الرئيسيةخاص

الزرقاء.. ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين

شلالات وينابيع ومسابح طبيعية وتطلع لمستقبل سياحي أفضل

تطوان: حسن الخضراوي
تقع الزرقاء على بعد حوالي 10 كيلومترات من مدينة تطوان، في اتجاه جبل بوعنان، داخل المجال الترابي للجماعة القروية الزيتون. المنطقة السياحية الجبلية تتميز بوجود مسابح شكلتها على مدى عشرات السنين شلالات لا يتوقف صبيبها طيلة فصول السنة. مياه الزرقاء المنطلقة من ينابيع طبيعية، والتي يزخر بها هذا الموقع السياحي المميز، تتحول خلال الفترة الصيفية إلى نقطة جذب تروي ضمأ العطشى وتكون مصدرا للانتعاش لدى كثير من زائري المنطقة الذين يقصدون مسابحها الطبيعية بحثا عن فرصة ارتياح نادرة.

أتت تسمية المنطقة الجبلية «الزرقاء»، كتحريف لمصطلح «la charca» أي البركة أو حوض المياه باللغة الإسبانية، حيث تتواجد خزانات للمياه أسفل جبل بوزيتون لتغذية المسابح الطبيعية، إضافة إلى المياه القادمة من الواد والتي تشكل شلالات أخذت اسم الزرقاء.
بالإضافة إلى ما تشتهر به الزرقاء من شلالات وينابيع، ومنتجات فلاحية طبيعية، ترافقك طيلة الطريق البساتين الجميلة على جانبي الوادي، والمناظر الطبيعية الخلابة التي تسلب الناظرين، فضلا عن غطاء نباتي فريد قلما تجد له مثيلا بمكان آخر، وهو شكل مادة علمية دسمة لخبراء ومختصين من مختلف بلدان العالم.
الزيارة لمنطقة الزرقاء، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، لا يكتملان إلا باقتناء منتجات فلاحية طبيعية جادت بها بساتين الفلاحين البسطاء بالمنطقة، وشرب كؤوس الشاي المنعنع التي يتم إعدادها بمياه الينابيع بمقاهي تقليدية، إلى جانب التهام الخبز البلدي الذي يخرج من أفران طينية تقليدية شيدت بجانب الطريق، وتعده أنامل فتيات قرويات اخترن العمل والمساهمة في تنمية المنطقة، مع تطلعهن إلى مستقبل سياحي أفضل.

هنا الزرقاء
يوم السادس من يوليوز الجاري، كانت رحلتنا قصيرة جدا، دقائق فقط تفصل بين مدينة تطوان في اتجاه المنطقة السياحية الزرقاء التي قصدناها، حيث لا تتعدى المسافة الفاصلة بين النقطتين المذكورتين 10 كيلومترات، قطعناها مستمتعين بخضرة الحقول والبساتين، وزرقة السماء الصافية والجبال الشامخة التي تقف منادية بالتحاق السياح، لاستمتاعهم بسحر وروعة المكان.
«لا لا لا.. لا تسمى الزرقاء، تسمى «تامدة» والدوار يسمى تارغيت، هذا اسمها الأصلي عبر التاريخ، حتى ولو سماها الجميع الزرقاء، سأناديها أنا تامدة..!!»، بهذه العبارة استقبلنا شيخ مسن يجلس بالقرب من المسجد، لبيع منتوجات فلاحية جادت بها الحقول التي تروى من ينابيع الزرقاء، التي لا تجف على طول فصول السنة.
المكان هنا هادئ وجميل وكل شيء يبعث على الأمل والسعادة، إذ لا تسمع سوى خرير المياه العذبة والباردة جدا في عز حرارة الصيف، وأصوات الأطفال وهم يقفزون في المسابح الطبيعية وبريق السعادة والفرح يشع من عيونهم. رائحة الشاي المشحر الممزوجة برائحة نعناع من إنتاج محلي تنعش الروح، والشهية تفتح بالكامل نتيجة المفعول السحري لرائحة الطاجين الذي يتم إعداده فوق نار هادئة.
كل الطرق ووسائل النقل تؤدي إلى الزرقاء، حيث الاستمتاع بالطبيعة الخلابة، والجبال والشلالات، والغابات المجاورة، والمنتوجات الفلاحية المحلية..، يكلفك الأمر فقط 5 دراهم ثمن الرحلة في حافلة للنقل الحضري و10 دراهم للطاكسي من الحجم الكبير، لتصل المنطقة المذكورة التي باتت تتطلع لمستقبل أفضل، وتراهن لتنافس في المجال السياحي مناطق جبلية أخرى مشهورة بمختلف جهات الوطن.

سياحة داخلية
محمد، سائح مغربي في الخمسينات من عمره. أصله من الدار البيضاء، ويعمل بالقطاع الخاص، واختار زيارة منطقة الزرقاء بإقليم تطوان، رفقة والديه وزوجته وأطفاله، بعدما حدثه أصدقاؤه من طنجة، حول روعة المكان وسحر الجبال المحيطة بمسابح طبيعية، والأثمان المناسبة لكل الخدمات بالمنطقة من شقق مفروشة ومنتوجات محلية، ومقاهي ومطاعم وغيرها.
قال محمد لـ «الأخبار»: «لأول مرة أزور هذه المنطقة الجميلة جدا، وقد وجدت هنا الجو رائعا والسكان يكرمون السائح الضيف، والأثمان في المتناول لكل الفئات، ولا أثر لأي استغلال لوقت الذروة كما يحدث بالعديد من المناطق الأخرى، ما يتطلب تفعيل المراقبة وزجر المخالفين ومن يمارسون التدليس والغش».
وأضاف المتحدث نفسه أن عائلته قضت يوما لا ينسى بالزرقاء، حيث كؤوس الشاي التي لا مثيل لها بأي مكان، والطاجين البلدي اللذيذ، والفواكه التي تجود بها البساتين المجاورة المعطاءة، وهذا بحسب محمد ليس بغريب على جهة اجتمعت فيها كل المقومات التي يمكن أن تصنع منها قبلة للسياحة الداخلية والعالمية.
يجيب ابن الدار البيضاء على سؤالنا حول رأيه في الخدمات المقدمة بالزرقاء والابتسامة لا تفارق محياه «اخويا بصراحة بلادنا زينة، فيها ميتشاف بزاف، ولي كينقص هو التعريف والإشهار لكل منطقة، وكل سائح جا خاص يتم التعامل معاه مزيان ومايستغلوهش، وراه هو كيرجع يسوق للمنطقة ويشهرها..».
بجانب عائلة محمد، كانت تجلس أسرة من تطوان، وقد حدثنا رب الأسرة أن زيارتهم للزرقاء أصبحت مألوفة وعادية، مادامت المسافة التي تربط بين المدينة والمسابح الطبيعية لا تتعدى 10 كيلومترات، والأطفال يفضلون تغيير أجواء الشواطئ بمياه الينابيع الباردة، والاستمتاع بكؤوس الشاي المنعنع، مرفوقة بحلويات من صنع تطواني، لا يحلو تناولها إلا بالجلوس بجنب واد الزرقاء وتحت ظلال أشجاره.

منتوجات محلية
بجانب المسابح الطبيعية بالزرقاء، تباع منتوجات محلية طبيعية، من خبز بلدي ونعناع وفواكه وخضر ولبن..، لذلك كل من يزور المنطقة يحاول اقتناء ما لذ وطلب بأثمان في متناول الجميع، وهو الشيء الذي يعد عامل جذب للسياح بالمنطقة الجبلية الغنية بالمؤهلات السياحية الطبيعية.
يقول سعيد الذي يمارس بيع منتوجات فلاحية بسيطة: ثمن البرقوق البلدي هنا لا يتعدى 8 إلى 10 دراهم، والخيار إنتاج محلي ثمنه 4 دراهم، أما اللبن البلدي فيصل ثمنه 5 دراهم لقنينة من سعة 1.5 لتر، فيما يصل ثمن الخبزة من الحجم الكبير 7 دراهم..
«الأثمان في متناول الجميع، كل من زار المنطقة نضمن له الاستمتاع والأكل الطبيعي والخدمات المميزة»، يضيف سعيد الذي رفض تصويره في بداية الأمر، قبل أن يسمح بذلك عندما استفسرنا عن موضوع الزيارة، وأكدنا له أننا في مهمة صحفية لإنجاز روبورتاج سياحي بالمنطقة، إذ لا يتعلق الأمر بأي دعاية انتخابية أو تسويق لجهة سياسية كما كان يعتقد بداية الأمر.
قبل أن نودع سعيد، الذي استحسن كثيرا فكرة الترويج للمنطقة سياحيا والتعريف بها، أكد لنا على طلبه من المسؤولين المحليين والإقليميين، الالتفات لتجهيز البنيات التحتية بالمنطقة بشكل أكثر جودة، ما سيحول الزرقاء إلى منطقة جذب سياحي بامتياز، تساهم في التنمية وتوفير فرص الشغل والاستثمار في القطاع السياحي.

أثمان جد مناسبة
لوائح الأسعار بالزرقاء مناسبة، والخدمات مميزة، بحيث لا يتعدى ثمن طاجين السمك 35 درهما يكفي لأكثر من 3 أشخاص، وطاجين الكفتة 40 درهما يكفي لأكثر من شخصين، وطاجين الخضر بالدجاج 60 درهما يكفي لأكثر من 5 أشخاص، بالإضافة إلى أن ثمن كأس شاي مميز لا يتعدى 5 دراهم، وبراد شاي من الحجم الكبير ثمنه 20 درهما يكفي لأكثر من 6 أشخاص.
هكذا خاطبنا شاب في الثلاثينات من عمره صاحب مقهى ومطعم، والنحل يحيط به من كل جانب، مؤكدا أن الأثمان هنا مناسبة ولا استغلال لوقت الذروة أو إقبال السياح، حيث يبقى ثمن كراء شقة مفروشة ليوم واحد لا يتعدى 150 درهم، ويمكن أن يكلف السائح أقل من ذلك حسب المدة المتفق حولها للكراء.
يمكن كذلك بحسب صاحب شقة مفروشة للكراء، لعائلة صغيرة تتكون من خمسة أفراد أن تقضي النهار كاملا بالزرقاء، بمبلغ مالي لا يتجاوز 200 درهم بما فيها تكاليف الغذاء والتنقل، كما يمكن أن تضاف 50 درهما لشراء منتوجات محلية طبيعية، وهو الشيء الذي يجعل من المنطقة قبلة لجميع فئات السياح.
طيلة وجودنا بمنطقة الزرقاء من أجل إنجاز الروبورتاج السياحي، لاحظنا غياب الفوضى وعدم تسجيل حالات اعتداء أو ماشابه ذلك، كما حدثنا من التقيناهم من أصحاب المحلات والمقاهي والمطاعم أن مصالح الدرك الملكي تبقى رهن الإشارة عند تسجيل شكايات أو أي نداء استغاثة، شأنها شأن السلطات المحلية والإقليمية ومصالح الوقاية المدنية.
عندما حل الظلام بالمكان، بدا واضحا أن أحدهم وضع دلاحة لتبرد بمياه واد الزرقاء، لكنه نسيها وبقيت بالمكان دون أن يلمسها أحد.
إنها دلاحة منسية يقول نادل المقهى، ستبقى في انتظار صاحبها إلى حين عودته للبحث عنها، لكن اذا تأخر كثيرا فالأكيد أنه غادر المنطقة، والواجب أن تبيت ببطون من كتب لهم تناولها، كما يشاع في المثل العامي «الماكلة لمن كتابت، وماشي شكون شراها أو طيبها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى