
حسن البصري
في أحد مطاعم الدار البيضاء، لفتت انتباهي كأس إفريقية تجلس القرفصاء بالقرب من الأرائك، ربما لا يلتفت الزبائن لهذه التحفة التي تتوسط مجموعة من التحف. في هذا الفضاء، يتفحص الناس لائحة المأكولات ويستنطقون النادل حول تفاصيل الوجبات المعروضة، فشهية الأكل تغض البصر.
يبدو أن الكأس الفضية، التي أريق حول جوانبها الدم، في حالة تسلل قصوى. فمكانها الحقيقي في خزانة كؤوس وتذكارات النادي، وليس في مطعم للأسماك.
استحضرت توصيات أحد الجموع العامة للوداد الرياضي، التي نصت على تكوين لجنة من المسيرين، عهد إليها بتمشيط صالونات الرؤساء السابقين من الكؤوس والميداليات، التي ظفر بها الفريق على امتداد تاريخه، وجمعها في متحف الوداد بمركب محمد بن جلون.
يبدو أن المفاوضات مع الملاك الجدد لهذه الكؤوس لم تثمر، فتم حل لجنة التنقيب عن الكؤوس في صمت، وتسريح أعضائها، ورحم الله من مات منهم وفي قلبه غصة الكؤوس المنهوبة.
قال أحد أعضاء لجنة استرجاع أرشيف الوداد في جمع عام استثنائي: إن كؤوس الوداد تزين صالونات بعض رؤسائه السابقين، فانتفض ضده منخرطون واتهموه بالإساءة لرموز النادي.
رغم ذلك، يسعى مسؤولو الوداد الرياضي اليوم إلى اقتناء دار محمد بن جلون، التي تأسس فيها نادي الوداد. وحين استعصى شراء هذا البيت التاريخي، في وسط المدينة القديمة للدار البيضاء، اقترح أحد المسيرين شراء مقهى تاريخي غير بعيد عن بيت عائلة بن جلون، وتحويله إلى متحف للوداد.
لا جدوى من وجود فضاء للأرشيف والذاكرة في مقرات الأندية والجامعات والعصب، لأن فضاءاتها غير مفتوحة للعموم، ولأن دخولها يحتاج إلى تأشيرة من الرئيس أو مدير النادي.
ما جدوى الكؤوس والتذكارات والصور النادرة، إذا كان مصيرها ركن في مقر للنادي يقف عند بوابته حراس خصوصيون يمنعون دخول «الغرباء»؟
المعضلة تتجاوز الفرق، لأن المتحف المخصص لتاريخ الكرة المغربية في المعمورة لا يدخله إلا أهل الكرة، حين تقودهم أقدامهم إلى هذا المركز الرياضي، وفي باقي الأيام يستعصى على الزائرين الدخول.
من هذا المنطلق، بات تقريب المتاحف من الجماهير حلا للمصالحة مع الذاكرة، وعنوانا للانتماء. من هذا المنطلق أخذ أرباب المقاهي على عاتقهم مسؤولية صيانة أرشيف الفرق التي يعشقونها، وأصبح للجديدة مقهى يؤرخ للدفاع، وفي شارع الفداء مقهى تزينه صور الرجاء، وفي الرباط مطعم تنبعث منه رائحة تاريخ الفتح، وفي طنجة وباقي المدن مبادرات مماثلة، لكنها فردية.
في المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء وضعت علامات تشوير ترشدنا إلى متحف الكرة البيضاوية، تحت مدرجات «زون 6»، وبعد تجديد الملعب أصبح المتحف في خبر كان.
وفي عاصمة كرة القدم أقبرت شركة التنمية المحلية «كازا للتراث»، التي كانت تعنى بالتراث اللامادي للمدينة، وحولتها إلى شركة من زمن مضى.
في نهاية الشهر الذي ودعناه، احتفى المغرب باليوم الوطني للأرشيف (30 نونبر 2025)، الذي يخلد صدور القانون 69.99 المتعلق بالأرشيف، باعتباره «محطة أساسية في مسار تحديث الدولة وتعزيز صون الذاكرة الجماعية، وترسيخ دولة الحق والقانون».
وأكدت مؤسسة أرشيف المغرب في بلاغ لها، «مواصلة جهودها لحماية التراث الوثائقي الوطني، ونشر ثقافة الأرشفة، واعتماد ممارسات حديثة في تدبير الوثائق، عبر الانخراط في التحول الرقمي».
قبل أن يقتحم الرقمي الأرشيف الورقي ويعلن نفسه وصيا على الذاكرة، تأسست في أكتوبر 2018 جمعية للأرشيف الكروي، أقامت معارض للصور والمطبوعات وصالحت جماهير الفرق مع تاريخها. لكنها عانت من غياب الدعم، وظلت تحارب طواحين الهواء مصرة على الإفلات من الإعدام. ومن المفارقات العجيبة أن يتزامن اليوم الوطني للأرشيف مع اليوم العالمي لوقف الإعدام.





