
الكل يُجمع على أنه لا يُمكن أن يُخلط الزيت بالماء، لكن العديد من الجهات تسعى لخلط حرية التعبير والصحافة المهنية مع جرائم التشهير والمواد التي تنشر على المنصات الاجتماعية، وذلك عند وضع شكايات رسمية لدى النيابة العامة المختصة، ضد مدونين بتهم التشهير والسب والقذف وتقارير الابتزاز وإهانة السلطات وإقحام مؤسسات حساسة في تصفية الحسابات الضيقة، وانتحال صفة الصحافة وانتحال صفة ضباط مراقبة التعمير، وانتحال صفة المؤسسات الجمركية والقيام مقام الجهات المسؤولة على مراقبة مصادر الثروة، والتشهير باستثمارات ومستثمرين، وغير ذلك من جرائم النشر التي تعتبر تبعاتها كارثية على الاقتصاد والمجتمع والتطور الديمقراطي وضمان الأمن العام.
وقد نبهت العديد من المنابر الإعلامية، التي تعمل وفق القانون والتراخيص الضرورية، العاملين معها إلى أن التقارير والمواد الصحفية التي تنشرها هي المعنية بقانون النشر ويتحمل فيها المسؤولية مدير النشر إلى جانب المحرر والجريدة المعنية وتحرك دفاعها للرد على الشكايات والدفاع عن الحق في التعبير، وليست هناك أي مسؤولية للمقاولة الإعلامية في ما ينشره العاملون لديها من آراء خاصة أو تدوينات بالمواقع الاجتماعية، كما أن الأمر يدخل في خانة القانون الجنائي المغربي في حال التشهير أو الابتزاز أو السب والقذف، ولا علاقة للأمر بالصفة المهنية.
وبالعودة إلى اللايفات والفيديوهات أو التدوينات التشهيرية الابتزازية، التي تنشر على المواقع الاجتماعية، نجد أنه لا يربطها أي شيء مع المقال الصحفي المهني المنشور على جريدة ورقية أو موقع إلكتروني ملائم، لكن عند تقدم الضحايا بشكايات إلى النيابة العامة المختصة في مواجهة المشتكى بهم، تتدخل جهات لخلط حرية التعبير بجرائم التشهير وادعاء الصفة الصحافية، من أجل الفوز أخيرا بقرار حفظ الشكاية. وهو الشيء الذي يرفع من تنامي التشهير والابتزاز والإفلات من العقاب ومنح المثل السلبي لمدونين وقيامهم بنفس الفعل الجرمي، مع تقديم عقود عمل غامضة بمواقع إلكترونية أو دليل الانخراط في جمعيات محلية للصحافة للإفلات من الشكايات التي توضع ضدهم لدى النيابة العامة.
إن حماية الصحافيين المهنيين وحرية التعبير وفق القانون، وتوجيه النيابة العامة كل من يضع شكايات ضدهم إلى وضع شكاية مباشرة لدى المحكمة، لا يمكن أن يفتح الباب أمام جهات تصطاد في الماء العكر وتخلط عمدا بين التدوين الذي تحكمه فصول القانون الجنائي، والمواد الصحافية المهنية، والعمل والنشر بمؤسسات خاضعة للقانون ويحكمها قانون النشر.
ومن المسلمات أنه لا يوجد أحد فوق القانون، وفتح المجال لخلط حرية التعبير بجرائم التشهير، يطرح غموضا كبيرا لدى الرأي العام، بالنسبة لمتابعة مدونين وفق القانون الجنائي، واستثناء آخرين قاموا بنفس الفعل الجرمي، لكنهم يدلون بما يفيد عملهم بمواقع إلكترونية أو الانتماء إلى نقابات، علما أن الأمر يتعلق بتدوينات تشهيرية وابتزازية واضحة، تتضمن السب والقذف وليس مواد صحافية تحترم الحد الأدنى من المهنية وضمان حق الرد والتعقيب والتوضيح، وسلك المساطر القضائية في حال تطلب الأمر ذلك، وللقضاء الفصل دائما في القضايا وفق القوانين المعمول بها.
هناك من يستهين بخلط جرائم التشهير بحرية التعبير، ولايقدر خطورة منح “المثل” في الإفلات من العقاب في ابتزاز استثمارات ومسؤولين كبار في الدولة، وعمل مدونين من ذوي السوابق العدلية على تشكيل شبكات تشهيرية تتعامل مع مسؤولين وبرلمانيين ومنتخبين مقابل عمولات مالية، ويتم توجيهها للطعن في أعراض المتنافسين السياسيين وإرهاب كل صوت مخالف لتوجههم ويهدد أجنداتهم الخاصة، وإقحام مسؤولين سامين ومؤسسات حساسة في الصراعات وادعاء الانتساب إليها لدفع الضحايا من العوام وغيرهم للصمت وعدم تقديم شكايات من الأصل، وهو الشيء الذي يجب أن يتم التعامل معه بحزم من قبل النيابة العامة المختصة بواسطة القانون، والصرامة أثناء التحقيق لدى الضابطة القضائية والكشف عن حيثيات وظروف وكواليس كل ملف، حماية لسلامة المغاربة من كافة مظاهر العنف اللفظي وأخطار جرائم التشهير والطعن في الأعراض.