شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

السياسة لا تقبل الفراغ والفارغين

الافتتاحية

قال أرسطو: «الطبيعة تكره الفراغ»، وبالتبعية السياسة أيضا لا تحتمل الفراغ ولا تحتمل مغامرات الفارغين. إن أخطر ما حدث في مشهدنا السياسي هو غياب المؤسسات الوسيطة، واختفاء الأحزاب وغيبوبة الإعلام العمومي والنقابات والجمعيات والمثقفين، الذين من المفروض عليهم جميعا أن يتعاملوا مع مثل هذه الأحداث برد طبيعي وسريع، لأنها تؤسس لحالة من الشعبَويّة والعدمية ورهن المؤسسات، وكما قيل إن العقل لا يقبل الفراغ، فإذا لم نملأه بالأفكار البناءة، فسوف تملؤه الأفكار العدمية.

يجب أن نعترف بأن المشهد السياسي الذي نعيشه يشهد مؤشرات خطيرة تهدد وجود دولة المؤسسات التي نريد، وما حدث من ارتباك وتطاول في أزمة التعليم له دلالات أيضا على طبيعة المرحلة التي وصلنا لها وإلى أين نحن مُتجهون.

فقد بدا واضحا أن الساحة النقابية أصبحت في يد كائنات هجينة ليس لها رأس، فيما تحولت النقابات إلى مؤسسات مهترئة تتبع الأحداث لا تصنعها، أما الأحزاب السياسية والبرلمان فقد تحولوا إلى متفرج في حلبة لتكسير العظام، في حين ظل الإعلام العمومي مثل الشيطان الساكت عن الحق.

لقد عرت أزمة التعليم عن الكثير من أوراق التوت التي تغطي المؤسسات الوسيطة، وأظهرت بالملموس أنه لا يمكن التعويل عليها عندما تواجه الدولة أزمة خانقة، لذا فإذا لم تقم تلك المؤسسات بتحديث وتجديد بناها وأدوارها، فإن غيرها سيملؤه وفقا لمصالح وأجنداته المكشوفة والمخفية، فالجميع يتحملون مسؤولية الفراغ القاتل الذي نعيشه سياسيا وإعلاميا ونقابيا، والجميع في قاعة انتظار كبرى ينتظرون التطورات التي يمكن أن تنزل عليهم من السماء، بينما هم فقدوا الحفاظ على دورهم ومسببات وجودهم.

إننا نطلق النار على مؤسساتنا بأيدينا، وهناك مستفيدون من تسييد وضعية الفراغ، لتكون القوة للأقوى بالشارع والفئات وليس للمؤسسات، وهذا المنطق إذا استمر دون مواجهة، لا محالة سيوصلنا إلى شريعة الغاب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى