شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الفرنسية لا تزال تحكم.. وإن غاب الجنرال

 

 

نعيمة لحروري

 

 

في مغرب اليوم، لا تزال اللغة الفرنسية تحضر بثقلها في كثير من الفضاءات الرسمية: في الندوات، الأيام الدراسية، المؤتمرات، وحتى اللقاءات التي تنظَّم حول قضايا وطنية خالصة، يُفاجأ المتابع بأن اللغة المستعملة ليست العربية ولا الأمازيغية، بل الفرنسية، وكأن هذه الأرض استعارة مؤقتة من زمن الحماية.

وزراء ومسؤولون ومديرو مؤسسات عمومية، حين يصعدون المنصة، يختار كثير منهم أن يلبس خطابه عباءة غير تلك التي يرتديها الوطن. لا حديث بالعربية، ولا ترجمة للأمازيغية. فقط لغة تُفرض كأمر واقع، بغض النظر عن جمهور القاعة، أو طبيعة المناسبة، أو رمزية المكان.

لسنا ضد اللغة الفرنسية. بل على العكس، نؤمن أن تعلّم اللغات والانفتاح على العالم ضرورة حضارية، وأن في التعدد اللغوي قوة لا ضعفا. لكن حين تتحوّل الفرنسية من أداة تواصل إلى لغة سلطة، من وسيلة انفتاح إلى شرط وجود، فإن الأمر لم يعد بريئا، بل يمسّ جوهر السيادة الثقافية والرمزية للدولة.

لغتنا ليست مجرد وسيلة للتفاهم، بل هي هوية، ذاكرة، ونَفَس جماعي. حين يتحدث مسؤول مغربي، داخل مؤسسة مغربية، في موضوع يهم المغاربة، بلغة غير لغتهم، فهو يُقصي دون أن يدري، يهمّش دون أن يعلن، ويُعطي الأفضلية لغير المواطن في فضائه الطبيعي.

ثم ما موقف المواطن الذي لا يتقن الفرنسية؟ كيف له أن يتابع أو يشارك أو يناقش؟ هل يُشترط عليه أن يتعلّم لغة لمجرد أن يُسمح له بفهم ما يُقال عن قضايا بلده؟ لماذا لا تُوفر الترجمة الفورية إذا حضر ضيوف أجانب؟ أليس من البديهي أن تكون لغة الوطن هي الأصل، وغيرها هو الاستثناء؟

الأخطر أن هذا السلوك لا يأتي من جهل بل من قناعة داخلية ترى في اللغة الفرنسية “لغة راقية” و”لغة سلطة”، بينما تُختزل العربية في التعليم والدين، وتُهمَّش الأمازيغية بدعوى صعوبات التوحيد والتقنين.

هذا التصور الاستعماري الناعم، الذي يجعل الفرنسية رمزا للحداثة والعربية عبئا، هو ما يجب أن نواجهه. لا بفرض الأحادية، بل بتصحيح الميزان. بلغتنا نكتب الدستور، وبلساننا نُغني ترابنا، وبكلماتنا نبني المعنى.

الفرنسية ليست عدوا، ولكنها ليست الأصل. الأصل أن تكون للغة البلد الأولوية في كل ما ينظَّم على أرضه، خصوصا حين تكون الجهة المنظمة مؤسسة عمومية أو وزارة تمثل السيادة.

احترام اللغة الرسمية ليس مسألة تعصّب، بل مسألة كرامة وسيادة. وحين تفقد اللغة موقعها في خطاب السلطة، تفقد السلطة جزءا من شرعيتها الرمزية.

إننا بحاجة إلى ثورة هادئة.. تبدأ من المنصات والميكروفونات، من لغة الخطاب، من الاعتراف الصريح بأن التقدم لا يعني نسيان الأصل، ولا يعني استيراد صوت لا يشبه وجداننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى