شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

 الطهطاوي.. أزهري في رحاب باريس

يُعتبر رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) أحد رواد التنوير والتقدم ورموز الإصلاح في العالم العربي والإسلامي. وقد كان لإسهاماته الأساسية في مجال التعليم والترجمة والدعوة إلى الأخذ بأسباب التقدم والتمدن في كل المجالات التربوية والتعليمية والسياسية والعلمية… دور كبير في تشكيل نهضة مصر الحديثة وتأثيرها الشامل في كل البلدان العربية.

مقالات ذات صلة

كتاب رفاعة الطهطاوي “تخليص الإبريز في تلخيص باريس” ورحلته أتت في سياق تاريخي خاص حيث أقدم محمد علي باشا على إرسال بعثة تعليمية إلى فرنسا للنهوض بمصر على كافة المستويات العلمية والإدارية والعسكرية… تم على إثرها اختيار رفاعة الطهطاوي كعالم أزهري بترشيح من الشيخ حسن العطار لمرافقة الطلبة المصريين المبعوثين إلى فرنسا، وأن يكون مشرفا على هذه البعثة التعليمية المصرية ورعاية هؤلاء الطلبة. كتب الطهطاوي رحلته تحت طلب شيخه وبتشجيع من مدير البعثة الفرنسي الذي نصحه بتعلم اللغة الفرنسية وتدوينها في كتاب،

يقول رفاعة بصدد ذلك: “… سهل لي الدخول في خدمة صاحب السعادة أولا في وظيفة واعظ في العساكر الجهادية، ثم منها إلى رتبة مبعوث إلى باريس صحبة الأفندية المبعوثين، لتعلم العلوم والفنون الموجودة بهذه المدينة البهية. فلما رسم اسمي في جملة المسافرين، وعزمتُ على التوجه أشار على بعض الأقارب والمحبين، لا سيما شيخنا العطار. فإنه مولع بسماع عجائب الأخبار، والإطلاع على غرائب الآثار، أن أنبه على ما يقع في هذه السفرة، وعلى ما أراه وما أصادفه من الأمور الغريبة، والأشياء العجيبة، وأن أقيده ليكون نافعا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع، التي يُقال فيها، إنها عرائس الأقطار، وليبقى دليلا يُهتدى به إلى السفر إليها طلاب الأسفار”.وبالفعل أخذ الطهطاوي بنصيحته، وألف هذا الكتاب الذي قضى في تأليفه تدوينًا وترجمةً خمس سنوات. يوضح ما كانت عليه أحوال العلوم التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية في كل من مصر وفرنسا في هذه الفترة التاريخية المهمة.

 

طبائع وخصال الفرنسيين

يتناول رفاعة الطهطاوي عدة موضوعات في كتابه من المؤسسات السياسية والإدارية والتعليمية إلى النظام الصحي والتعليمي والإداري والأمني إلى حد ترجمة بنود الدستور الفرنسي و الوصفات الطبية الخاصة بالأمراض إلى اللغة العربية، إضافة إلى الطباع والخصال التي تميز الشعب الفرنسي وخاصة الباريزيين، حيث يقول: “… اعلم أن الباريزيين يختصون من بين كثير من النصارى بذكاء العقل، ودقة الفهم وغوص ذهنهم في الغويصات… وليسوا أسراء التقليد أصلا، بل يحبون دائما معرفة أصل الشيء والاستدلال عليه، حتى إن عامتهم أيضا يعرفون القراءة والكتابة، ويدخلون مع غيرهم في الأمور العميقة، كل إنسان على قدر حاله، فليست العوام بهذه البلاد من قبيل الأنعام كعوام أكثر البلاد المتبربرة. وسائر العلوم والفنون والصنائع مدونة في الكتب حتى الصنائع الدنيئة، فيحتاج الصنائعي بالضرورة إلى معرفة القراءة والكتابة لإتقان صنعته، وكل صاحب فن من الفنون يحب أن يبتدع في فنه شيئا لم يسبق به، أو يكمل ما ابتدعه غيره. ومما يعنيهم على ذلك زيادة عن الكسب حب الرياء والسمعة ودوام الذكر”.

وقف الطهطاوي بحكم المعاشرة وطول إقامته في فرنسا أن يتناول مزاج وثوابت الشخصية الفرنسية التي تميزها عن الشعوب الاوروبية الأخرى، قائلا: “… ومن طباعهم المهارة والخفة، فإن صاحب المقام قد نجده يجري في السكة (أي الطريق) كالصغير، ومن طباعهم أيضا الطيش والتلون، فينتقل الإنسان منهم الفرح إلى الحزن وبالعكس، ومن الجد إلى الهزل وبالعكس، حتى إن الإنسان قد يرتكب في يوم واحد جملة أمور متضادة، وهذا كله في الامور غير المعتادة، وأما في الأمور المهمة، فآراؤهم في السياسات لا تتغير، كل واحد يدوم على مذهبه ورأيه، ويؤيده مدة عمره، ومع كثرة ميلهم إلى أوطانهم يحبون الأسفار، فقد يمكثون السنين العديدة والمدة المديدة. طوافين بين المشرق والمغرب، حتى إنهم قد يلقون أنفسهم في المهالك، لمصلحة تعود على أوطانهم يحبون السفر، فقد يمكثون السنين العديدة والمدة المديدة، طوافين بين المشرق والمغرب، حتى إنهم قد يلقون أنفسهم في المهالك، لمصلحة تعود على أوطانهم”.

 

التوفير والتدبير

كان للجانب الاقتصادي أهمية كبيرة في كتاب رفاعة الطهطاوي حيث أبرز أهمية التوفير وحسن التدبير التي تميز سلوك الفرنسيين بصفة عامة والمسؤولين بصفة خاصة موضحا ذلك بقوله: “… ومن جملة أسباب غنى الفرنسيين أنهم يعرفون التوفير، وتدبير المصاريف، حتى إنهم دونوه، وجعلوه علما متفرعا عن تدبير الأمور الملكية، ولهم فيه حيل عظيمة على تحصيل الغنى، فمن ذلك تعلقهم بالأشياء المقتضية للمصاريف. فإن الوزير مثلا ليس له أزيد من نحو خمسة عشر خادما، وإذا مشى في الطريق لا تعرفه من غيره، فإنه يقلل اتباعه ما أمكنه داخل داره وخارجها، وقد سمعتُ أن قريب ملك الفرنسيس المسمى الدوق “درايان” وهو الآن السلطان الذي هو أعظم الفرنسيس مقاما، وأكثرهم غنى، له من الأتباع وسائر من طرفه من العساكر ونحوها كالبستانجية (يقصد البستانيين) والخدم وغير ذلك نحو اربعمائة نفس لا غير، والفرنسيون يستكثرون ذلك عليه. فانظر الفرق بين باريس ومصر، حيث إن العسكري بمصر له عدة خدم”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى