الجنائي ليس مجالا لتصفية الحسابات
كعادة الطبقة السياسية الانتظارية، بدأت التسخينات السياسية والإعلامية حول مضامين مشروع القانون الجنائي. لا أحد يجادل في كون قانون العقوبات، كما يحلو لإخواننا المشارقة تسميته، يعد أهم قانون على الإطلاق، بعد الوثيقة الدستورية، والسبب بسيط للغاية، لأنه قانون مرتبط بحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، بل هو متعلق بحياة ومصير المواطن.
لكن، للأسف، ينتظر بعض الساسة الكسالى، الذين بارت تجارتهم السياسية، قانونا مثل هذا لتحويله إلى أرض للغزوات السياسية والفكرية، للدفاع عن حصون المحافظة البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان، والبعض الآخر يحول القانون إلى حصان طروادة برداء حداثي لتصفية حساباته السياسية والإيديولوجية مع ما يعتبره قيما محافظة. وبين دعاة المحافظة الخادعة والمنادين بالحداثة المفترى عليها، يضيع أهم قانون في الدولة، وتبقى دار لقمان على حالها، وربما هذا هو الهدف المستتر للمتصارعين.
إن أي قانون، سيما القانون الجنائي، يُفترض أنه قانون يخدم الصالح العام، وليس قواعد قانونية لتصفية حسابات فريق أو حزب مع فريق آخر، ومن يريد أن يصفي حسابات لا يصفيها عن طريق الجنائي، لأنه قانون دولة وليس قانون حزب أو توجه سياسي، لأن الثمن، في حالة خروج قانون مشوه، سيدفعه المغاربة من حرياتهم وحقوقهم، فقط لأن شهوة البوليميك الفج وغير العقلاني غلبت على اعتبارات الصالح العام وعلى الاهتمام بجودة وواقعية القانون.
والحقيقة أن البعض يريد أن يعرقل وضع قانون جنائي جديد ووضع عدد من المطبات في طريقه، لأنه لا يخدم مصالحه الإيديولوجية أو السياسية، أو لا يرغب لهذا الوطن أن يخرج من أزماته، لذلك فهو يشهر محافظته أو حداثته في وجه قانون، لكن لا أحد يملك صكوك الحداثة والمحافظة سوى ملك المغرب، الذي يبقى الضمانة الوحيدة لكي لا ينزاح القانون الجنائي عن مقاصده في حماية الدولة من الجريمة والمجرمين.