شوف تشوف

الرأيالرئيسية

السلاح النووي

يتساءل «فؤاد زكريا»، في كتابه «خطاب إلى العقل العربي»، عن مغزى صناعة القنابل النووية وهي سلاح لن يستخدم.. لماذا إذن صناعة هذه اللعب المميتة المكلفة؟ وينطبق هذا الكلام على إسرائيل وإيران وباكستان والهند وأمريكا. والمشكلة بين المفاعل النووي والقنبلة النووية شعرة، فبدل تزويد مدينة بالطاقة لمدة عام، يتم تفجيرها في واحد من مليون بالثانية.

مقالات ذات صلة

وصدام كان يسيل لعابه لامتلاك السلاح النووي، ولكن لو خسف الله الأرض بإسرائيل هل ستحل مشاكل العرب؟ وإسرائيل أصبحت قوة نووية منذ عام 1967م وبصناعة غربية، ولكن لماذا امتلكت 200 رأس نووي ويكفيها عشرة لدك العواصم العربية؟ هل هي لضرب ألمانيا، يوم الفزع الأكبر، انتقاما للهولوكوست؟ و«غورباتشوف» في كتابه «البيريسترويكا» أشار إلى أن عصر الغابة والهراوة غير العصر النووي، ويحتاج إلى انقلاب نوعي في التفكير.

و«مالك بن نبي» وصل إلى هذه الحقيقة أن القوة ألغت القوة وأن حل مشاكل العالم بالقوة سينتهي بدمار العالم، وهو ما يخافه «عالم الكبار»، بعد أن انتقلت اللعبة إلى أيدي الصغار. والحروب القائمة اليوم ليست بين الدول، بل تحولت إلى (الحروب الموازية)، أي الحرب على إرهاب هلامي ليس له شكل.

وحسب «فيكتور فيرنر»، في كتابه «الخوف الكبير»، فإن «طبيعة الحرب» تغيرت نوعيا مثل عالم «جوليفر» وعندما يتجول رجل عملاق بطول 200 متر وزنة 300 طن في مدينة، فهو لم يبق بشرا وكذلك الحرب لم تبق حربا. وهذا هو السر في انتهاء كل أنواع الحروب في الشمال الغربي، فهم يجتمعون في وحدة أوروبية، بعد أن خاضوا الحروب الدينية والقومية والعالمية. والغبش الذي يضبب الصورة، هو بعض الحرائق التي تشتعل هنا وهناك، سواء بين المتخلفين أو لتأديب المتخلفين، أو من يحمل عقلية التخلف مثل بوتين، بين إرتيريا والحبشة وحرب العراق أو في حرب أوكرانيا.

ولكن الشيء الأكيد أن (الكبار) الذين يمتلكون تقنية السلاح النووي في الشمال قد كفوا عن حل مشاكلهم بالقوة، لشعورهم أن القوة لا تحل المشاكل، بل تخلقها ولذا فهم يتحاورون. ونحن ما زلنا نؤمن أن السيف أصدق أنباء من الكتب. وإيران سوف تصل إلى امتلاك السلاح النووي، لو سرعت برنامجها النووي، وحسب «ديفيد ألبرايت David Albright»، وهو مراقب تفتيش سابق لأسلحة الدمار الشامل، فإن إيران قامت بتحويل 37 طنا من خام اليورانيوم إلى نوع هيكسافلوريد، وهو يكفي لصناعة خمس قنابل نووية صغيرة. ولكن بداية الرحلة سوف تنتهي كما انتهت على يد غيرها. فأمريكا بدأت الرحلة في 16 يونيو 1945 م بالقنبلة الانشطارية، وكانت قناعة رئيس المشروع العسكري «ليزلي جروفز»، أن روسيا لن تلحق بأمريكا حتى ربع قرن، ولكن الفطر النووي حلق في أعالي صحراء سيمي بالاتنسك عام 1949 م.

وكانت فكرة العالم «نيلز بور» أن السلاح النووي يجب أن لا يكون حكرا بين يدي دولة بعينها، وهو تصريح جعل تشرشل يرى فيه خائنا أعظما. ولكن ما ثبت أن رؤية الرجل كانت ثاقبة، وتسربت أسرار السلاح النووي من علماء «لوس ألاموس» أنفسهم، حرصا منهم على توازن القوى في العالم. ولم تتوقف رحلة التسابق النووي عند جيل، بل استمرت الأجيال تتوالد مثل ذرية الشيطان الرجيم فولدت القنبلة الالتحامية الهيدروجينية، ثم النترونية. وفي يوم فجر الروس قنبلة، زادت عن قنبلة هيروشيما ألف مرة. وفي يوم كان هناك أكثر من خمسين ألف رأس نووي في العالم.

وحسب شهادة «لي بتلر»، الخبير النووي الأمريكي، التي صرح بها لمجلة «المرآة» الألمانية، فإنهم كانوا يلعبون لعبة الروليت الروسية وتعجب من نجاة العالم. ونحن نعلم من  أزمة كوبا أن الغواصات الروسية كانت تحمل رؤوسا نووية، ومعها أوامر الضرب إذا ضربوا. وهو أمر اعترف به مكانمارا، بعد عشرين سنة، وكان يجهله وهو وزير دفاع، وهذا يحكي قصة عمى التاريخ.

ومن أجمل العبر في السلاح النووي وأدعاها للدهشة والتناقض أن السلام ولد من أتون الحرب؛ فقنبلة هيروشيما وناغازاكي لم تتكرر في أشد الظروف حلكة. وعندما طلب «ماك آرثر» تزويده بـ26 رأسا نوويا لإنهاء الحرب الكورية، كلفه هذا أن يستقيل، فالسلام أهم من حماقة جنرال. وهذه النهاية السعيدة أن يزحف السلام على الأرض هي حلم الأنبياء والفلاسفة منذ القدم، وبدأ يتحقق على رغم أنف العنفيين.

والعالم اليوم رجلاه في الطين ينتسب للعالم القديم في الجنوب، ورأسه في الشمال يشم رائحة الديموقراطية، ويتقدم إلى المستقبل فيصل إلى كوكب تيتان في زحل، ويحطم الزمن إلى الفيمتو ثانية، ويفك الكود الوراثي ويرسو عند الأوتار الفائقة في العالم دون الذري. ولو امتلكت إيران السلاح النووي، فهي لن تحقق أكثر ممن سبقها في هذا الطريق، كمن يذهب إلى الحج والناس راجعة منه.

خالص جلبي  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى