
يسرا طارق
بعد بضعة أيام، ستنشد أنظار معظم سكان القارة الإفريقية لما يجري في المغرب، بل إن أنظار كل عشاق كرة القدم في العالم ستتابع الصدام الكروي القوي بين الفرق الإفريقية. إنه حدث كروي كبير، وبدون مبالغة، يمكن تصنيفه ثالث حدث كروي عالمي بعد كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية. للكرة الإفريقية سحرها، ولها طقوسها ولها نجومها العالميين، ولها، بالأساس، تلك التلقائية التي تجعل من اللعب الإفريقي احتفالا لا نظير له. فكثير من المؤثرين في العالم سيأتون، لا لمشاهدة المقابلات، وإنما للاختلاط مع الجمهور، ورؤية وتصوير أقنعة بعض أفراده وأدواتهم التشجيعية، وأزيائهم الغريبة، وتعويذاتهم السحرية وأهازيجهم، مما يجعل الفرجة، والغرابة، والإبداع، التي تقدمها الجماهير، لا تقل عن فرجة اللعب. ستأتي الجماهير ووسائل الإعلام والمؤثرون من أجل الكرة، لكنهم سيأتون، أيضا، لرؤية المغرب كبلد معروف بتراثه وتقاليده وثقافته المتعددة. ستشاهد الجماهير المقابلات، لكنها ستتجول أيضا في الساحات والأزقة، وستأكل في المطاعم، وستشتري حاجات كثيرة من المتاجر، وستكون فرصة للمدن، التي ستحتضن المباريات، لكي تكون عواصم إفريقية لبعض الوقت، كما أن الجماهير لن تكتفي بالتجول في مدن «الكان»، بل ستسافر للمدن القريبة أو البعيدة، سيكون المغرب كله موضوعا للشغف والاهتمام والمتابعة، بل إنه سيكون تحت المجهر، سيأتيه البعض بقلوب سليمة، وسيأتيه آخرون بقلوب فيها مرض، ستنشغل أساسا بترصد المساوئ، والبحث عن النقائص للنفخ فيها وتضخيمها، لهذا علينا كلنا، دولة بكل مؤسساتها، ومواطنين بكل تنوعهم ومستوياتهم وأعمارهم ومهنهم، أن نعرف بأننا ندخل امتحانا جماعيا علينا أن ننجح فيه، وكل مغربي، من موقعه، مسؤول عن نجاح «الكان» في المغرب، ولأننا نريدها دورة تاريخية، لا مثيل لها، دورة تظهر تطور المغرب، وتفوقه على أقرانه وتظهر، بالأساس، أوراشه الكبرى في البنيات التحتية، وفي تأهيل المدن وتمكينها من كل ما يجعلها مضيافة ومزدهرة وخلاقة، وفي قدرته على التنظيم الناجح، الذي يكون فيه كل شيء متقنا ومضبوطا، وتظهر، بالأساس، الإنسان المغربي المبدع والناجح والمضياف، الذي عرف كيف يمزج بين عراقة تاريخه وانفتاحه على العالم، بما صار عليه من تطور تقني قائم على البرمجة الدقيقة لكل شيء.
من سائق «الطاكسي» الذي سيقل الوافد لمشاهدة «الكان» في المغرب، إلى موظفة أو موظف الاستقبال في الفندق، إلى النادل، والتاجر ومقدم الخدمات..، كل من سيخالطهم جمهور الكرة القادم من كل بقاع العالم، كلكم تتحملون مسؤولية كبرى في نجاح الدورة، كلكم تجسدون، بكل كلمة تتفوهون بها، أو تصرف تقومون به، صورة المغرب ككل. ما يهم المغرب، إلى جانب الفوز بالكأس طبعا، هو الفوز بالقلوب، تلك هي قوة المغرب الناعمة التي تجعل منه قبلة ونموذجا، وتُسهل عليه الدفاع عن قضاياه العادلة. علينا أن نربح رهان تنظيم «الكان»، لأنه «البروفة» الحاسمة قبل استقبال جماهير العالم في 2030. لنجعل جميعا من أرض المغرب أرض فرح وإيخاء واقتسام..





