إنها مجرد صورة
أحدثت صورة وزير الخارجية ناصر بوريطة بنظيره الأمريكي أنتوني بلنكن، وما رافقها من تغريدة لرئيس الدبلوماسية الأمريكية صدى سياسيا وإعلاميا واسعا، وتراوحت ردود الفعل بين منوه باللقاء على قاعدة استمرار التحول الإيجابي في العلاقات السياسية والاستراتيجية التي تم تدشينها في عهد إدارة ترامب، وبين ممتهني معارضة الدولة الذين حاولوا تحميل الصورة أكثر مما تحتمل، مروجين أن الإدارة الجديدة تنكرت لالتزامات الدولة الأمريكية تجاه المغرب، وأن طرح ملف حقوق الإنسان مؤشر على ذلك.
ويكفي الرجوع إلى صيغة تغريدة بلنكن التي وصفت اللقاء الدبلوماسي بـ«الجيد»، وهذا ليس مجاملة أو مداهنة من كبير دبلوماسيي العالم يعرف جيدا كيف يعبر عن مجريات لقاءاته الدبلوماسية، ويختار بعناية وحنكة القاموس المفاهيمي الذي يفي بالغرض. لذلك فإن اللقاء ليس خطوة موجهة ضد الدولة المغربية، ولا يحمل أي اتهام لها بارتكاب خروقات في مجال حقوق الإنسان، ويكفي لأي شخص موضوعي أن يعود إلى أول التقارير الحقوقية التي أصدرتها وزارة بلنكن، سواء ما يتعلق بتقرير حقوق الإنسان أو تقرير الحريات الدينية، حيث أشادا في المجمل بتطور منظومة حقوق الإنسان ببلدنا.
لا يفهم تجار القضايا الحقوقية الذين يستقوون على وطنهم بقوى خارجية، أن الولايات المتحدة ليس في وارد سياساتها كما يحلمون إضعاف الدولة الوحيدة المستقرة في شمال إفريقيا، كما أن إثارة موضوع حقوق الإنسان في اللقاءات الدبلوماسية بين الرباط وواشنطن، أمر عادي ويدخل ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، ولا يشكل أي مركب نقص بالنسبة إلى المؤسسات المغربية، التي لا تدعي أننا نعيش جنة حقوقية، لكننا لا نعيش جهنم كما يحاول البعض الترويج لذلك.
من هنا، فإن النشوة الحماسية والاحتفال الطفولي والقراءة الانفعالية المتسرعة التي حاولت الربط بين الإعلان عن جدول أعمال اللقاء وإدانة المغرب على مجرد تغريدة لبلنكن أمور مثيرة للشفقة، فهذا المستوى من التفكير الرخيص الذي عبر عنه تجار حقوق الإنسان لا يراود دبلوماسية كل من واشنطن والرباط، اللتين تربطهما علاقات استراتيجية أكبر من إدارة عابرة وأقوى من ملف هنا وهناك.
ولا ننسى أن إيجابية اللقاء الدبلوماسي التي جعلت بلنكن يصفه بالجيد، تكمن في أنه جرى بروما على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، بما يمثله المغرب في هذا التحالف الكوني من ثقل أمني واستخباراتي لمواجهة الإرهاب العالمي والحد من مخاطره، ولا شك أن اللقاء أكد أن لكلا الطرفين مصالح أخرى متبادلة، فالمغرب حريص في علاقاته الاستراتيجية مع واشنطن على توفير التأييد الأمريكي لمبادرة الحكم الذاتي وقضية وحدتنا الترابية، كما أن واشنطن تريد من خلال لقائها تأكيد دور المغرب الإقليمي، وريادته في عدد من القضايا، وفي صلب ذلك تقع القضية الفلسطينية والقضية الليبية بتشعباتها، في ظل علاقاته المتوازنة مع جميع الأطراف.
إن علاقة أكثر من قرنين ونصف القرن بين الرباط وواشنطن يجب أن تكون كافية لكي يستوعب تجار حقوق الإنسان وسماسرة مهنة الصحافة، أن الحماسة الزائدة والاستقواء بالخارج لن يكونا سلاحا لابتزاز الدولة، لأن بضعة مواطنين يريدون أن يكونوا محصنين تجاه القضاء والقانون.