الرأي

الحرب ضد «الدولة الإسلامية» ما هي المغريات التي دفعت تركيا لتغيير موقفها؟

بعد مرور أربعة أيام على الهجوم الانتحاري في سوروتشي الذي شنه مواطن كردي تركي، قيل إنه عضو في «الدولة الإسلامية» وتدرب في قواعدها في العراق، وهو الانفجار الذي أدى إلى مقتل 30 شخصا معظمهم من الأكراد، كانوا يشاركون في مهرجان لجمع تبرعات لإعادة إعمار مدينة عين العرب (كوباني) السورية ذات الأغلبية الكردية، نقول بعد مرور أربعة أيام على هذا التفجير الذي هز تركيا وحكومتها، نفذت الطائرات الحربية التركية هجوما بالصواريخ ضد مواقع لـ «الدولة الإسلامية» داخل الأراضي السورية للمرة الأولى منذ بدء الأزمة السورية، وصعود نجم الجماعات «الجهادية»، فلماذا هذا الهجوم الآن، وهل غيرت تركيا سياستها «شبه المتحفظة» تجاه الأزمة السورية؟ الاجابة على هذه التساؤلات المشروعة تبلورت من خلال الاتصال الهاتفي قبل يومين بين الرئيس الامريكي باراك أوباما ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي جاء تتويجا لاتفاق تركي أمريكي، جرى التفاوض عليه بين الجنرال جو الن، مبعوث أوباما إلى سورية والعراق، والقيادة التركية، تنص أبرز بنوده على انضمام تركيا بقوة في الحرب ضد «الدولة الإسلامية» التي تقودها الولايات المتحدة على رأس تحالف يضم 60 دولة. تركيا ستسمح بمقتضى هذا الاتفاق للطيران الحربي الأمريكي باستخدام قاعدة انجيرليك الجوية القريبة من الحدود الشمالية العراقية والسورية في ضرب قواعد «الدولة الإسلامية» وربما دمشق لاحقا، ومقابل ذلك ستلبي أمريكا طلباتها في إقامة منطقة عازلة وحظر جوي بطول 90 كيلومترا تمتد بين مدينتي مارع وجرابلس السوريتين الشماليتين قرب الحدود التركية وبعمق 50 كيلومترا، أي بمساحة اجمالية مقدارها 4500 كيلومتر مربع، أي نصف مساحة لبنان تقريبا (10453 كليومتر مربع). هذا الاتفاق، والالتزامات التركية التي تترتب عليه، ربما يكون الأخطر في تاريخ تركيا ومنذ الغاء إرث الخلافة العثمانية من قبل كمال اتاتورك قبل مئة عام تقريبا، وتأسيس تركيا «الحديثة» عام 1923. نشرح أكثر ونقول إن الخطورة تكمن في التوقيت أولا، والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه، أي الاتفاق، أمنيا وسياسيا ثانيا. هذا الاتفاق يأتي في وقت تقف فيه تركيا على حافة «فتنة» طائفية وعرقية، وتفقد فيه حكومة حزب العدالة والتنمية زمام القيادة تدريجيا بسبب فشلها في الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية في الشهر الماضي لأول مرة منذ 13 عاما هيمنت فيها على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والرئاسية والبروتوكولية أيضا. حكومة رجب طيب اردوغان «هادنت»، أو بالأحرى حيدت، «الدولة الاسلامية» طوال السنوات الأربع الماضية، ودعمتها بطرق غير مباشرة، مثل تسهيل مرور السلاح والمتطوعين إليها، وشراء صادراتها النفطية، وعدم الانخراط في أي حرب ضدها.
السيد أحمد داوود اوغلو وزير الخارجية التركي السابق، ورئيس الوزراء الحالي، عبر عن هذه الهدنة «الايجابية» في مقابلة أجريت معه يوم 7 غشت عام 2014 وننقل هنا عنه حرفيا «ان «الدولة الاسلامية» هي مجموعة من السنة الغاضبين والمضطهدين»، وقال، بعد أن رفض أن يطلق عليها صفة الارهاب، وحمل السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق مسؤولية صعودها، قال «ان الدافع الحقيقي الذي يدفع التركمان الذين يشكلون أغلبية في صفوفها، والاكراد والعرب السنة، هو حالة الغضب والاضطهاد والتهميش والاهانات التي يتعرضون لها” في العراق على يد المالكي وحكومته». انضمام تركيا الى الحرب ضد «الدولة الاسلامية» وليس ضد الجماعات الاسلامية الجهادية الاخرى مثل «النصرة» و»احرار الشام»، يشكل تحولا استراتيجيا مهما في هذه الحرب لوجود أكثر من 900 كيلو من الحدود التركية السورية، وخاصة تلك المقابلة لعاصمة «الدولة الاسلامية» في الرقة، ومدينة الموصل، العاصمة العملياتية، والاتراك يملكون خبرة غير مسبوقة في حرب العصابات، خاضها ويخوضها الجيش التركي لاكثر من ثلاثين عاما ضد قوات حزب العمال الكردستاني ذي النزعة الانفصالية، وهي خبرة غير موجودة لدى معظم جيوش المنطقة، إن لم يكن كلها، وربما لهذا السبب مارست امريكا ضعوطا كبيرة على اردوغان للانضمام الى هذه الحرب ضد «الدولة الاسلامية»، للاستفادة من هذه الخبرات.
صحيح أن تركيا «هادنت» «الدولة الإسلامية وأدلى داوود اوغلو بتصريحاته تلك، التي ذكرناها آنفا، عندما كانت «الدولة» تحتجز 49 دبلوماسيا تركيا، (جرى الإفراج عنهم في شتنبر 2014)، وبدأت تتشدد ضد هذه «الدولة» لاحقا، وسمحت لقوات بيشمرغة كردية بالمرور عبر أراضيها للمشاركة في الحرب في «كوباني»، ولكن الصحيح أيضا أن السلطات التركية كانت تخشى من إخطار «الدولة الاسلامية» على عمقها وأمنها واستقرار بلادها بالتالي، فحسب إحصاءات المخابرات التركية هناك أكثر من 3000 تركي يتعاطفون مع هذه «الدولة»، أو مرتبطون بها إيديولوجيا، يمثلون «خلايا نائمة» يمكن أن تتفعل في أي لحظة، وهي مدربة بشكل جيد، وتملك السلاح، واحتفلت بعض وسائط التواصل الاجتماعي التركية، بعملية «سوروتشي» الانتحارية لأن القتلى من الأكراد ولانهم ضد «الدولة» ويريدون إعادة إعمار كوباني، ولأنها أي العملية كانت جزءا من «حرب مقدسة» ضد الكفار، حسب أقوالهم.
الرئيس اردوغان نفسه يفكر بطريقة «سنية» ونسبت إليه تصريحات أدلى بها بعد الهجوم على مدينة ريحاني التركية القريبة من الحدود السورية بسيارة مفخخة، ومقتل 52 شخصا في ماي 2013 قال فيها «إن هؤلاء سنة وهم منا»، ويرى كثير من المراقبين أن تدخله في سورية يعود إلى معتقداته هذه. ربما يؤدي انضمام تركيا الى التحالف الستيني الدولي ضد «الدولة الإسلامية» إلى تهدئة الأكراد ووقف بعض هجماتهم الدموية، ولكنه قد يؤدي إلى إثارة غضب بعض «السنة» في تركيا، ويصّعد من هجمات أنصار «الدولة الاسلامية» لزعزعة الاستقرار التركي، وصناعة السياحة على وجه التحديد التي تدر على البلاد 30 مليار دولار سنويا، وهناك من يعتقد، ونحن لا نستبعد ذلك، أن الهجوم على المنتجع السياحي التونسي في سوسة وقتل 38 سائحا أجنبيا، قد يكون رسالة إلى الرئيس اردوغان من تنظيم «الدولة» التي أعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ هذا الهجوم. تظل هناك نقطة على درجة كبيرة من الأهمية تتعلق بموقف السلطات السورية تجاه إقامة منطقة حظر جوي في عمق أراضيها، وهي التي أكدت مرارا رفضها لمثل هذه الخطوة، لمعرفتها بأنها قد تكون مقدمة لإسقاط النظام على غرار نظيراتها في العراق. التزام السلطات السورية «الصمت»، وربما يكون عائدا إلى تلقيها تطمينات أمريكية وأوروبية بحدوث تغيير جذري في الأولويات الغربية، والتخلي عن هدف إسقاط النظام السوري ورئيسه، وانعكست هذه في تصريحات فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني الذي اكد فيها ان الأولوية الأهم حاليا هي هزيمة هذه «الدولة»، مضافا الى ذلك دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف رباعي يضم سورية والسعودية وتركيا والأردن للحرب على «إرهاب الدولة الإسلامية» والقضاء على خطرها الذي يهدد الجميع في المنطقة وخارجها، حسب أقواله.
كل شيء جائز بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني فمعادلات سياسية وعسكرية كثيرة تتغير في المنطقة حاليا، وبسرعة فائقة، فقواعد اللعبة تتغير، وكذلك أدوار اللاعبين أيضا ولون قمصانهم، والأتراك من بينهم.
السعودية متورطة في اليمن، وسورية غارقة في حروب داخلية، والعراق مقسم طائفيا وجغرافيا، ومصر تخوض معارك دموية داخلية (في سيناء) وشوارع القاهرة، وليبيا دولة فاشلة، فلماذا تظل تركيا مستقرة ومزدهرة؟
الحكومة التركية تقدم على مغامرة خطيرة جدا حاولت كثيرا تجنبها، وأي نتائج غير مرضية، أو حتى كارثية، تتحمل المسؤولية الأكبر عنها حكومتها وصاحب القرار الأول فيها، لأنها لم تقرأ المخطط الأمريكي في المنطقة قراءة صحيحة، واعتقدت أنها «محصنة» من تبعاته التي حذرها منها الكثيرون، ونحن منهم.
مرة أخرى نقول إن تركيا تقاد إلى هوة عميقة بلا قاع وهي مفتوحة الأعين لاعادتها الى الجحيم الذي يريده لها الغرب، أي الدولة المُدينة غير المستقرة، فكيف تكون هي المحظور دخولها الاتحاد الأوروبي واحدة من أهم أقوى عشرين دولة في العالم اقتصاديا، بينما جارتها اليونان عضو هذا الاتحاد تعاني الافلاس الكامل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى