
ماذا جرى لبعض الوزراء والمنتخبين، الذين أصبحوا يتجرؤون على أي شيء خارج اختصاصاتهم، وكأننا في دولة لا تاريخ ولا أعراف ولا طقوس لها، بل منهم من اختلطت عليه الحدود فنسي أنه مجرد وزير فأعطى لنفسه حق التحدث باسم مؤسسات دستورية أكبر منه.
فما معنى أن يخرج وزير العدل في لقاء إعلامي، مع وكالة المغرب العربي للأنباء، للحديث عن مشروع القانون الجنائي الذي لم يعرض بشكل رسمي على أي مؤسسة دستورية، مع العلم أن ما يضمنه القانون الجنائي من قواعد قانونية يتجاوز العقوبات والجرائم إلى مجالات محفوظة للملك محمد السادس، الذي تبقى له السلطة الحصرية في حسمها وتتطلب الكثير من التحفظ والتريث؟ ثم ما قيمة الحديث عن مشروع لم يتم التداول بشأنه في المجلس الحكومي، حتى يحصل على رداء الشرعية الدستورية والسياسية التي تجعله محصنا من العبث والتراجع؟ وحتى في حالة رغبة وزير وضع الرأي العام في قلب الموضوع، فهناك مسطرة النشر الاستباقي للقانون قبل المصادقة عليه، وذلك من أجل إتاحة الفرصة للأشخاص المهنيين للتعليق عليه وإبداء وجهات نظرهم من أجل إغنائه.
وهناك من يطالب بسحب مشروع قانون تنظيمي تداول بشأنه المجلس الوزاري، من أجل التفاوض في مضامينه، رغم أن الحوار والتوافق يمكن أن يتم بالموازاة مع المصادقة عليه، والبعض يريد أن يفرض اختصاصات قانونية على الملك دون أن ينال موافقته المسبقة. هذه فقط بعض الحالات العديدة لإنتاج الفوضى المؤسساتية، وليس هناك أي فوضى يمكن أن تكون أقسى وأكثر دماراً من تجاوز المؤسسات وعدم ترك الأمور تخضع لمساطرها الدستورية العادية والتقاليد السياسية المرعية.
إن الصمت وعدم الوقوف بحزم على ما يتم تسجيله من سوابق سياسية غريبة على بيئتنا السياسية، التي تقوم على افتقاد اللياقة واللباقة والاحترام الواجب للمؤسسات، هو تواطؤ غير مسؤول من السلطة التنفيذية والتشريعية معا.
على كل مسؤول، سواء كان برلمانيا أو وزيرا، أن يلزم حدوده الدستورية وألا يتعدى اختصاصاته التي لا تسمح له بالحلول محل مؤسسات أخرى، فالديمقراطية يجب أن تمارس داخل مؤسسات الدولة ولا يمكن أن تكون خارج الاحترام اللازم لها.





