حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةتقاريرصحة

هل تشبب سرطان الثدي؟

د. خالد فتحي

 

نعم، إنه في طريقه لذلك. فحالات الشابات لم تعد استثنائية، إذ صرن يفدن على المستشفيات بشكل لافت.. بعد تراجع تأثير عامل السن، الذي كان الأهم في الإصابة، ليصيب المرض الآن النساء من مختلف الأعمار.

ورغم أن أغلب الحالات لا تزال تُسجَّل بعد سن 50، وهو ما جعل سياسات الكشف المبكر تعتمد هذه الفئة العمرية، فإن السنوات الأخيرة شهدت بروز حالات شابة بشكل متزايد، ما يُظهر تغوّل السرطان وتوسّعه نحو فئات عمرية أصغر. اغلبهن ربات بيوت أو نساء ناجحات مهنيًا وأمهات لأطفال في أوج العطاء.

هذا ما يسمّيه الأطباء بـ”تراجع عمر الإصابة بسرطان الثدي”، أو “تشبب السرطان”. وهو منحى ترسخ في المغرب كما في غيره من الدول، مخلفا آثارًا اجتماعية وإنسانية واقتصادية جسيمة، ضاغطا على أنظمة الصحة والتغطية.

الاحصائيات تسجل أن نسبة الإصابة لدى من هنّ دون 40 ترتفع سنويًا بـ2 أو3 في المائة، أي 10 و15 في المائة من إجمالي الحالات، وربما أكثر في بعض الدول الصاعدة.

لكن لا يعني ذلك أن إصابة كبيرات السن تراجعت، بل ازدادت هي الأخرى نتيجة شيخوخة السكان، إذ أصبح من المألوف معالجة سيدات في 80 و90 من العمر. نحن نركّز هنا على ظاهرة ارتفاع الإصابات دون سن 50. السؤال: ما سبب هذا التراجع في عمر الإصابة؟

لا جواب حاسم. فبينما يرى البعض أن السبب هو تحسّن قدرة الأنظمة الصحية على التشخيص والرصد المبكر، وبالتالي اكتشاف الحالات التي كانت تفلت سابقًا، يميل كثير من الأطباء إلى أن الظاهرة جديدة ومستقلة عن ذلك.

ويُعتقد أن هناك عوامل عدة يُشتبه في مساهمتها في هذا التفاقم، أبرزها التغيرات التي طالت النظام الغذائي، حيث زاد استهلاك الأطعمة المصنّعة وقلّت نسبة الخضر والفواكه والأسماك، إلى جانب تزايد السمنة وما يصاحبها من قلة النشاط البدني . كما أن التعرض للمواد الكيميائية والهرمونات الصناعية في الملوثات والمواد الحافظة صار يهدد صحة الجميع .

وتُضاف إلى ذلك المنغصات الهرمونية والاستهلاك المبكر للكحول والتدخين. كذلك، يُشار إلى التوتر المهني المزمن، والعمل الليلي، كمشتبه بهما في التأثير على التوازن الهرموني. إلا أن مثل هذه الفرضيات تجد صعوبة في الإثبات بسبب تضارب المصالح وضغط المؤسسات الصناعية والمالية.

وهناك بالأساس التغيرات التي طرأت على نمط الحياة الإنجابي، مثل تأخر سن الإنجاب، والامتناع الطوعي عن الرضاعة الطبيعية. وهذه السلوكيات تُعزى في جزء منها إلى ضعف الثقافة الصحية لدى النساء، أو إلى تأثيرات أيديولوجية وتسويقية تُغفل عمداً حقائق علمية مهمة.وهنا، يجب أن نذكر بتلك الحقيقة التي تُغفل غالبًا:إن الولادة الأولى قبل الثلاثين تحمي سبعة أضعاف من سرطان الثدي، لأن هذا الحمل يُعد بمثابة حمّام من هرمون البروجسترون يدوم تسعة أشهر في سن مبكر نسبيًا.

ولا يمكن أن نغفل تزايد معدلات العزلة والاكتئاب وغياب الدعم العاطفي، وهي كلها عوامل تُضعف المناعة وتزيد من القابلية للمرض.

وقد يُطرح سؤال آخر: هل للوراثة دور؟ الغالبية من المصابات الشابات لا يحملن تاريخًا عائليًا مع المرض، رغم أننا نلاحظ أن حتى الحالات الوراثية تظهر في سنّ مبكرة عمّا كان عليه الحال سابقًا. ولذلك أصبح الأطباء يُخضعون الفتيات اللواتي ينحدرن من أسر معروفة بالإصابة لرصد مبكر قبل الثلاثين، بل أحيانًا قبل العشرين، باستخدام الرنين المغناطيسي الذي يتجاوز محدودية “الماموغرام” في السن الصغيرة نظرا لكثافة نسيج الثدي في هذه السن .

نحن أمام تحول في نمط ظهور المرض يفرض علينا مسايرته، سواء في الفحوصات أو في التشريعات. فسرطان الثدي عند الشابات قد يكون أكثر عدوانية، ويصعب تشخيصه مبكرًا لأن برامج الفحص تبدأ غالبًا من سن 45، ما يعني أن كثيرًا من الحالات لا تُكتشف إلا في مراحل متأخرة.

إلى جانب ذلك، يكون التأثير النفسي والاجتماعي أقسى على الشابات، لما يطرحنه من تساؤلات حول الحمل والرضاعة والخصوبة والجمال، وما لذلك من تبعات أسرية وزوجية.

إذن، ما العمل؟

علينا أن نركّز على التوعية، ونحث الشابات على فحص الثدي الذاتي شهريًا، وزيارة الطبيب عند أي تغير غير طبيعي، بغض النظر عن العمر. كما يجب تشجيعهن على تبنّي نمط حياة صحي ومتوازن، وتقليل التعرض للمواد الكيميائية، واتخاذ قرارات إنجابية أكثر وعيًا. وفي حال وجود تاريخ عائلي، ينبغي تمكين الفتاة من إجراء فحص جيني والمتابعة مع طبيب مختص في وقت مبكر.

الوقاية من سرطان الثدي وتتبع تطوراته الجديدة مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمنظومات الصحية، وهي من أوجه النضال النسائي الحقيقي الذي ما يزال مُهملًا، في مقابل قضايا أخرى سطحية تأخذ أحيانًا اهتمامًا لا تستحقه. فهل بلغت؟

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى