شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

أمير الانتقام

 

أحمد مصطفى

 

في القرن الماضي أنتجت السينما المصرية أكثر من فيلم، استنادا إلى الرواية الشهيرة للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما «الكونت دي مونت كريستو». كان عنوان الأفلام العربية «أمير الانتقام»، أحدها بطولة أنور وجدي، ثم آخر بطولة فريد شوقي. والرواية من أشهر ما ألف دوما إلى جانب «الفرسان الثلاثة»، وتحكي عن شاب يخونه أصدقاؤه فيسجن، ثم يغتني، ويصبح ذا سلطة ويبدأ في الانتقام ممن خانوه.

مع زيادة المؤشرات على أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، والاحتمال الأكبر أن يفوز على منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، الذي سيرشحه الحزب الديموقراطي لولاية ثانية، يتذكر المرء رواية ألكسندر دوما. فهل سيكون ترامب في فترة رئاسته الثانية «أمير الانتقام»، لينال من كل من انتقدوه ويعتبرهم خانوه، أو خذلوه؟ أم أنه سيعود إلى البيت الأبيض أكثر اعتدالا من فترة رئاسته السابقة؟

من تجربة فترة رئاسته، اتضح أن السياسات الفعلية لم تكن بقدر زعيق التصريحات، على الأقل بالنسبة إلى الاقتصاد الذي حقق أداء جيدا في ظل إدارة ترامب. لكن لأن دونالد ترامب بطبعه متقلب، ويمكن أن يغير موقفه مائة وثمانين درجة في لحظة يصعب توقع أن تكون فترة رئاسته الثانية، في حال فوزه مثل الأولى (على الأقل في ما يتعلق بسياسة أكثر اعتدالا من وعوده الانتخابية).

على سبيل المثال، فإن الرئيس السابق لا يرى أن كوكب الأرض يواجه أزمة مناخية، ولطالما كانت تصريحاته قريبة من أصحاب نظريات المؤامرة أحيانا في نفيه، لأن هناك تهديدا بيئيا، بسبب ارتفاع درجة الحرارة الناجم عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وبالتالي ربما يمضي قدما في إلغاء أغلب برامج الدعم الحكومي للتحول في مجال الطاقة، ومنها مبادرات إدارة بايدن بالمليارات لتشجيع الطاقة المتجددة المستدامة من مصادر غير ملوثة للبيئة.

صحيح أن إدارة بايدن تطرح السياسة وربما تنفذ نقيضها، على الأقل هذا ما هو واضح في مجال الطاقة من منح تراخيص هائلة لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز حتى أصبحت أمريكا أكبر منتج للنفط عالميا، لكن البيت الأبيض بوجود ترامب قد يذهب بعيدا أكثر. فقد وصف الرئيس السابق برامج الإدارة الحالية للتحول بأنها «النصب الأخضر الجديد».

هناك أيضا وعود ترامب بأن يقوم بأكبر عملية طرد للمهاجرين وطالبي اللجوء في تاريخ الولايات المتحدة، وتلك مسألة مثيرة جدا للناخبين من اليمين واليمين المتطرف الذي يمثل القاعدة الانتخابية الصلبة لترامب. أما بالنسبة إلى الوعود الانتخابية التي تتعلق باحتمال «العودة» إلى السياسات الحمائية والانعزالية، فالحقيقة أن إدارة بايدن لم تفعل الكثير عكس ما كانت تتهم به إدارة ترامب السابقة.

حسب التصريحات الانتخابية الحالية، يعد ترامب بفرض رسوم وتعريفة جمركية بنسبة عشرة في المائة تقريبا على كل الواردات لتشيع استهلاك المنتجات الأمريكية. وهناك تقارير عن عزمه فرض رسوم أكثر من النصف (نسبة ستين بالمائة تقريبا) على الواردات من الصين. ومع أن ذلك سيشعل الصراع التجاري والاقتصادي بين واشنطن وبكين، إلا أنه في النهاية سيحصر الأمر بالاقتصاد بعيدا عن السياسة، كما تفعل إدارة بايدن حاليا بتغذيتها التوتر بمضيق تايوان.

حتى في حال تنفيذ ترامب وعوده الانتخابية الزاعقة، فإن انتقامه هنا لن يكون من أفراد بأمريكا أو خارجها فحسب، لكنه سيكون انتقاما من «المؤسسة» بشكل عام. ومعروف أن مشكلة ترامب الأساسية أنه أول رئيس للولايات المتحدة لم يتبوأ أي منصب عام، أي أنه كان من خارج المؤسسة تماما. وربما تكون سلطات إنفاذ القانون، من وزارة العدل وتوابعها كمكتب التحقيقات الفيدرالي، أحد أهم مستهدفات انتقام ترامب. فهو، وأغلبية أنصاره، يرون أن «المؤسسة» استهدفته ظلما بالقضايا العديدة ضده، لإبعاده عن السياسة واحتمال الحكم مجددا.

لكن، مرة أخرى، يصعب توقع تصرفات ترامب. ولعله تعلم أيضا من فترة رئاسته الأولى أن تكون اختياراته لإدارته من أشخاص يتفقون معه تماما، كي يمكنه تنفيذ ما يريد. وبما أن مجلس النواب الآن بأغلبية جمهورية، ومجلس الشيوخ منقسم ويرجح أن يخسره الديموقراطيون في انتخابات نونبر، سيكون الكونغرس كله مع ترامب.

ربما يكون «الانتقام» الأهم مسألة إيجابية فعلا، وذلك إذا تمكن ترامب من إنهاء الصراع بأوكرانيا بمجرد دخوله البيت الأبيض. صحيح أن هذا قد يكون على حساب كييف ولصالح موسكو بما يزعج الحلفاء الأوروبيين، لكنه سيكون مفيدا للشركات والأعمال في أمريكا والعالم مع خفض كلفة الطاقة، وتخفيف توترات جيوسياسية تضر بالاقتصاد العالمي كله.

بغض النظر عن لجوء ترامب للانتقام بمجرد توليه السلطة، من الأشخاص والمؤسسات والسياسات، أو اعتداله نتيجة تمرسه في الحكم والإدارة من قبل، فإن منتقديه سيظلون يصفون كل تصرف له بأنه «انتقام»، حتى يكادوا يجعلوا منه أمير الانتقام. مع ذلك فاحتمال الاعتدال والتعقل هو الأرجح، خاصة وأن الرئيس الذي كان مفاجأة قبل ثماني سنوات، أصبح الآن «جزءا من المؤسسة»، على الرغم مما يبدو من أنه ضدها.

لكن، من الأفضل الآن للأمريكيين والعالم كله أن يبدؤوا في وضع حساباتهم على أن الرئيس الأمريكي مطلع العام المقبل سيكون دونالد ترامب. فالحذر، وإن كان لا يغني عن القدر، إلا أنه يفيد في تقليل التبعات السلبية.

 

نافذة:

ربما يكون «الانتقام» الأهم مسألة إيجابية فعلا وذلك إذا تمكن ترامب من إنهاء الصراع بأوكرانيا بمجرد دخوله البيت الأبيض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى