النعمان اليعلاوي
أثار قرار الرفع من رسوم التسجيل الجامعي الخاصة بالطلبة الموظفين بمختلف الجامعات العمومية موجة واسعة من الانتقادات الموجهة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف الميداوي، بعدما تم تحديد مبالغ مالية جديدة تتراوح بين 6 آلاف و17 ألف درهم، حسب السلك الجامعي، في خطوة اعتبرها عدد من البرلمانيين والفاعلين في الحقل التربوي إجراء مجحفا ومخالفا لمبدأ مجانية التعليم العمومي.
وبرزت هذه الانتقادات، عقب تداول وثائق داخلية ببعض الجامعات، تشير إلى إلزام الطلبة الموظفين بأداء رسوم مالية مرتفعة، من أجل متابعة دراستهم في أسلاك الإجازة المهنية أو الماستر أو الدكتوراه، وهو ما أثار موجة استياء واسعة في صفوف هذه الفئة التي تعتبر أن القرار يقوض حقها في تطوير كفاءاتها العلمية والمهنية.
وفي هذا السياق، وجهت نائبة برلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي سؤالا كتابيا إلى الوزير الميداوي، استنكرت فيه ما وصفته بـ«التوجه الخطير نحو تحويل الجامعة العمومية إلى فضاء تجاري»، مؤكدة أن التعليم العمومي يجب أن يظل حقا مكفولا دستوريا لجميع المواطنين دون تمييز. وقالت النائبة البرلمانية إن «فرض رسوم بهذه القيمة يضرب مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الولوج إلى التعليم العالي، ويحد من قدرة فئات واسعة من الموظفين والأجراء على متابعة دراستهم، خصوصا من ذوي الدخل المحدود».
وأضافت النائبة أن الخطوة التي أقدمت عليها الوزارة تثير تساؤلات قانونية عميقة حول مدى مشروعيتها، خاصة في غياب أي نص تنظيمي، أو مرجعية قانونية تحدد طبيعة هذه الأداءات أو تؤطرها بشكل واضح، مشيرة إلى أن الدستور المغربي ينص صراحة على ضمان مجانية التعليم العمومي في جميع مراحله الأساسية والعليا.
وحذّرت النائبة البرلمانية من أن «موظفا يتقاضى الحد الأدنى للأجر، أي حوالي 3200 درهم شهريا، سيجد نفسه مطالبا بأداء أكثر من ربع دخله السنوي، من أجل التسجيل فقط»، معتبرة أن ذلك يشكل إجحافا اجتماعيا صارخا و«مساسا بمبدأ العدالة الاجتماعية»، داعية الحكومة إلى التراجع الفوري عن القرار، وفتح حوار وطني حول تمويل التعليم العالي بما يضمن العدالة والإنصاف، دون المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين.
من جهة أخرى، عبر عدد من النقابيين والطلبة الموظفين عن استيائهم العميق من القرار، معتبرين أنه «يكرس منطق الإقصاء الطبقي داخل الجامعة المغربية»، ويُظهر «غياب رؤية اجتماعية لدى وزارة التعليم العالي»، في وقت يفترض أن تسعى فيه الحكومة إلى تشجيع التعلم مدى الحياة، وتوسيع آفاق التكوين للموارد البشرية العاملة في القطاعين العام والخاص. ورأى فاعلون جامعيون أن القرار يعكس تحولا مقلقا في فلسفة التعليم العمومي، إذ يتم الانتقال من منطق الخدمة العمومية إلى منطق السوق والربح، ما من شأنه أن يعمق الفوارق الاجتماعية، ويحد من فرص الترقي المهني والمعرفي أمام الموظفين الراغبين في تطوير مسارهم الأكاديمي.
في المقابل، لم يصدر عن وزارة التعليم العالي إلى حدود الساعة أي توضيح رسمي، بشأن خلفيات القرار أو مبرراته، غير أن مصادر أكاديمية قريبة من الوزارة تشير إلى أن الغاية من فرض هذه الرسوم، هي «تحسين الخدمات الجامعية، وتدبير التكاليف المتزايدة لبرامج التكوين»، وهو التبرير الذي اعتبره المنتقدون «غير مقنع»، ما لم يواكبه تصور شامل لإصلاح المنظومة التعليمية، يضمن المجانية والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع فئات المجتمع.





