حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

مول المجمر 

في الوقت الذي يأمل فيه ملايين المعجبين بسلسلة أفلام هاري بوتر، عودة سحرتهم المفضلين في جزء أخير من ملحمة هاجورتس، تدور أحداث ملحمة مماثلة لا تقل شراسة أو غرائبية عن ما كان يجري داخل ردهات مدرسة السحرة التأهيلية للبنين والبنات. إنها ملحمة سيدي عبدالرحمن مول المجمر. هذا الولي الصالح الذي يطفو قبره فوق الماء، في مشهد عجائبي يثير الفضول ويستدعي التسليم. إذ يعتبر ضريح الجمار جزءا من الذاكرة البيضاوية. لقد اعتاد سكان المدينة وزوارها على منظر الجزيرة السحرية العائمة. أتذكر جولتي الأولى بكورنيش عين الذياب قبل سنوات، وكيف أثار انتباهي من بعيد، المشهد البانورامي الجميل للجزيرة، ليتبين لي لاحقا أن الأمر لا يتعلق بمعلمة تاريخية أو مقهى فاخر على الطراز المارتيلي، وإنما يتعلق بوكر قبيح من أوكار الشعوذة والدعارة والمخدرات واستغلال القاصرين.

لا تخفى على أحد السمعة العالمية السيئة التي تربط بين اسم المغرب والخرافة. إذ تقترن سيرة بلادنا في بعض الثقافات بجميع أنواع الأعمال السفلية، كالسحر الأسود، هذا الأخير الذي يصيب ضحاياه بالجنون أو يؤدي بهم إلى الموت المحقق، جراء الإصابة بالتسمم بالمعادن الثقيلة، أو نوع آخر من السحر الخفيف اللطيف، الذي يكتفي فقط بجلب الحبيب، والنصب على الخطيب. من الملاحظ أن ممارسة الشعوذة والتوسل بالغيبيات، والتبرك بالأضرحة وما إلى ذلك من سلوكيات اجتماعية، كانت ولازالت تقليدا شعبيا أصيلا لدى معظم المغاربة. وهو الأمر الذي يمكن تصنيفه داخل خانة ما يسمى بتدين الهامش. فمن منظور سوسيولوجيا الأديان، نجد أن هذا السلوك الاعتقادي هو صيرورة طبيعية للعقل الجمعي المغربي، الذي تحول تدريجيا من الوثنية إلى الاسلام. بينما ظلت رواسب الميثولوجيا الأمازيغية تلقي بظلالها على ذاكرته الشعبية والعقائدية. يملأ تدين الهامش العديد من الفراغات المعرفية لدى الإنسان المغربي. هذا الأخير الذي يضطره الجهل بالأمور الدينية، بسبب حاجز التعليم أو اللغة، إلى البحث عن وسطاء مع الله، وكما هو معلوم، فإن الإسلام ينهي العباد عن التوسل بغير الله في أمور دينهم ودنياهم. غير أن القواعد الدينية أو القانونية، أو حتى الأخلاقية، تصبح متجاوزة حين يتعلق الأمر باليأس والإحباط والتشبث بالأمل الكاذب.

صحيح أن الخرافة ما هي إلا ظلال خادعة، لكنها، وفي الكثير من الأحيان، تكون ملجأ آمنا يستنجد به الإنسان من أزماته الوجودية. إن التداوي بالخرافة أو التوسل بالغيبيات ليس وليد اليوم، بل هو ممارسات بشرية بدائية لتفسير المجهول. في عصر ما قبل الدين والعلم. لا تقتصر الشعوذة، مثلا، على طبقة اجتماعية دون أخرى. بل إن انتشار هذه الظاهرة المسيئة يتفشى بشكل مثير للاستغراب بين أوساط المتعلمين «بتوع المدارس»، وخصوصا النخبة السياسية الفرنكفونية المثقفة. هذه الأخيرة التي يحتمي أعضاء مكاتبها الحزبية بحجابات، وتمائم وما تيسر من الجاوي والصالبان، في مواجهة خصومهم الانتخابيين، أو للحفاظ على مقاعدهم البرلمانية المريحة، أو للتأثير الشمهروشي على عقول الكتلة الانتخابية وجرها بشكل سحري نحو صناديق الاكتناز.. عفوا الاقتراع.

قصص طريفة وشائعات كثيرة تحكي عن عثور عاملات النظافة على أعمال سحر «مكمدة» في المكاتب الفخمة للعديد من الشخصيات السياسية البارزة. أتذكر، قبل سنوات، كيف تم تداول أخبار مفادها أن محاميا شهيرا ممن يحترفون تخراج العينين، كان يتباهى بتحصين مكتبه الفاخر بالعاصمة الرباط، بمختلف أنواع الكتابات السحرية. من الملاحظ، أيضا، تعاطي نساء المجتمعات المخملية لأعمال الشعوذة. حيث أصبحت مشاهد اصطفاف الميرسيديس والرانج روفر، أمام أوكار السحرة والمشعوذين، أمرا مألوفا. زنقة الشوافات حيث تختلط عطور شانيل وايف سان لوران، مع روائح اللدون وزغبة الفار اليتيم، في لوحة سريالية عصية على خيال بيكاسو أو سلفادور دالي. تلجأ الزوجات المرفهات إلى الخرافة أملا في بث الحياة بأوصال جثة متحللة لزواج فاشل، أو لإبعاد الشابات الجميلات، من محترفات صيد ثروات الرجال المرفحين، أو لإبطال مفعول «ثقاف تعطيل الرزق»، من طرف صاحبة مشروع منافس لاستيراد الحقائب الباريسية الفاخرة، والذي يطل مقره، وبالصدفة البحتة، على جزيرة سيدي عبد الرحمن مول المجمر. تستنجد السيدة المتعلمة، المنحدرة من وسط اجتماعي وعائلي راق، بالشعوذة في محاولة أخيرة لتفسير ما عجزت عن تفسيره حصص العلاج النفسي باهظة الثمن، أو دروس اليوغا والتأمل والتنمية البشرية.

يظل الخوض في المعتقدات الشعبية للمغاربة أمرا معقدا، يتشابك فيه الجهل بالأسطورة والخرافة وحالات الضعف الانساني. غير أن تفشي ظاهرة الشعوذة بشكل أصبح يسيء لصورة المغرب في المخيلة الجماعية لدول المشرق العربي مثلا، يحتم علينا التوقف عند الجذور الحقيقية لهذه المعضلة الاجتماعية. إن قرار السلطات، أخيرا، بهدم أوكار السحر والشعوذة المحيطة بضريح مولاي عبد الرحمن هو خطوة رمزية في الاتجاه الصحيح. خطوة تعكس رغبة المغاربة في القطيعة التامة مع هذه السلوكيات المشينة والممارسات القروسطية البائدة. يجب التنويه إلى أن المغرب كبلد يعتنق المذهب الأشعري، والذي يشكل التصوف السني المعتدل مكونا رئيسيا من هويته الدينية، هو بلد يحتفي بسيرة أوليائه الصالحين ويحترم إرثهم التاريخي، من أشعار وعلوم شرعية وغيرها. ختاما، نطلب التسليم من أهل المكان.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. من بويا عمر إلى مول المجمر والبقية تأتي أمولا نوبة أوتسليم لأهل الأمكنة مبروك علينا هذي البداية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى