شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسيةملف التاريخ

أغلبهم «استقلاليون».. طلبة القرويين قاطعوا أستاذا لأنه «ودود» مع الفرنسيين

يونس جنوحي

في ساحة قريبة، كانت تتم عملية بيع كُتب بالمزاد لحشد كبير من التلاميذ المُعدمين. كان الدلال ببساطة يُلوح بكتاب ويُحفز اقتراحات الثمن التي كانت تتزايد بسرعة، في تناقض واضح مع عملية المساومة التي تأخذ وقتا طويلا في العادة.

دخلتُ في حديث مع بعض الشبان، ودعوني لزيارة المْدْرسة التي يقطنون بها. فهمت أنه يتوجب أولا الحصول على ترخيص، لكنهم تخلوا عن هذه القيود جانبا.

سبعة منا تزاحمنا في شقة صغيرة، أو زنزانة على الأصح، وجلسنا القرفصاء فوق فرش على الأرض.

سألتُ:

-«ليس لديك أي محاضرات هذا الصباح؟».

-«حسنا، نعم. لكننا نخوض إضرابا».

-«ماذا؟».

-«هناك مُدرس نعترض عليه».

-«هل تستطيعون خوض إضراب لهذا السبب؟».

-«نعم، ونستطيع الفوز. سوف يرحل».

سمعتُ إشاعات مفادها أن الطلبة في القرويين كانوا يُنافسون أصدقاءهم المصريين في الأنشطة السياسية، لهذا السبب لم أتفاجأ عند معرفة الخطأ الذي ارتكبه المُدرس موضوع المقاطعة. لقد كان ودودا جدا مع الفرنسيين!

لقد كان الطلبة يشتكون:

-«نحن مغاربة مُسلمون، نريد إعادة تأسيس دولة مستقلة، إن البلد المسلم يؤسس فقط على الشريعة القرآنية فقط».

واستمروا في الحديث وقدموا تعريفا للدولة الثيوقراطية التي من شأنها أن تكون مفارقة تاريخية رائعة في العالم الحديث.

سمعتُ أن طلبة القرويين كانوا وطنيين بشكل متطرف. وقد كانوا كذلك فعلا. لكن إذا كان هؤلاء وغيرهم من الذين اتصلتُ بهم نماذج فقط، فإن أفكارهم السياسية تختلف بشكل كبير عن أفكار أولئك القادة الاستقلاليين. أحد هؤلاء المنتمين للفريق الأخير، عبر لي لاحقا عن أفكاره بالقوة.

لقد نطق متعجبا، بنبرة كانت أقرب إلى الهسهسة:

-«إنهم طلبةٌ غير ناضجين!  يريدون السير نحو الوراء، وليس إلى الأمام. إنهم يحشون عقولهم بأفكار قديمة ويخافون من مواجهة العلم الحديث. إنهم يصلحون حشودا في المظاهرات، لا أكثر. عندما تكون لدينا السلطة، يجدر بنا إعادة تنظيم نمط التعليم. حتى المدارس الفرنسية تبقى أفضل من هذه!».

أشك في أنه قد يتجرأ على قول هذا الكلام مباشرة لطلبة القرويين، لأنهم فخورون جدا بجامعتهم.

ومع ذلك، فإن أصدقائي أثناء تناول وجبة الغذاء، التي كانت عبارة عن لحم ماعز مطبوخ مع الخضروات، كانوا يبتعدون باستمرار عن الخوض في دراستهم، وينصرفون عنها إلى النقاش في السياسة.

لقد صرحوا لي بالآتي:

-«نحن جميعا استقلاليون. جميعنا!».

من الواضح أنهم كانوا غير قادرين، أو غير راغبين، في الاعتراف بوجود فجوة سياسية بينهم وبين «الآخرين».

لكني بعد أن غادرتُ المْدْرسة العتيقة والمباركة، وأنا أشق طريقي عبر الأزقة الضيقة، فإذا بي أجد أحد التلاميذ بمحاذاة مِرفق يدي.

قال لي بهدوء:

-«أريد محادثة أخرى معك».

-«نعم؟».

-«هل تذكر ما قلناه بخصوص حزب الاستقلال؟».

-«نعم أذكر فعلا أنكم جميعا تنتمون إليه».

-«هذا صحيح. لكن لماذا أنتمي إليه؟».

-«أخبرني».

-«لأنني أريد الحصول على شهادتي. أي فرصة سأحظى بها إذا لم أسر مع الحشد؟ إذا كانوا سوف يخوضون إضرابا ضد أستاذ لا ينتمي إلى حزب الاستقلال، فماذا سيفعلون بطالب لا حول له ولا قوة؟ لا فكرة لديك عن السيطرة السياسة في هذا المكان. يبدو لي أن الطلبة هم الذين يُديرون المكان وليس المدرسين. إذن، ها أنت ترى، يجب علي أن أنتمي لحزب الاستقلال».

-«لقد بدأت أفهم. هل أنت لوحدك؟».

-«لا لستُ وحدي. لكن في المغرب، لن تفلح أبدا إذا ذهبت عكس اتجاه الحشد».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى