الموجة الثالثة
مروان قبلان
بينما تستعد دول عديدة لمواجهة موجة ثانية من وباء كورونا، يرجح أن تضرب خريف هذا العام، يتوقع أن تدفع التداعيات الاقتصادية للوباء في المنطقة العربية باتجاه موجة ثالثة من الانتفاضات التي بدأت عام 2011، وشملت في ذلك الوقت ست دول عربية، تفاوتت نتائجها في ثلاث (تونس، مصر والبحرين)، فيما تحولت في ثلاث دول أخرى (سوريا، اليمن وليبيا) إلى حروب وصراعات مدمرة. انطلقت الموجة العربية الثانية العام الماضي، وشملت الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وما زالت تفاعلاتها مستمرة، بفعل الاستعصاء السياسي والانقسام الهوياتي القائم في العراق ولبنان، وعسر الانتقال في التجربتين الجزائرية والسودانية. سوف تأتي الموجة الثالثة المنتظرة بفعل التداعيات التي أنتجتها الجائحة، ويتوقع أن تشمل عددا أكبر من دول المنطقة، بما فيها بعض بلدان الموجتين، الأولى والثانية.
لا يقع هذا الاستنتاج في خانة التوقع والتنبؤ، والسؤال بشأنه لم يعد عما إذا كان الانفجار سيحصل؟ بل متى يحصل؟ فالتقرير الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن تبعات انتشار فيروس كورونا وآثاره على المنطقة العربية جاء قاتما، بطريقة لا تترك مجالا للشك بشأن ماهية المستقبل الذي ينتظر المنطقة العربية، إذا لم يتم فعل شيء لتغييره.
توقع التقرير (27 صفحة) أن ينكمش اقتصاد المنطقة بنسبة 5.7 في المائة، وقد يصل إلى 13 في المائة، في الدول التي تشهد صراعات. كما قدر أن عدد الفقراء في العالم العربي سيرتفع بمقدار 14.3 مليون شخص، ليصبح إجمالي عددهم أكثر من 115 مليونا، أي ربع سكان الدول العربية تقريبا، كان جزء منهم، حتى وقت قريب، ينتمي إلى الطبقة الوسطى التي تعد المحرك الرئيس للتنمية. وتوقع التقرير أيضا أن تشهد المنطقة العربية نقصا في الغذاء، وارتفاعا حادا في أسعاره، خصوصا وأن أغلب دولها تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية. ورجح التقرير خسارة أكثر من 17 مليون وظيفة خلال العام الحالي، في وقت سجلت المنطقة حوالي 14.3 مليون عاطل عن العمل قبل بدء انتشار الفيروس، أكثرهم من الشباب. وقدر التقرير أن هناك 55 مليون شخص في العالم العربي يحتاجون إلى شكل من المساعدات الإنسانية، بمن فيهم 26 مليون شخص نزحوا قسرا بسبب الصراعات والحروب. ويزيد الصورة قتامة أن معدلات التفاوت في الثروات في المنطقة العربية تعد الأعلى عالميا، حيث يمتلك 31 مليارديرا عربيا، بحسب معطيات عام 2020، ثروة تعادل ما يمتلكه النصف الأدنى من السكان في المنطقة.
نحن نقف، إذا، بحسب التقرير، أمام ثورة جياع، وهذا ما يجعل الموجة المقبلة مختلفة عما سبقها، وأشد خطورة. خلال الموجتين، الأولى والثانية، كانت الطبقات الوسطى القوة الدافعة للتغيير، والمحرك الرئيس للانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية، وكانت تسعى وراء قيم عليا مثل: الحرية والكرامة والمساواة والمشاركة. لذلك جاءت الانتفاضات، في غالبها الأعم، مدنية سلمية. أما وقد تقلصت هذه الطبقة، حتى كادت تختفي بفعل الفشل الحكومي والفساد وسوء الإدارة، ثم جاءت جائحة كورونا، فقد أصبحنا أمام انتفاضات محركاتها ودوافعها مختلفة. نحن هنا أمام طبقات أكثر فقرا، دافعها الرئيس هو البقاء، المتمثل بلقمة العيش. وهذا يعني أيضا أننا أمام احتمال أكبر لاستخدام العنف، لأن الإنسان عندما يصبح مهددا في بقائه سوف يلجأ، على الأرجح، إلى كل ما يحفظه له. وعليه، إذا انفجرت الأوضاع، هذه المرة، لن نرى على الأرجح انتفاضات سلمية، بل ثورات عنيفة، لن يجدي معها القمع، ما يجعلنا أقرب إلى سيناريو الفوضى. هل هناك طريق غير عنيف للحرية والحداثة والتنمية؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها جديرة بالمحاولة.