حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

لعبة الشطرنج ـ جزء أول (1- 4)

بقلم: خالص جلبي

في عام 1973م كنا في زيارة صديقنا خالد حسون إلى مدينة السلمية وهي معقل طائفة الإسماعيلية في سوريا، وسوريا في عمومها لعبة شطرنج فيها 48 ملة ونحلة ومذهبا ودينا ولهجة وطربوشا وشروالا، قابلة للتفجر في كل لحظة. وهو ما حدث مع ثورة 2011م. مدينة السلمية صغيرة وتقع بين حمص وحماة في منتصف سوريا. كان اليوم المنحوس الذي اعتليت فيه ظهر الموتور، ومعي جودت سعيد، يوافق يوم 17 أبريل (نيسان) وهو العيد الوطني المزيف لسوريا (جلاء القوات الفرنسية). لم نكن نتصور أن يقتحم علينا أوغاد المخابرات بالبنادق وخناجر الحشاشين، وقادونا ـ وفق تقرير سري غامض، إلى ظلمات السجن. وبقينا في المدرسة اليوسفية سنة قضائية، ولكن من بركة الحبس أن أنتج جودت سعيد المحبوس معي كتابه «العمل قدرة وإرادة»، وأنا وضعت كتابي في «الطب محراب للإيمان ـ الجزء الثاني». وأذكر من تجربتي هناك قصتي مع لعبة الشطرنج.
يعتبر السجن وقتا ممتدا يتطلب الملء، فكان الشطرنج لعبة محببة للمسجونين من جوانب عدة، تزجية للوقت، وتنشيطا للروح من وهدة العزلة، وفراق الأحباب؛ وأيضا لصناعة مادة الشطرنج يتم أخذ لب الخبز الممزوج بالماء والسكر للون الأبيض، وبإضافة طحل القهوة تتم صناعة القسم الأسود المقابل، وبأنامل خبيرة تحذق الصب والتدوير وبتعريض المادة للجفاف، تبدأ اللعبة المحببة لما لا يقل عن خمسمائة مليون من البشر على ظهر البسيطة، فهذه قبضة من أيام المساجين. هذه قصتي مع لعبة الشطرنج، ولكن كيف دخل الشطرنج إلى بطن الكمبيوتر؟ هذه القصة توحي أيضا باحتمالات اللعب وتداخلاتها وحركات القفز والمتوقع فيها، إلى درجة تطوير كمبيوتر، يقوم فيها بحسابات تصل إلى مليوني عملية في الثانية الواحدة وأكثر، لمواجهة الذكاء الإنساني، والانتصار عليه في النهاية، كما جرت في مباراة (غاري كاسباروف GARRY KASPAROW) التي وقعت فيها المعركة الفاصلة، بدءا من يوم الثالث من ماي 1997 م، على مدى ست جولات، كل جولة ثماني ساعات، ضد الكمبيوتر الذي أخذ اسم (الأزرق العميق ـDEEP BLUE) مثل زرقة الأوقيانوس العميق ولججه العميقة المتلاطمة، بعد أن كان اسمه سابقا (الفكر العميق ـ DEEP THOUGHT)، حسب اللذين صمماه وهما التايواني (هو ـ فينج ـ يونغ HSU FENG HSIUNG) والأمريكي (موري كامبيل CAMPBELL MURRY)، في معهد (توماس . ج . واتسون للأبحاث THOMAS . J . WATSON)، القريب من مانهاتن.
في الواقع تعود قصة الكمبيوتر إلى ذيول السلاح الذري، فالعمليات الحسابية لإنتاج القنبلة الهيدروجينية في الخمسينات من القرن الفائت تطلبت حسابات مذهلة لإنتاج الانشطار الالتحامي، من حجم عشرة آلاف عملية حسابية في الثانية الواحدة، وإلا أصبح مشروع القنبلة يتطلب مئات الأعوام من العمل الرياضي المملوء بالأخطاء، فالقنبلة الحرارية النووية تطورت من عتبة السلاح الذري البسيط، من نوع قنبلة هيروشيما بقوة تفجير عشرين كيلو طنا من مادة الـ«ت. ن. ت» قفزت إلى قوة (ميغا) طن، أي مليون طن من المادة المذكورة، وكانت تحت إشراف العالم الذري الشهير (إدوارد تيللر EDWARD TELLER)، الذي تعاون معه عالم شاب ذكي اسمه (ستانسيلوف أولام STANSILOW ULAM)، استطاع بمعونة الكمبيوتر تطوير مبدأ القبضة الفولاذية المضاعفة، والتي يرمز إليها بأربع متتاليات من حرف (ف) باللغة الإنجليزية (F.F.F.F.)، وهي اختصار لكلمات (انشطار ـ انشطار ـ التحام ـ انشطار)، (FISSION. FISSION.. .FUSION FISSION)، فتأخذ القنبلة الهيدروجينية قوتها الخرافية الفلكية كاستعار النجوم من الطاقة المتراكمة المحبوسة، لتنفلت بأفظع من الإعصار في أجزاء من مليون من الثانية. كل هذا أنجزه الكمبيوتر بالتعاون مع الذكاء الإنساني؛ فالقنبلة الهيدروجينية لم تعد قنبلة واحدة، بل أربع قنابل في الوقت نفسه، وهذا ما يعطيها قدرة تفجير تراكمية خاصة، فالتفجير الواحد إذا أضيف إلى تفجير آخر يحافظ على قوته، ولكنه إذا أضيف إلى قوة تدميرية في الوقت ذاته فإن قوته تتصاعد بشكل تراكبي (SYNERGIC). وكان الجيل الأول من الكمبيوتر الذي طوره عالم أمريكي من أصول مجرية هو (فون نويمان)، وأخذ اسم (مانياك واحد MANIAC 1)، وتم التفكير يومها باستعماله في لعبة الشطرنج، ولم تكن هذه أول فكرة لتدريب الكمبيوتر على عمل يتصف ظاهره بالذكاء الإنساني، مثل لعبة الشطرنج، وترجع بداياته المتواضعة إلى عام 1890 م، حيث قام رجل إسباني مولع بالشطرنج هو (توريس أي كيبيدو TORRES Y QUEVEDO) بتطبيق الآلة في لعبة الشطرنج وسماه الطوربيد (TORPIDO) في إنهاء اللعبة بقتل الملك بالقلعة، عندما يصيح اللاعب في أي مكان في العالم، تخليدا للغة العربية وعراقة اللعبة في ثقافتنا: «مت .. مت»، ويقصدون بها مات الملك.
عندما كان يتوج رأس السوفياتي (كاسباروف) ببطولة العالم عام 1985 م، كان طالب الدكتوراه التايواني (هو فينغ يونغ) مع زميله الأمريكي (موري كامب بيل)، من جامعة (بيتسبرغ PITTSBURGH)، يفكران بجدية في تحطيم كاسباروف عن طريق الآلة بإدخال الذكاء الإنساني إليها، وموضوع الذكاء الاصطناعي موضوع شائق ومثير، فعمدا إلى تطوير سابق قام به عالم أمريكي هو كين تومبسون (KEN THOMPSON)، الذي قام بلحم ما لا يقل عن ثمانمائة شريحة إلكترونية معا، لإنجاز مشروع الكمبيوتر يونيكس (UNIX) الذي دشن قاعدة كمبيوتر الشطرنج، لإنجاز 300 ألف حركة في الثانية الواحدة.

كان الشطرنج لعبة محببة للمسجونين من جوانب عدة، تزجية للوقت، وتنشيطا للروح من وهدة العزلة، وفراق الأحباب؛ وأيضا لصناعة مادة الشطرنج يتم أخذ لب الخبز الممزوج بالماء والسكر للون الأبيض، وبإضافة طحل القهوة تتم صناعة القسم الأسود المقابل

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى