
يونس جنوحي
عندما أرسل الحسن الثاني رسالته إلى رئيس الجامعة العربية في 12 نونبر 1977، لم يتمالك الرئيس الجزائري هواري بومدين نفسه وكتب ردا منفعلا إلى رئيس الجامعة العربية، يوزع فيه الاتهامات وينفي عن نفسه أي اتهام يتعلق بالتصعيد أو استفزاز المغرب عسكريا.
هكذا اختار الملك الراحل أن يكون الرد على بومدين، هذه المرة، عبر وزارة الأنباء المغربية. الوزارة أذاعت نص بلاغ مُوجه بالأساس إلى الرئيس الجزائري. واحتفظ السفير محمد التازي بنص البلاغ وجمعه في أرشيف أوراقه الشخصية.
البلاغ أذيع في أكتوبر 1978، أي بعد أقل من شهر على اعتداء الجيش الجزائري على منطقة حدودية مع المغرب.
يحكي التازي عن الرد الرسمي المغربي على رسالة بومدين، مسجلا:
«كان لوزارة الإعلام المغربية تعقيب على رد الرئيس الجزائري على رسالة جلالة الملك أذاعته في خامس أكتوبر من السنة نفسها جاء فيه:
-لكم يسعد المغرب أن يرى رسالة الرئيس بومدين تشيد بالتعاون المغربي- الجزائري وما حققه في الماضي من خير لفائدة الشعبين، وأن يتبع تلك الرسالة الحنين إلى ذلك العهد الذي كان فيه التعاون يسود علاقات البلدين، عهد تميز بتفهم وتضافر الجهود».
من النقط التي فندت كل ما أدلى به الرئيس هواري بومدين من ادعاءات، ما أقدم عليه الرئيس شخصيا، في دجنبر 1975، عندما طرد المواطنين المغاربة المقيمين بالجزائر ورمى بهم على الحدود مع وجدة، في محاولة استفزازية ضد المغرب بعد أقل من شهر على نجاح المسيرة الخضراء. وتطرق بلاغ وزارة الأنباء المغربية إلى الواقعة، من خلال ما سجله التازي في أرشيفه دائما:
«ويضيف بلاغ وزارة الإعلام المغربية:
-إلا أن من حقنا أن نتساءل، هل يتفق هذا التعاون مع طرد الجزائر لأربعين ألفا من المواطنين المغاربة كانوا يتساكنون مع إخوانهم الجزائريين فوق أرض الجزائر منذ مدة، لذنب واحد هو أنهم مغاربة؟ وهذا في الوقت الذي يؤوي فيه المغرب جالية جزائرية وفيرة العدد ويمكنها من وسائل العيش فوق أرضه، بل إنه ليعامل الجزائريين معاملة تشخص روح الأخوة الصادقة التي يضمرها نحو شعب الجزائر الشقيق، وهل يتفق هذا التعاون مع تنظيم العصابات وتجهيزها بالعتاد لمهاجمة المغرب في عقر داره، والفتك بالأبرياء فوق أرضهم وترابهم؟ إن الجزائر لا تكتفي بذلك، إنها تبعث بفصائل جيشها النظامي لمهاجمة التراب المغربي الذي لا نزاع فيه حتى مع الجزائر نفسها بمقتضى الأوفاق التي يقول الرئيس بومدين إنه متشبث بها.
ويختم بلاغ وزارة الأنباء تعليقه بالقول:
-إننا مع الرئيس الجزائري في أن مشكل الصحراء يجب أن يحل بوسائل سياسية، إلا أن على الرئيس الجزائري، والحالة هذه، أن يختار بين الوسائل السياسية وبين وسائل التشجيع على الاعتداء، بل والمساهمة فيه، ليكون في ذلك منطقيا مع نفسه ووفيا لتصوراته.
تلك كانت صورة العلاقة بين المغرب والجزائر في عام 1978».
ويضيف السفير محمد التازي، في تحليله، أن تلك السنة ميزها انشغال الدول العربية بزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل، وما خلفه ذلك من تداعيات على علاقات الدول العربية بعضها ببعض.
وهنا تدخل الملك الحسن الثاني، بشهادة محمد التازي، وأوفد مبعوثه، السفير عبد اللطيف العراقي، حاملا رسالة ملكية إلى الرئيس السادات. وكان التازي، مرة أخرى، قريبا جدا من الكواليس، وتحدث باستفاضة عن العلاقة بين الملك الراحل والرئيس السادات، في عز الخلاف مع الجزائر، بعد وفاة الرئيس بومدين، يوم 27 دجنبر 1978، لتدخل العلاقات المغربية- الجزائرية منعطفا جديدا في ثمانينيات القرن الماضي.





