شوف تشوف

الرأي

الجزائر والمستنقع الليبي

توفيق رباحي
بدأت الدبلوماسية الجزائرية تفكر في اللحاق بقوافل المتدخلين في الصراع السياسي والعسكري في ليبيا، لكن الجزائر تأخرت كثيرا بحيث أصبح صعبا عليها استدراك المسافة الفاصلة بينها وبين اللاعبين الآخرين. في هذا السياق تدخل زيارة رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، ووزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، إلى الجزائر.
هذا التأخر الكبير ترك الجزائر اليوم بلا خيارات، كما ستكون له عواقب سياسية وأمنية واقتصادية صعبة على الجزائر. من عجائب الصدف أن الدول الثلاث الأقرب إلى ليبيا، والأكثر تأثرا بما يجري فيها، هي الأقل تأثيرا في أحداثها: مصر وتونس والجزائر.
من نافلة القول إن سبب انكفاء الجزائر عن الشأن الليبي (وغيره) يعود إلى احتكار الرئيس المخلوع كل القرارات السياسية والدبلوماسية. نتيجة هذا الاحتكار، وفي غياب محيط رئاسي شجاع يقدم مصالح الأمة على مصالحه، فإن البلد أصيب بالشلل والعزلة بمجرد أن أصيب المخلوع بجلطة دماغية في النصف الأول من العقد الماضي.
حتى بعد إزاحة المخلوع لم يُلحظ أي جهد في اتجاه استدراك ما فات، أولا لأن وقتا كثيرا قد ضاع ومعه فرص عدة، وثانيا لأن النظام الحاكم انشغل بتحصين وجوده بعد إزاحة المخلوع وحالة الغموض التي أعقبت ذلك.
خيارات الجزائر بشأن ليبيا انتهت كلها إلى طريق مسدود. اتضح أن خيار الوساطة، بدل التدخل، لم يكن موفقا، حتى وإن كان التدخل المباشر ليس حلا هو الآخر. واتضح أن الحياد، وهو في هذه الحالة مرادف للسلبية، ترتبت عنه (وستترتب) نتائج مقلقة. واتضح كذلك أن دبلوماسية الحفاظ على توازن مع كل الدول المتدخلة في ليبيا، خيار عقيم ومستحيل التحقق. في سعيها لإرضاء الجميع، خسرت الجزائر الجميع باستثناء تونس.
الدبلوماسية الجزائرية مطالَبة اليوم بجهد استثنائي، لم يعد مسموحا لها المضي في لعب دور المتفرج السلبي. ليبيا تحولت إلى مستنقع إذا لم تذهب إليه الجزائر فسيأتي إليها. يكفي تأمل قائمة الدول المعنية بشكل أو بآخر بالأزمة الليبية للتأكد من صعوبة، وربما استحالة، نجاح الدبلوماسية الجزائرية في تغيير مسار الأحداث في ليبيا بما يخدم مصالحها. تحتاج الجزائر إلى جهد خاص مع كل دولة من الدول المتدخلة، إذا كانت تريد تغيير شيء. هذا ناهيك عن دول أخرى، أقل تأثيرا، لكنها وجدت نفسها طرفا في اللعبة الليبية بحكم القرب الجغرافي، مثل السودان وتشاد والنيجر، وتجمعات إقليمية أوجدت لنفسها أدوارا ولو ثانوية، مثل الاتحادين الإفريقي والأوربي.
تحتاج الخارجية الجزائرية إلى بذل جهد على صعيد قاموسها الدبلوماسي، وآخر على صعيد العمل الدبلوماسي. عليها التخلي عن «طوباوية» عدم التدخل في شؤون الآخرين، لأن ذلك لن يحميها، علاوة عن أن لا أحد سيستمع إليها.
تحتاج الجزائر أيضا إلى التفكير في جدوى تمسكها بعبارات من قبيل «رفض التدخل الأجنبي في شؤون ليبيا»، لأنها أصبحت مكرورة ومضحكة عندما نتذكر أن التدخل الأجنبي حدث منذ سنوات، ويتوسع باستمرار ويزداد خطورة. لا بأس من إشهارها في الخطابات الموجهة للاستهلاك العام، لكن ليس من الحكمة التمسك بها قولا وعملا، ومن الخطير التمسك بها في مقاربتك نحو بلد تربطك به حدود طولها ألف كيلومتر، وحرائقه تقترب كل يوم أكثر.
لقد أصبح مطلوبا تشكيل فريق طوارئ من دبلوماسيين وأمنيين وخبراء في الخارجية الجزائرية لمتابعة الملف الليبي واقتراح الحلول المطلوبة بخصوصه.
ولأن قائمة الدول التي تتدخل في ليبيا طويلة وتركيبتها معقدة لا يمكن التوفيق بينها، تحتاج الدبلوماسية الجزائرية إلى تحديد «قائمتها»، التي تتضمن دولا تستطيع العمل معها والتوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ في الداخل الليبي، أو على الأقل تُبقي الوضع تحت السيطرة.
على رأس القائمة تونس، ثم مصر. وبمساعدة روسية إذا كانت للجزائر فعلا حظوة لدى موسكو، كما يدعي مسؤولوها، وما يربطها بها ليس مجرد علاقة تاجر سلاح بزبون جيد.
الحياد مفيد فقط في إكساب صاحبه رصيدا معنويا وثقة الأطراف المتقاتلة والمجتمع الليبي، لكن هذا لا يكفي طالما أن هذه الأطراف ليست سيدة قرارها وتتبع قوى خارجية لا يعني لها الحياد أي شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى