شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

السيدة الصامتة..

يونس جنوحي

نرجو فعلا أن يكون المسؤولون في تارودانت، على علم بحالة سيدة اسمها «فضمة أمغروص». إذا كانوا يعلمون تفاصيل ملفها، فهذه مصيبة، وإن كانوا لا يعلمون أي شيء فهذه مصيبة أكبر.

قصة هذه السيدة، تستحق أن تُصور في فيلم وثائقي، وقد يصل الفيلم بسهولة إلى منصات التتويج في كبريات المهرجانات التي توثق للقصص الإنسانية. فقد عاشت هذه السيدة منذ الثامن من شتنبر الماضي -الليلة المشؤومة التي ضرب فيها زلزال الحوز وتارودانت وهزّ المغرب بأكمله- مغامرة خرجت منها سالمة، لكن بأضرار سوف تلازمها ما تبقى من عمرها بدون شك.

هذه السيدة التي وُلدت في منطقة تافينگولت، وهي بلدة تنام ملاصقة مع جبل «تيزي نتاست»، الأكثر تضررا من الزلزال، وتقيم في نفس الجماعة التي يقع فيها الجبل في دوار يحمل اسم «تركنيت».

في الليلة التي وقع فيها الزلزال، فقدت زوجها وأمها وابنتها، وبقيت عالقة تحت الركام لتُنقذ في الأخير وينقلها الأهالي على ظهر حمار إلى قارعة الطريق تمهيدا لنقلها إلى مستشفى المختار السوسي – مع الاعتذار طبعا لهذا العالِم الجليل، لأن اسمه يقترن بمستشفى يعيش حالة مُتردية- وهنا بدأت قصتها مع المعاناة التي استمرت طيلة الأشهر الثلاثة التي قضتها في الاستشفاء، فقد علمت بخبر وفاة أسرتها ولم يتبق لها على قيد الحياة سوى طفل وحيد في مقتبل العمر لا يزال في حاجة إلى أمه، وعانت من كسر خطير على مستوى الحوض، زادت من حدته الطريقة الارتجالية التي نُقلت بها من تحت الركام إلى سرير المستشفى.

المثير في قصة هذه السيدة، أنها ومنذ وقوع الزلزال، لم تر ركام بيتها ولا الدوار المهدم إلا هذه الأيام، بحكم أن إصابتها كانت تمنعها من الحركة. وهي اليوم تحمل إعاقة دائمة، بحكم أن الكسر الذي أصيبت به على مستوى الحوض، وتأخر استخراجها من تحت الركام، جعلاها في حاجة إلى استعمال عكاز مساعد على المشي.

الحسين اليوسفي، رئيس المكتب التنفيذي للائتلاف الجمعوي لتارودانت، وهو من الفاعلين الذين يتحركون بخفة منذ وقوع الزلزال، بدون خلفية سياسية ولا حزبية، في إطار الائتلاف الجمعوي بتارودانت، هو الذي نقل لي قصة هذه السيدة، بكثير من التأثر، إذ إنه رافقها في رحلتها الأولى بعد مغادرتها المستشفى، وشاهد كيف أن زلزالا آخر أصابها داخليا وهي تتفقد ركام بيتها لأول مرة، بعد أن فقدت تحته كل أفراد أسرتها، ولم يتبق لها إلا ابن وحيد يعاني من آثار الصدمة إلى اليوم.

ولنترك الكلمة هنا لـ«سي الحسين»، يحكي اللحظة الفارقة كما عاشها: «في ذلك اليوم الذي رافقتها فيه لكي تتفقد مكان منزل أسرتها، الغارق تحت الركام، بعد مضي حوالي ثلاثة أشهر ونصف الشهر على الزلزال، لم تتمالك نفسها وانهارت بالبكاء، لأنها تعرفت على ما تبقى من ملابس زوجها وأمها، لكن اكتشافها لنعل بلاستيكي أسود، كانت تلبسه ابنتها الصغيرة قيد حياتها، جعلها تنهار من شدة البكاء إلى أن فقدت الوعي، وأبكت معها بقية الحاضرين».

القصة لم تنته هنا، فالصادم أن هذه السيدة رغم كل ما عاشته وما عانته، ورغم الإعاقة الدائمة التي صارت تحملها معها، بسبب الكسر على مستوى الحوض وحاجتها في المستقبل إلى ارتداء حذاء خاص يمكنها من السير بألم أقل، فإنها تعيش زلزالا آخر أشد من زلزال الطبيعة، بسبب عدم توصلها بأي رد بخصوص ملفها لطلب الدعم. «فضمة»، الأمازيغية الطيبة والأصيلة والصامتة، لم تتوصل بأي رد بخصوص طلب الدعم، رغم أنها من الفئات الأكثر تضررا، رغم أنها قدمت مُلتمسا في نونبر الماضي، تشرح فيه ظروف عدم تسجيلها بحكم وجودها في المستشفى، وملأت الاستمارة الخاصة بهذا الغرض، والتي نتوفر على نُسخ منها، واحترمت كل المساطر الإدارية، ورغم أن ابنها من مكفولي الأمة، بقوة القانون، إلا أنها إلى الآن لم تحصل على أي شيء، ولم يعالج ملفها إلى الآن! ليس لها من يُعيلها ولا تملك حتى مكانا للمبيت، وأقصى أحلامها الآن أن تحصل على خيمة في العراء، رغم أن الائتلاف الجمعوي يوفر إمكانية كراء بعض المنازل لضحايا من هذا النوع. إلا أن دراسة ملفها تبقى حاجة مُلحة.

عندما ترى النظرة الصامتة لعيني هذه السيدة في صورة البطاقة الوطنية، تظن ربما أنها كانت تعرف بأمر الزلزال مُسبقا. نظرة تصرخ صمتا.. ذلك الصمت الذي يخلف طنينا مزعجا في الأذن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى