شوف تشوف

شوف تشوف

الشعب المخدوع 2.1

 

 

من أطرف، أو بالأحرى من أسخف ما قرأت مؤخرا ما قاله البرلماني عبد العالي حامي الدين من أن إعفاء بنكيران أثر على الحزب وعلى عموم المواطنين.

“زعما المغاربة بقا فيهم بنكيران مسكين، داك الشي علاش خرجو في كل المدن يطالبون بعودته المظفرة”.

أن يقول حامي الدين إن إعفاء بنكيران أثر على حزبهم فهذا صحيح، فقد تسبب الإعفاء في إسقاط الأقنعة ونزع صوف الحملان عن إخوان بنكيران فبدوا أمامه وأمان الشعب المخدوع في كامل خبثهم وانتهازيتهم ووصوليتهم وجشعهم.

وهذا لم يكن أمرا مفاجئا بالنسبة لنا، فنحن منذ ست سنوات ونحن ننبه إلى أن هؤلاء المتلحفين بثياب الوقار والعفة ليسوا سوى ذئاب ملتحية تنتظر أول فرصة لمغادرة طبقة المزاليط والالتحاق بطبقة المرفهين.

وقد تحقق لهم ما أرادوا، وها هو الشعب المخدوع يشاهدهم يركبون وينزلون من أفخم السيارات ويلبسون آخر التقليعات ويسكنون في الفلل والمنتجعات.

أما أن يقول حامي الدين إن إعفاء بنكيران أثر على عموم المواطنين فهذا هو الكذب بعينه.

ولو أن بنكيران حقق لعموم المواطنين الحد الأدنى من الخدمات العمومية خلال ولايته لذكره الناس بالخير وتأسفوا على زمانه وتمنوا عودته، لكن الرجل قضى خمس سنوات في الحكومة لم يترك خدمة عمومية في الصحة والتعليم إلا وقضى عليها، حتى أصبح في عهده كل شيء قطاعا خاصا لا خدمة عمومية فيه.

أما إذا كان حامي الدين يقصد أن عموم المواطنين افتقدوا في بنكيران الخطيب المفوّه والبهلوان المضحك الذي كان يرفه عنهم كل أسبوع في البرلمان ومنصات الخطابة فليسمح لنا السيد حامي الدين أن نقول له إن “الهضرة ما تشري خضرة”، وأن عموم المواطنين محتاجون لوظيفة لأبنائهم العاطلين وسرير لمرضاهم وحجرة درس لأبنائهم، أما النكت الحامضة والشعارات البراقة “غي زيدوها فيكم”.

ومن النتائج المنطقية لخمس سنوات من التسيير وستة أشهر من البلوكاج أننا أنهينا سنة 2017 على إيقاع الخيبات الاجتماعية المتفاقمة، فما كادت أزمة التهميش بالحسيمة تهدأ حتى اندلعت أزمة المياه بزاكورة وبعدها اندلعت أزمة الفحم بجرادة، وفي ظل الحزب الذي يقود هذه الحكومة يمكننا أن نتوقع لا قدر الله ما هو أسوأ. لأننا أمام حكومة أضحى استمرارها يشكل خطرا في حد ذاته، لأنها ببساطة تجازف بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للمغاربة.

فالقاسم المشترك بين مختلف المناطق التي شهدت احتجاجات اجتماعية هو فشل النموذج التنموي للجهات، هذا إذا أمكننا الحديث عن وجود نموذج تنموي أصلا، وأيضا فشل كل البرامج الحكومية، وهذا الفشل خلق ظروفا مناسبة لاندلاع الاحتجاجات.

والخطير هنا هو السلبية الكبيرة التي تتعامل بها الحكومة، بل والتهوين من خطورة هذه الاحتجاجات، والسؤال الذي تتجاهله الحكومة والدولة هو ألم يكن إطفاء الاحتجاجات التي حدثت في 2017 أكثر كلفة ماليا واجتماعيا من تكاليف التنمية ؟

فما حدث مثلا بخصوص منارة المتوسط في الحسيمة هو أن ميزانية المشروع كانت متوفرة، وتقسيم الأدوار والمهام بين مختلف القطاعات تم بشكل دقيق، لكن التهاون واللامبالاة أدت إلى عدم انطلاق المشروع وبالتالي تم دفع تكاليف إضافية باهظة لاحتواء الاحتجاجات الناجمة عن ذلك.

والأمر ذاته يحدث في جرادة، فعندما خرج السكان هناك للاحتجاج فلأن هناك مشروعا تنمويا تم تدشينه في 2008 لكن دون أن يتم تفعيله، لذلك يحتج المواطنون على واقع الفقر الذي تعرفه مدينة مهمشة حكوميا وجهويا، وهو تهميش دفع المئات من الشباب إلى امتهان استخراج الفحم الحجري من آبار خطيرة أودت بحياة كثيرين منهم.

المثير للشفقة حقيقة هنا، هو أن رئيس الحكومة فضل التعامل بالسلبية ذاتها التي تعامل بها بنكيران مع ملف الحسيمة، فبدل أن ينتقل شخصيا إلى هناك للتواصل المباشر مع المواطنين، والإنصات إلى مطالبهم والحل الميداني لمشاكلهم، اكتفى بالقول إنه مستعد للقاء برلمانيي الجهة، والكارثة أنه اكتفى بلقاء برلمانيي حزبه في الجهة دون بقية البرلمانيين، مع أنه لو كان الحل بيد هؤلاء لما وصل الوضع إلى هذا المستوى من الاحتقان.

لذلك ودعنا 2017 على إيقاع فشل السياسات الحكومية، خاصة في المجال الاجتماعي، واستقبلنا سنة أخرى ستسمح هي أيضا باتساع مجال الاحتجاجات لتشمل مناطق لا تقل تهميشا عما رأيناه هذه السنة، ومؤشرات ذلك واضحة، إذ إن تداعيات الجفاف وما يواكبها من ارتفاع في أسعار المواد الأساسية وأيضا تقلص فرص الشغل ستكون نتائجها الاجتماعية مباشرة. فالعثماني الذي يمني النفس بأن يخط لنفسه نموذجا خاصا في تدبير القطاعات العامة، لم ينتبه حتى الآن إلى أنه يسير على طريق سلفه بنكيران، فالأول نصب نفسه علانية كأكبر عدو للفئات الشعبية، وكان مرارا من أشد المفتخرين بذلك، وها هو العثماني يسير على الطريق نفسه، حيث لم يتبق له إلا أن يفرض ضريبة على الهواء الملوث الذي نستنشقه، فقد فرض زيادة في رخص البناء بنسبة 800 في المائة، حيث انتقلت من ألف درهم إلى ثمانية آلاف درهم، وتم الرفع من رسوم رخص السياقة من ألفين درهم إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم، وفرض 25 درهما على العابرين في الطريق الذين لا يسيرون في ممرات الراجلين، دون أن يوفر الطرق المناسبة التي تستحق أن يتم العبور منها أو أن تسبق ذلك حملة تحسيسية، وتم رفع رسوم جواز السفر من 300 درهم إلى خمسمائة، دون أن ننسى هنا الارتفاع الكبير في أثمنة المواد الغذائية.

يضاف إلى هذا كله البدء في فرض غرامات على المدخنين في الأماكن العامة، بالرغم من أن تلوث الهواء هو آخر ما يهم هذه الحكومة، بدليل الاختناق الذي يتعرض له مواطنو القنيطرة يوميا بسبب غبار أسود لا أحد يعرف مصدره، وإنما لامتصاص المال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى