شوف تشوف

الرأي

«أسطول الحرية».. الأجندة الكبرى

توفّر طرازان، على الأقلّ، من السخف العربي في التعليق على القرصنة الإسرائيلية ضدّ السفينة السويدية ماريان، أولى السفن في إطار حملة «أسطول الحرية 3»: الأوّل صدر عن توانسة ـ يزعمون الانتماء إلى «اليسار»، والدفاع عن القضية الفلسطينية! ـ رأوا أنّ مشاركة الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي كانت طريقة «مستترة» في التطبيع مع إسرائيل؛ والثاني صدر عن مغاربة اعتبروا أنّ وجود النائب المغربي المقرئ الإدريسي أبو زيد على ظهر السفينة، «يدخل في إطار المزايدات السياسية». والمرء يشفق أنّ طرازاً ثالثاً، فلسطينياً هذه المرّة، لم يظهر ـ حتى الساعة، أي حتى إشعار آخر! ـ يختار أجندة باطنية مماثلة تُنسب إلى باسل غطاس، العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي.
في المقابل، وتعليقاً على هذه السفن بوصفها جزءاً من «ظاهرة استعراضية»، كان الفرنسي ـ اليهودي برنار هنري ـ ليفي، «الفيلسوف» كما يحلو له تسمية نفسه، وكما اعتادت وصفه وسائل الإعلام في فرنسا، قد كتب يشرح أسبابه «الفلسفية» في استمرار موقفه الداعم لدولة إسرائيل (هو الآن يتحدّث عن «دولة اليهود»!)، بالرغم من أنّ ردود أفعال إسرائيل على «أسطول الحرية» يظلّ، في نظره، عملاً «غبياً». في وسع الجيش الإسرائيلي أن يقتاد أمثال هذه السفن إلى ميناء عسقلان أو أشدود بشكل سلمي، يقول «الفيلسوف»، دون «الوقوع في الفخّ التكتيكي والدعائي» الذي يتعمد نصبه لإسرائيل عدد من الاستفزازيين».
وبهذا، أي بعد تسجيل غباء الهجوم وليس أيّ جرم آخر إنساني أو قانوني أو أخلاقي، ينتفض «الفيلسوف» ضدّ أولئك الذين تهافتوا على استغلال «نفاق أسطول الحرية» لكي يسارعوا إلى إدانة إسرائيل، من منطلق «سوء الطوية ضدّ الدولة اليهودية»، وكأنهم كانوا ينتظرون «ذريعة»، أو «عثرة ترتكبها الدولة اليهودية».
وهو لا يلقي اللوم على جهات عربية أو تركية أو أوروبية، أو إسلامية عموماً؛ بل على كتّاب ونشطاء فرنسيين لأنهم تطوعوا للانخراط في حملة إعلامية موازية، هدفها تزييف حقائق حصار غزّة، وإغفال تواجد منظمات إسلامية «متطرفة» و«إرهابية» على ظهر السفن التي تُحسب على «أسطول الحرية».
في مثال ثانٍ، لا يعتمد المحاكمة ذاتها، وإنْ كان يبلغ خلاصة غير بعيدة عمّا يتوصل إليه هنري ـ ليفي؛ شارك الروائي الإسرائيلي دافيد غروسمان في النقاش، فاعتبر أنه «لا ذريعة تمحو الأعمال الغبية للحكومة والجيش» في إسرائيل. لكنّ غروسمان، إذْ انتهج منطق تثبيت «الغباء» كسبب وحيد للجريمة، سارع في الجملة التالية إلى الجزم بأنّ «إسرائيل لم ترسل جنودها لقتل المدنيين بالدم البارد، فهذا آخر ما كانت تريده»؛ وأنها استُدرجت إلى فخّ، نصبه الذين كانوا على ثقة بأنّ إسرائيل سوف تتصرّف على هذا النحو! كذلك تذكّر غروسمان أنّ الذين كانوا على ظهر السفينة ليسوا جميعهم من دعاة السلام ونشطاء العمل الإنساني، وبينهم أناس يحملون «آراء إجرامية» تحضّ على تدمير إسرائيل؛ وأنّ «جرائم» قادة «حماس» ماثلة للعيان.
والحال أنّ غروسمان (الذي، للتذكير، فقد ابنه أوري، 20 سنة، الضابط الاحتياطي في سلاح المدرعات، أواخر أيام العدوان الإسرائيلي على لبنان، صيف 2006) لا يكفّ عن تنبيه مواطنيه إلى أنّ الأزمة التي تعيشها إسرائيل «أشدّ عمقاً مما كنّا نخشى في أيّ يوم، وفي كلّ منحى». وهو لا يفوّت فرصة التواجد في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، وهذا في حدّ ذاته دليل على وطنيته الإسرائيلية كما يقول؛ ولكنه مع ذلك يحتاج دائماً إلى تذكير مستمعيه بأنه «يحمل لهذه الأرض محبّة هائلة وطاغية ومركبة»؛ وأنه علماني التفكير، ولكنه مؤمن بأنّ قيام دولة إسرائيل كان «معجزة من نوع ما، سياسية ووطنية وإنسانية، وقعت لنا كأمّة».
يهودي ثالث، هو شمعون بيريس، رئيس الكيان الصهيوني السابق، وأحد بطاركة ما يُسمّى «اليسار الإسرائيلي»، يستشيط غضباً إزاء أيّ حديث، عن أية جريمة، يمكن أن تُنسب إلى أي إسرائيلي، هكذا ببساطة مطلقة! يعلن أنّ كرامته الشخصية تُطعن في الصميم كلما سمع مَن يقول إنّ إسرائيل تسعى إلى القتل بدم بارد: «نحن لسنا دولة مافيا تستخدم هذا النوع من الممارسات». مَن نحن، إذاً؟ «الدولة الوحيدة في العالم التي تواجه انتحاريين لا يمكن وقفهم بواسطة شرطة أو جنود ما داموا مستعدين للموت»، يتابع حامل جائزة نوبل للسلام. فهل كان ركاب السفينة ماريان من هذا الطراز؟ نعم، في نظر بيريس، ما دام هدفهم هو تغذية «إرهاب» غزّة!
وبين سخف عربي، وسفالة يهودية وحذلقة إسرائيلية؛ ثمة ذلك الطراز النبيل من مقاومة كونية لا تكفّ عن تسيير رياح التضامن إلى غزّة المحاصرة، حيث البقاء الملحمي هو الأجندة الكبرى، بيّنة كانت أم خافية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى