حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بين «جيلZ » و«جيل X»

 

 

محمد منضوري

 

في البداية، كنا أمام شباب متعلم لطيف دشن حوارات راقية بغرف الدردشة الرقمية، قبل أن يظهر في صور وفيديوهات بوجوه مكشوفة للتظاهر بشكل سلمي ويعبر، بأسلوب حضاري، عن مطالب واضحة لا يمكن أن يجادل فيها أحد. لكن بعد الأيام الأولى، أصبحنا أمام عناصر ملثمة تعتدي على القوات العمومية بالحجارة وتعمد إلى حرق وتخريب كل ما تصل إليه.

ولئن كان سلوك العنف مدانا تحت أي ظرف، سواء تعلق الأمر بفعل أو رد فعل، فإنه ينبغي التمييز بين صنفين من المحتجين حتى الآن. ويبدو أنه ليس دقيقا التصنيف اعتمادا على العامل الواحد، أو الاستناد على عنصر الزمن والعمر فقط، للحديث عن فئة معينة خرجت للاحتجاج يطلق عليها “جيلZ “. وربما يجب الإقرار بأن من يتحين الفرصة لممارسة أعمال العنف والتخريب لا يمكن أن نصنفه، حتى وإن كان من نفس السن، ضمن جيلZ ، ولا حتى ضمن أي فئة من الفئات، التي يمكن أن نتخذ لها رمزا بأي من الحروف الهجائية اللاتينية أو غير اللاتينية. فنحن إذن أمام «جيل مجهول ـ X» خارج دائرة التصنيف.

وإذا كان مصطلح جيل يحيل على عنصر الزمن بالأساس، فإنه يبدو أننا تجاه فئة غير متجانسة، وما يفرق بينها أكثر مما يجمع، على الأقل على مستوى أسلوب الاحتجاج.. فإن كان عموم المحتجين من جيل Z المتعلم والمواكب للتطور والمتمكن من خوارزميات وسائل التواصل، قد خرجوا بطريقة سلمية إلى الساحات العمومية المفتوحة.. فإن مجموعات الملثمين المخربين، وإن كانت من نفس العمر، ما زالت تعيش خارج عصرها، وخارج جيلها (جيل Z)، نتيجة فشلها الدراسي والاجتماعي، وتقول عنها التقارير والأرقام الرسمية بأنها لا تمارس أي عمل ولا تتابع دراستها ولا تتلقى تكوينا في أي مجال.. وقد تكون هي الفئة التي أطلق عليها المرحوم محمد جسوس «جيل الضباع»، الذي ساهمت عدة عوامل في تشكله، وإن كانت مسؤولية التربية والتعليم والإعلام العمومي ثابتة بهذا الخصوص.

هؤلاء الذين يخربون ويحرقون وينهبون.. لا يتكلمون ولا يعرفون كيف يتحدثون بألسنتهم، وكل ما يتقنونه هو التكسير والاعتداء والنهب… فهم يعبرون بأيديهم وأرجلهم مثلما كان يفعل الإنسان القديم، الذي يميل إلى استعمال القوة الجسدية في التعامل مع محيطه، وقد يضطر إلى القتل، مثلما فعل قابيل، ابن آدم الأول، الذي أجهز على أخيه قبل أن يصبح على ما فعله من النادمين.

غير أن هذه الأفعال المجرمة، التي أقدم عليها هؤلاء الشباب لا ينبغي أن تثنينا عن السير في طريق الحوار والانفتاح والاستيعاب لجيل Z، الذي خرج بطريقة سلمية وحضارية بمطالب إصلاح لقطاعات حيوية في المجتمع، ولمعالجة اختلالات سبقته إلى رصدها تقارير رسمية لمؤسسات دستورية..

ولأن اللحظة حساسة جدا، ولتفويت الفرصة على كل المتربصين، الذين يودون لو تذهب الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، فإن على الشباب، الذي يبدو في مستوى عال من النضج، أن يعي الظرفية ويتحلى بالمسؤولية، فيتبرأ من أفعال الملثمين، وإن اقتضى الأمر تعليق الاحتجاجات.

أما التعاطي مع هذا السلوك الغريب، والدخيل على عادات المغاربة، فينبغي أن يكون بشيء من الذكاء والتعقل والحذر من الانجرار للمنطق الانتقامي الذي يجمع هؤلاء الشباب في سلة واحدة.. كما أن فسح المجال العام والإعلام العمومي وفتح حوار صريح بين المحتجين ومن يتحمل مسؤولية القطاعات المعنية، وتقديم عروض واضحة للإصلاح، هو السبيل لمحاصرة تنامي سلوك المجموعات المندفعة، التي يسهل تسخيرها من جهات تسعى إلى تحريف المسار السلمي للاحتجاجات.. دون أن يعني ذلك عدم مباشرة المساطر القانونية اللازمة، ضد كل من ثبت في حقه التحريض، أو الإقدام على أفعال تقع تحت طائلة التجريم في كل الأعراف والقوانين الدولية والوطنية.

لذلك، فإن التمييز ضروري، في سياق هذه الأحداث، بين الصنفين، كما أن فتح الباب أمام شباب جيلZ  المتحضر، والانفتاح عليه والإنصات إلى مطالبه، لإيجاد حلول عملية لها، فيه تفويت للفرصة على «مجموعة التخريب»، المتهورة التي تتملكها حالة القابلية للانفلات وسط الحشود وسيكولوجية الجماهير، فتنتقل من التعبير والدفاع عن المطالب المشروعة إلى الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، أو إضرام النار، دون أن تدري أنها ستكون أول المكتوين بلظاها..

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى