
يونس جنوحي
«تأخرتُ عن فضح ادعاءات هيكل في الجزء الثاني مما كتبه عن المغفور له طيب الله ثراه، لأنه وقت نشرها كان في غرفة الإنعاش بأحد المستشفيات الأمريكية، فحين أرسلتُ عن طريق الفاكس ما كتبتُه عن الجزء الأول إلى مكتبه في القاهرة، أُبلغتُ أنه غادر إلى أمريكا لإجراء عملية جراحية دقيقة».
هكذا علق السفير محمد التازي، في أوراقه الشخصية، مجيبا عن أول سؤال قد يتبادر إلى ذهن أصدقائه المصريين والعرب، المشتركين بينه وهيكل. ويواصل شرح منعرجات صداقته الشخصية مع هيكل:
«لم أشأ أن أكتب عن هيكل وهو في غير وعيه، أما وقد نجحت العملية وتماثل للشفاء، فإني أدعو له بالشفاء، وعسى أن يكون خرج من التجربة وقد عاد إليه وعيه الصحفي وحسه الإنساني، فيكف عن تحريف وقائع التاريخ، وألا ينسب إلى محدثيه إلا ما قالوه بأمانة وصدق.
قبل أن أقرأ ما اختلق ولفق من مقابلات وأحاديث مع جلالته، كنت أنسب ما أقرأ من نقد لما يكتب، على أن مبعثه الحسد والحقد. فعلاقتي به بدأت عام 1957 وما تزال موصولة.
كانت له مآخذ على الحكم في المغرب، وكان معظم هذه المآخذ مصدرها تقارير المخابرات، والتقارير السرية التي يزعم كتابها أنهم على علم بالخفايا والأسرار، فيحشون تقاريرهم بالإشاعات والأراجيف لإرضاء فضول رؤسائهم، وتثبيت مراكزهم كمطلعين مقتدرين على معرفة خبايا الناس وأسرارهم. وكلما ناقشته في ما يقرأ أو يسمع عن المغرب إلا وبدا لي أنه مقتنع بما سمع مني. بل يصل بي حسن النية إلى أن أصدق ما كنت أتلقاه منه من استفسارات عن صحة ما ينقل إليه من مصادر مغربية أو جزائرية أو من المخابرات المصرية عن الوضع في المغرب. فما كان صحيحا مما نقل إليه أقره عليه، وما كان كذبا وافتراء صححته له».
يقول التازي إن بعض الصحافيين والكتاب المصريين المشاهير حذروه من «الحوارات» التي اتُهم هيكل باختلاقها، ونصحوه ألا يستضيفه في العشاء الذي جمعه سنة 1987 مع المعارض المغربي الشهير محمد الفقيه البصري، ترتيبا لعودته النهائية إلى المغرب.
انبرى التازي، إذن، لتعداد ما أسماه «مزاعم» الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، الذي اشتغل سابقا مستشارا للرئيس جمال عبد الناصر، ويصنفه المصريون والعرب كواحد من أشهر الأسماء الصحافية العربية وأكثرها تأثيرا.
وذكر هيكل، كما نقل عنه الصحافي والسفير محمد التازي، أنه التقى الملك الراحل الحسن الثاني 11 مرة. أولاها كانت سنة 1957، ورد التازي على هذا «الزعم» بالقول:
«كان اللقاء الأول في القاهرة خريف سنة 1957، وقد جرى في نادي الجزيرة بالزمالك على مائدة بجوار حوض السباحة «الليدو». وحضره المقدم حسن فهمي عبد المجيد وكان وقتها المرافق العسكري لولي عهد المغرب الذي كان في زيارة لمصر.
هذا ما قاله هيكل، وللتاريخ فإن سمو ولي العهد الأمير مولاي الحسن لم يزر مصر عام 1957، وإنما زارها في عام 1956 لحضور حفلات الثورة المصرية، وكان مع سموه وفد من بين أعضائه المرحوم الحاج أحمد بلا فريج، ووفد إعلامي أذكر من أعضائه الأستاذ قاسم الزهيري مدير الإذاعة الوطنية، والأستاذ علي بركاش عن جريدة العلم، وكان هيكل أيامها محررا في مجلة آخر ساعة، وليس ما يدعو ولي عهد المملكة المغربية أن يقعد مع صحافي يرأس تحرير مجلة أسبوعية اهتماماتها مقصورة على الأخبار الفنية والحياة السياسية الداخلية. أما المقدم حسن فهمي عبد المجيد، الذي كان مرافقا لسموه في هذه الزيارة، فهو ضابط من سلاح المظلات، تلقى تدريبات خاصة أهلته للعمل في سفارة مصر بمدريد، مكلفا بربط علاقات مع مندوبي المقاومة المغربية والجزائرية في إسبانيا، حقق بها نجاحا جعله على معرفة بقادة الحركة الوطنية والمقاومة.
ويقول هيكل عما دار في هذا اللقاء الأول المختلق مع سمو ولي العهد:
إن «الحسن» بدا حريصا أن يبرز مباشرة إحساسه وإحساس «مولاي صاحب الجلالة» بالضيق والاستنكار لما أقدمت عليه السلطات الفرنسية من خطف طائرة كان يستقلها زعماء الثورة الجزائرية، بعد زيارة قاموا بها للرباط والتقوا فيها بالملك «محمد الخامس».
ويضيف هيكل أن ولي العهد كان المصدر الذي عرف منه القائم العام الفرنسي في الجزائر بموعد قيام الطائرة المقلة للزعماء الجزائريين فتمكنت السلطات الفرنسية من خطفهم؟ وإذا كانت زيارة ولي العهد للقاهرة تمت في شهر يوليوز عام 1956 والطائرة خطفت في شهر أكتوبر من نفس السنة، فكيف يعبر سمو ولي العهد لهيكل -على افتراض حصول المقابلة- عن استيائه من خطف طائرة لم تخطف بعد؟ فهل خانت هيكل ذاكرته بعامل الإصرار على تزوير التاريخ فروى ما لا يؤيده عقل ولا منطق ولا واقع؟
تلك واحدة من تخريفات صديقنا هيكل».





