
يُقال إن الخيانة فعل مدان أخلاقيا، جريمة عاطفية تستحق الجلد، النفي، وربما تعليق المشانق في الساحات العامة. لكن، ككل شيء في عالمنا البائس، لا تُقاس الخيانة بما اقترفته اليد، بل بجنس اليد التي اقترفتها.
لنبدأ من البداية، لأن النهايات دائما كئيبة. لماذا نخون؟ سؤال يُطرح كثيرا في البرامج الصباحية بين وصفة الشوفان وطقوس التأمل. البعض يقول إنها الغريزة، آخرون يلومون «السوشل الميديا»، وفئة أكثر أناقة تفضل أن تلقي باللوم على «الفراغ العاطفي». لكن الحقيقة أبسط من كل ذلك: نحن نخون، لأننا نستطيع. ببساطة، كطفل وُضع أمام كعكة وقال له أحدهم: «لا تأكل»، فابتسم الطفل وقال: «سأثبت لك أنني صاحب إرادة… ضعيفة».
الرجل حين يخون، يُقال عنه: «رجل ضعيف أمام الإغراء»، «وقع في لحظة طيش»، أو العبارة الذهبية «هو في النهاية رجل». أما المرأة؟ فالمرأة حين تخون تتحول فجأة إلى حشرة اجتماعية ضارة يجب رشها بمبيد أخلاقي. تصبح «خرابة بيوت»، «ساقطة»، و«عار القبيلة». وكأنها لا تملك مشاعر أو دوافع، بل مجرد مفاعل نووي للمؤامرة.
هذا التناقض لم يأتِ من فراغ. إنه نتاج قرون من التربية العرجاء، حيث تربى الفتاة على أن جسدها قلعة يجب الدفاع عنها، بينما يُربى الصبي على أن العالم ملعب، والنساء هم الكرات. ولا يهم إن فقد الكرة في الشبكة، المهم أن يسجل.
في واحدة من أكثر لحظات التاريخ الموسيقي رومانسية… أو فضائحية، خطفت kiss cam الأضواء في حفل Coldplay، ليس بسبب اللحن، بل بسبب قُبلة سريعة تحولت إلى عاصفة أسرية! رجل يُقبّل امرأة ليست زوجته، وسط تصفيق الجماهير ودهشة الكاميرا، بينما زوجته تُصفّق أيضا… لكن على وجهه في البيت لاحقا. يبدو أن Coldplayلم يغنوا «Fix You» عبثا، فقد صار لحنها النشيد الرسمي لضحايا الخيانة الحديثة. والدرس؟ لا تثق بكاميرات الحب الجماعي، فقد تُحوِّل أمسيتك الرومانسية إلى قضية أسرية عاجلة… وشهيرة عالميا!
في لقطة تصلح لأن تُعرض في جنازات الضمير الجماعي. ضجّ الإنترنت بالعناوين المثيرة: «فضيحة»، «خيانة مباشرة»، «سقوط في بث حي». واللافت؟ أن الناس تجندوا بسرعة لتحليل أخلاق المرأة، سنها، نواياها، والزج بها في مقارنات جسدية مع الزوجة المخدوعة. أما صاحبنا المتزوج؟ فحصل على لقب «رجل يعيش أزمة منتصف العمر».
أزمة منتصف العمر إذن تبرر كل شيء، من ارتداء ملابس المراهقين إلى تقبيل زميلتك بالعمل في مهرجان موسيقي. شيء يشبه منطق المحاكم في العصور الوسطى: «الساحرة تستحق الحرق، لأنها امرأة عرفت شيئا ما». أما الرجل؟ فهو ضحية مؤامرة نسوية عاطفية.
هل يمكن أن نخون بإبداع؟ نعم، هناك من يخون بإبداع. بعضهم يدير شبكة علاقات متعددة بدقة مهندس برمجيات، البعض الآخر يكتب رسائل غرام على “واتساب” ويمحوها بدقة سفاح يمسح آثار جريمة. وهناك فئة تعتبر أن الخيانة ليست فقط جسدية، بل يمكن أن تكون «روحية»، فتقع في حب أحدهم، ثم تعود إلى المنزل لتقنع الشريك أن ما حدث لم يكن سوى جلسة «تأمل جماعي».
لكن، المدهش حقا، هو أن بعض الخونة يشعرون بالذنب! نعم، الذنب. فيتوضؤون، ويُصلّون ركعتين، ثم يخونون مجددا. وكأنها طقوس دينية مقدسة، دورة حياة تبدأ بالخيانة وتنتهي بدمعة على الوسادة قبل النوم.
فهل خيانة الرجل تعتبر بطولة؟ لماذا يغفر المجتمع للرجل؟ ببساطة، لأن المجتمع نفسه يدار برجال يخونون. القاضي، الطبيب، مقدم البرنامج الذي يناقش قضية «تفكك الأسرة»، وحتى الشخص الذي يعلق على «فيسبوك» ويكتب «اللهم لا شماتة»… قد يكون في خضم محادثة مشبوهة مع «الفتاة التي تفهمني أكثر من زوجتي».
نحن نعيش في مسرح كبير، حيث تُمنح الأدوار حسب الجنس. الرجل الخائن يُعذر لأنه «ضعف»، أما المرأة الخائنة فتُلعن لأنها «قررت». القرار هنا هو الجريمة، لأن امتلاك المرأة لإرادة جنسية يُعد كارثة بيولوجية يجب احتواؤها.
في النهاية، الخيانة ليست فعلا فرديا فقط، بل هي انعكاس مشوه لمجتمع مريض، يربي أبناءه على الكذب، وبناته على الصمت. مجتمع يعتبر الحب ضعفا، والرغبة جرما أنثويا. الخيانة ستستمر، طبعا. وسنظل نضحك حين يخون رجل، ونبكي بحرقة حين تخون امرأة، وسنستمر في جلد الضحايا وتقديس الجلادين، حتى يأتي يوم… ونكتشف أن Coldplay لم تكن سوى خلفية موسيقية لانهيار قيمنا، صوت جميل يرافق سقوطا قبيحا.
هل هناك أمل؟ ربما، حين نقرر أن نعيد تعريف الخيانة ككسر للثقة لا كوصمة عار حسب الجندر. وربما، فقط ربما، حين نكف عن تقبيل الغرباء في الحفلات الموسيقية أمام الكاميرا، أو حين يمل بعض الرجال المتزوجين من ترديد الأسطوانة المشروخة: «والله وما كانو بيناتنا الدراري مانزيد نجلس معاها.. عامين وأنا كنعس فالصالة»، لتكتشفي بعدها أن زوجته التي تنام وحدها منذ سنتين، حامل في الشهر الخامس للمرة الرابعة على التوالي.





