أيام كان المُعترك في حكر الرجال.

استقطبه حزب التقدم والاشتراكية، فانضم إليه في سبعينيات القرن الماضي، وفيه حمل شعار: “لا تقدمية ولا اشتراكية دون مساواة بين الجنسين”، وحين كانت الدولة تتبنى خطابا عن حقوق الإنسان، كان السعدي يرى أن المرأة محرومة من أدنى الحقوق.

شاءت الأقدار أن يعين السعدي، كاتبا للدولة لدى وزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني، مكلفا بالأسرة والطفل، داخل حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، فأعلنت الحكومة، بعدها، مشروعا يحمل اسم “خطة إدماج المرأة في التنمية”، وضعته كتابة الدولة في شخص السعدي، يرمي للنهوض بأوضاع النساء في مجالات شتى.

أثارت الخطة جدلا سرعان ما بلغ حد الاحتقان حين خرجت مظاهرتان عارمتان في الـ12 من مارس 2000، ما دفع الحكومة إلى سحب الخطة وأمام احتجاجه العلني سيدفع الرجل الثمن بتنحيته من منصبه.

كشف السعدي بعد سنوات في إحدى الندوات، أن وزيرا من حزب إداري، جاءه يوما، يقول: “آش هاد الزوبعة اللي نوضتي لينا”.

تبين للسعدي أن حزب التقدم والاشتراكية أصبح يهوى البقاء في الحكومات، فقرر في صيف 2014 وضع حد لمسيرته في الحزب، لكنه ظل يناضل من أجل مغرب يوفر الحقوق للرجال والنساء على حد سواء.

 

بوعبيد والآخرون.. وزير في قلب الكوميسارية

في سنوات الرصاص، كان عبد الرحيم بوعبيد من بين معتقلين داخل قاعة. ولم تشفع له مكانته ولا علاقات الصداقة والمعرفة التي تربطه بشخصيات أمنية لكي يتم استثناؤه. بل لم تشفع له حتى صداقته المعروفة لدى الجميع مع الملك الحسن الثاني منذ سنوات شبابهما، قبل أن يطلق سراحه بعد ساعات. وتم الاحتفاظ ببقية المعتقلين رهن الحراسة النظرية، قبل أن يتم تحويلهم إلى دار المقري حيث اختبر بعضهم لأول مرة في حياته أجواء المعتقلات السرية والتعذيب على خلفية التآمر على النظام والتخطيط لتخريب مسلح في البلاد.

من المواضيع التي بقيت طي الكتمان، إطلاق سراح عبد الرحيم بوعبيد الذي كان وزيرا في أولى الحكومات المغربية منذ 1956. ورغم أنه كان يعرف وزير الداخلية ويتناولان العشاء في مناسبات كثيرة.

إخلاء سبيل عبد الرحيم بوعبيد مبكرا كان الهدف منه تحطيم نفسية الموقوفين. بينما منع عبد الله إبراهيم الذي أقيلت حكومته منذ 1959، من دخول الكوميسارية، كما أن عبد الواحد الراضي، الذي كان وقتها أحد أبرز الشبان الذين فازوا بمقاعد في برلمان سنة 1963، كان من بين المعتقلين، حيث قضى فترة اعتقال وتعذيب قبل أن يطلق سراحه رفقة آخرين. في حين وجهت للقيادات تهمة المس بالنظام والتخطيط لقلب النظام وقيادة عمل مسلح داخل البلاد، وتم تعقبهم في مقرات الحزب وفي الشارع العام وفي الوقفات الاحتجاجية.

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى