
يونس جنوحي
قيل قديما إن الغبي وحده من يُعير الكُتب، ولا أحد أغبى ممن يُعيد الكتاب بعد استعارته! والعُهدة طبعا على من روى.
أما عادة إعارة الكُتب في زمن أصبح فيه القراء في طور الانقراض، فيجب أن تدخل المتاحف قريبا، أو تصبح من «التقاليد» القديمة التي قد يعمل حُماة التراث على حمايتها حتى لا تُنسى..
أجدادنا كانوا يستعيرون المكتبات وليس الكُتب فقط، لكنهم كانوا يعيدون الكتب إلى أصحابها، بعد أن ينسخوها يدويا.
من التقاليد المنقرضة، عادة نسخ الكتب قبل دخول المطابع إلى المغرب. العلماء والغيورون على العلم، كانوا يستغلون رحلة الحج ويأخذون معهم نسخا من الكُتب التي ألفها العلماء المغاربة، ويُسلمون نسخة إلى علماء الأزهر في القاهرة، ونسخة تودع عند العلماء في بلاد الحج، لتُنسخ هناك وتصل إلى بلدان أخرى..
كان هذا قبل اختراع دور النشر، التي «حيّرت» العلماء وأفقدت أغلبهم صوابهم!
وعند عودة هؤلاء الحجاج، كانوا يُحضرون معهم نسخا من الكتب الجديدة، ويشرعون في نسخها بمجرد وصولهم إلى المغرب.
الكُتب المهداة أو التي تم شراؤها، تُنسخ أولا، لتجد طريقها إلى المكتبات، ويدفع العلماء والأعيان وأهل العلم مقابلها بسخاء. بينما الكُتب «المُعارة» تعود إلى أصحابها بكل أمانة.
عندما بدأت الطباعة، ونُظم مجال طبع الكتب وأحدثت دور النشر المغربية، قبل قرابة قرنين من الزمن، ظهر النصابون والمُدّعون وسارقو الكتب..
هناك أكاديميون مغاربة معروفون، صاموا عن الكلام منذ زمن، كلما تجولوا في الأسواق، يجدون نسخا جديدة من كُتبهم التي أصدروها، قبل سنوات، تُعرض في المكتبات والمحلات وعند باعة الكتب وحتى على الأرصفة، دون علمهم.
روايات صدرت لأصحابها، قبل سنوات، يُعاد طبعها دون علم أصحابها من طرف دور نشر لم يسبق لهم أبدا التعامل معها.
في الأخير فهمنا جميعا أن الأمر يتعلق بقرصنة تعاني منها كبريات دور النشر في عالمنا العجيب الممتد من المحيط إلى الخليج. ظهرت دور وهمية متخصصة في قرصنة الكتب وإعادة طبعها فوق ورق رديء، باستعمال مداد رخيص، وتباع بأسعار زهيدة.
رصاصة إضافية إلى أجساد المؤلفين الهزيلة.
كل الذين يُصدرون الكتب في هذا البلد يُدركون أكثر من غيرهم أن الكتاب غير مُربح.
بل حتى الشبان الذين يتعاطون التجارة الإلكترونية ويُحدثون المنصات الافتراضية لبيع المنتجات، يُجمعون على أن أبطء عملية بيع يمكن ممارستها هي بيع الكُتب في المغرب!
هؤلاء الشبان أحدثوا منصات لبيع الخلاطات والمكانس الكهربائية، وحتى الحواسيب والملابس، و«العسل الحر» وكل ما يخطر على بال المواطن المغربي، وراكموا أرباحا مهمة من وراء عمليات البيع. لكن الذين جربوا بيع الكتب، أدركوا سريعا أن أقصر طريق لمغادرة عالم التجارة الإلكترونية ومعانقة الإفلاس، هو بيع الكتب في هذه المنصات.
هل يعني هذا أن الكتاب المغربي يعيش نهايته؟ بالعكس، لا يزال هناك قراء مغاربة ينتظرون صدور كُتب تستحق أن تُشترى. ولا يزال هناك من يكتبون ويقرؤون في هذه البلاد، التي انصهر سكانها سريعا في عالم الترفيه والتقنية.
في اليابان، الرائد العالمي الأول في استعمال الإنترنت والتكنولوجيا في الحياة اليومية منذ قرابة أربعين سنة، لا يزال الناس يقرؤون الجرائد يوميا، ويقتنون الكتب، ولديهم كُتاب راكموا «المليون دولار» الأول في حياتهم من وراء بيع الرواية اليابانية إلى المواطنين اليابانيين.
ورغم أن المدارس في اليابان عممت الحواسيب منذ سنوات طويلة على جميع المستويات الدراسية، ولم يعد للسبورة والطباشير مكان في حياتهم، إلا أن الكِتاب بقي مقدسا، ولا يمكن أن تدخل فضاء عموميا دون أن تجد القراء في كل مكان، حاملين معهم كتبهم..
يقولون لنا إن الصحافة «الورقية» في طور الانقراض، وإن الناس عندنا صاروا يقرؤون «إلكترونيا».. نحن البلد الوحيد في العالم الذين قسمنا الصحافة إلى معسكرين: ورقي وإلكتروني.. علما أن الصحافة في الدول الأخرى واحدة، تتعدد حواملها فقط.
طقس القراءة لا يعرف إقبالا في المغرب. هذا صحيح. سواء تعلق الأمر بالورق أو الموقع الإلكتروني. الناس يشاهدون الفيديو ويسمعون قصص الآخرين بكل فضول، قبل النوم. ..علنا نستيقظ يوما على جيل جديد يُعيد لطقس القراءة هيبته، وعندها فقط سوف يعود الكتاب إلى مجده، ولن يتجرأ أحد على سرقة الكُتب.





