خاص

انفجار المكتب المسير لمجلس أكادير ورباح يفشل في لم شمل الإخوة الأعداء بالعدالة والتنمية

أكادير: محمد سليماني
لم يكن المكتب المسير لجماعة أكادير سمنا على عسل منذ بداية تشكيله بعيد انتخابات 2015، فالأغلبية المسيرة والمنتمية بالكامل إلى حزب العدالة والتنمية، ستعرف هزات واضطرابات منذ السنة الأولى للعمل، غير أنه كانت تتم السيطرة عليها وتجاوزها ليس عبر حلها، وإنما عبر تركها. إلا أن ذلك «الود» لم يستطع أن يصمد متخفيا، بل تفجر الخلاف وتحول إلى واد جارف، أنهى «سنوات العسل المر» بين الإخوان بمجلس جماعة أكادير، بعدما وضعت كل من النائبة خولة أجنان والنائب عمر الشفدي استقالتيهما من العضوية بمجلس الجماعة، احتجاجا على «تعنت وعجرفة» الرئيس، الذي فشل في تدبير خلافاته مع إخوانه، فكيف له أن ينجح في تدبير مدينة من حجم أكادير؟
مع دخول صيف 2018، ازدادت حرارة مجلس جماعة أكادير سخونة، وبلغ الخلاف والاختلاف مداه ما بين بعض الأعضاء ورئيس الجماعة المالوكي صالح، الذي لم يعد «صالحا» في عيون زملائه. خلاف دفع المستشار الجماعي والمهندس المعماري سعيد ليمان، إلى النزول من سفينة الفريق الأغلبي، بعد ثلاث سنوات. نزل ليمان بعدما افتقد أمان العمل الجماعي، حيث قدم استقالته صيف 2018، استقالة وجدها المالوكي فرصة من ذهب، من رجل «مزعج» في نظره، حيث وقع على الموافقة على الاستقالة في يوم توصله بها، وطلب من موظفي الجماعة إرسالها في اليوم الموالي إلى عمالة أكادير لدخولها حيز النفاذ.
وكشف المستشار الجماعي سعيد ليمان عن أن دوافع تقديمه لاستقالته من عضوية المجلس الجماعي لأكادير، مرتبطة بـ«خروقات واختلالات» التدبير والتسيير التي سقطت فيها الأغلبية المسيرة المنتمية إلى «البيجيدي». وأوضح المستشار المستقيل، في رسالة مطولة نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، أن حزب العدالة والتنمية، رغم أنه يسير المدينة لوحده بالأغلبية المطلقة، فإنه شبهه بفريق كرة القدم، «فريق تائه، ليس لديه مدرب ولا حارس، مما أنتج مكتبا مرتبكا يرأسه رئيس غائب عقلا وجسدا». وكشف ليمان أن حزب العدالة والتنمية منقسم إلى فريقين، الأول يضم بعض نواب الرئيس والمقربين منه المستفيدين من الامتيازات، على حساب الفريق الثاني الذي يتكون من بعض منتخبي الحزب بالجماعة. «هناك فريق آخر يلعب بأقمصة فريقنا، وهو فريق لا مدرب له، ولكن له خطة أبانت عن نجاعتها خلال هذه السنوات الثلاث، وأكد بأنه هو الحاضر داخل رقعة الملعب، بينما فريقنا ما هو إلا مجرد مجموعة بدلاء، دورهم هو حراسة مستودع الملابس وجلب الكرات الضائعة».
ووجه المستشار المستقيل سيلا من الانتقادات إلى رئيس المجلس الجماعي، إذ وصفه «بأنه ضعيف ودائم الغياب قد تخلى عن التدريب وكلف لاعبيه الأساسيين باللعب كل حسب خطته الشخصية، لكن ذلك خيب ظن الساكنة، بل إن الرئيس يهين مستشاريه ويسيء مخاطبتهم، كما فعل مع إحدى المستشارات التي خاطبها بـ «يا صاحبة الذنوب».

جدار الجماعة يسقط على المالوكي
استفاق سكان مدينة أكادير ذات صباح من شهر دجنبر الماضي على وقع «جريمة» عمرانية استهدفت إحدى معالم المدينة العمرانية، ألا وهي بناية الجماعة نفسها. فالمكتب المسير قام بهدم واجهة المبنى، من أجل إحداث أبواب ونوافذ، إلا أن ذلك لم يمر بردا وسلاما على رئيس الجماعة وأعضاء مكتبه المقربين، بعدما تعالت صيحات الفاعلين والنشطاء بالمدينة ضد هذا الاعتداء على التراث العمراني والتاريخي. غير أن الضربة القاضية التي لم يستطع المالوكي والمقربون منه ابتلاعها، هي قيام النائب المفوض في التعمير عمر الشفدي بمراسلة الرئيس، يطالبه بإيقاف أشغال الهدم والبناء في مقر الجماعة، وإعادة الأمور إلى حالتها السابقة. وأشارت الرسالة ذات الرقم 24467 بتاريخ 24 دجنبر الماضي، إلى أن «أشغال الهدم التي تطال واجهة من الواجهات الرئيسية لمبنى مقر جماعة أكادير، باعتبارها إحدى المعالم التراثية والمعمارية للمدينة، تعتبر هذه العملية، وبهذا الشكل وفي هذا النوع من المعمار، تشويها لتراث المدينة، وستكون له آثار سلبية على المشهد المعماري للبناية ومحيطها». رسالة قصمت ظهر بعير المكتب المسير للجماعة، وأظهرت النية المبيتة للرئيس الذي لم يستسغ مراسلته من قبل نائبه، وبدأ في عملية محاصرة له من كل جانب. إذ بدأ أولا بإنهاء مهام رئيسة قسم التعمير المقربة من النائب المفوض في التعمير نكاية في هذا الأخير، وتعيين رئيس آخر مقرب من الرئيس مكانها. ولم يقف مسلسل الضغط والانتقام من المهندس الشفدي عند هذا الحد، بل قام الرئيس بسحب التفويض منه في قطاع التعمير، بعدما وصفه بأنه «مريض نفسيا، وبأنه كان يوقع على الملفات خارج التفويض الممنوح له». ولم يتأخر رد النائب الشفدي كثيرا، حيث رفع السقف عاليا في وجه رئيس الجماعة صالح المالوكي، متحديا إياه بـ«أن يدلي بأي بملف فيه شبهة أو خطأ شكلي تم التأشير عليه».

اللجوء للأمانة العامة بحثا عن الضمانة
بعد تنامي مسلسل الصراعات بين إخوان حزب «المصباح» داخل المكتب المسير لمجلس الجماعة، وداخل فريق الحزب، وقيام مجموعة من النواب الغاضبين والمستشارين بمقاطعة دورة فبراير العادية، لم يجد ثمانية منتخبين بالمجلس، وهم أربعة نواب للرئيس وثلاثة مستشارين جماعيين، ورئيس لجنة الميزانية، من سبيل غير اللجوء إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية للتدخل العاجل لمعالجة مجموعة من الاختلالات التي يعرفها عمل الحزب بالجماعة الترابية لأكادير. وحملت الرسالة الموقعة من قبل هؤلاء المنتخبين تفاصيل الاختلالات التي أشعلت نار الخلافات ما بين المنتخبين، ومن بينها عجز الهيئة المشرفة على عمل الفريق عن تدبير الخلافات داخل المكتب المسير وداخل الفريق، بالإضافة إلى الحيف والتمييز السلبي والتعامل الانتقائي مع نواب الرئيس ومقترحاتهم، مما خلق جوا يفتقد إلى الثقة والتعاون داخل المكتب المسير، وتقاعس مؤسسة الفريق عن معالجة المشاكل الطارئة رغم الطلبات الملحة للمستشارين للتدخل، إضافة إلى تهميش دور المستشارين الجماعيين والتمييز بينهم. أما في ما يخص الاختلالات التدبيرية، فقد عددت الرسالة جملة منها، على غرار البطء في إنجاز وتتبع مشاريع الجماعة في مجالات الطرق والمرافق والساحات الخضراء والصيانة، وضعف جودة المشاريع، وعدم استكمال المساطر القانونية لتسلم المشاريع، وتعطيل التفويض في مجال السياحة، وضبابية صرف المبالغ المرصودة من طرف الجماعة للمجلس الجهوي للسياحة. كما كشف الموقعون وجود فائض مالي ضخم لا تستفيد منه الجماعة، والذي يقدر بحوالي 23 مليار سنتيم، ووجود مبالغ مالية أخرى راكدة قيمتها 17 مليار سنتيم لم تستغل بعد، في حين تستنجد الجماعة بهبات جد هزيلة.
وكشفت الرسالة عن مجموعة من القرارات التي أشعلت الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية المسير للجماعة، من قبيل ملف التغييرات في التعمير، رغما عن إرادة النائب المفوض، والخلاف حول اقتطاع طريق من بقعة مخصصة لموظفي الجماعة دون سند قانوني (حوالي 1400 متر مربع)، ودون إخبار المكتب والفريق بذلك، وذلك لصالح أحد وجهاء المدينة المقرب من أحد النواب المقربين من رئيس الجماعة.

رباح يفشل في رأب الصدع
بعد تسارع الأحداث والوقائع داخل مجلس جماعة أكادير المسير بالكامل من العدالة والتنمية، أوفدت الأمانة العامة للحزب عزيز رباح من أجل رأب الصدع وإعادة الأمور إلى نصابها. وبحسب معطيات (حصلت عليها «الأخبار»)، فقد عقد رباح لقاء مع النواب والمستشارين الغاضبين أولا، وتمحور النقاش بين الطرفين حول قضايا خلافية تهم التدبير الجماعي، من بينها أساسا قضية البقعة الأرضية المسلمة لموظفي الجماعة، والتي تم اقتطاع طريق منها لرفع قيمة عقار أحد وجهاء المدينة، وقضية تفويت حوالي 88 هكتارا بمنطقة «أخليج بتكوين» إلى مؤسسة عمومية، دون استشارة أعضاء المكتب والفريق، ما أدى إلى تضييع فرصة استفادة الجماعة من مرأب تحت أرضي يتسع لـ 600 سيارة، وتهيئة ساحة عمومية من ثلاثة هكتارات، وقضية الاعتمادات المالية المخصصة للمجلس الجهوي للسياحة. وخلص اللقاء إلى أن القضايا التدبيرية سيتم تمحيصها وإيجاد حل لها، إذ تم الاتفاق على تعزيز دور نواب الرئيس، بعدما كان هناك نواب مفضلون يستفيدون من الامتيازات، وآخرون مبعدون مغضوب عليهم، وإعادة التفويضات إلى بعضهم، وتم الاتفاق على إنهاء مهام رئيس قسم التعمير الذي عينه المالوكي ضدا على نائبه في التعمير، والاتفاق على إعادة سيارتي الجماعة إلى كل من النائبة خولة أجنان والنائبة أمل البقالي.
وبحسب المعطيات، فإن رباح وبّخ الرئيس المالوكي بعد لجوئه إلى مسلسل الانتقام من الغاضبين منه. واستنادا إلى مصادر «الأخبار»، فإن الأعضاء الغاضبين أكدوا لعزيز رباح أن ما تم الاتفاق عليه مجرد نوايا تحتاج إلى ضمانات، خصوصا وأن الرئيس المالوكي كان في كل تدخلاته يقوم بتعويم النقاش. وفي صباح اليوم الموالي، عقد رباح لقاء مع عموم أعضاء الحزب من أجل بعث رسالة إلى الجميع مفادها أنه تم التوصل إلى حلول لكل الخلافات، غير أن بعض الأعضاء الغاضبين لم يحضروا هذا اللقاء، إلى حين إصدار بلاغ للكتابة الإقليمية يكشف عن تفاصيل الحلول والتزامات كل طرف. واستنادا إلى المصدر، فإن الكتابة الإقليمية للحزب بأكادير، والتي تعتبر طرفا أصلا في هذا الصراع بسبب انحيازها للرئيس، على اعتبار أن بعض أعضائها هم نواب ومستشارون بمكتب المجلس الجماعي. وكان الاتفاق بحضور رباح أن تتم صياغة بلاغ الكتابة الإقليمية بحضور الأعضاء الغاضبين، غير أن أعضاء الكتابة الإقليمية رفضوا ذلك، وتحججوا بأن بعض هؤلاء الأعضاء ليست لهم أية صفة بهذه الكتابة. وخلص الجميع إلى إطلاع الغاضبين على البلاغ قبل إصداره للعموم، لكن لم يتم ذلك، حيث صدر بلاغ «يتيم لا يسمن ولا يغني من جوع» حسب تعبير المصدر، للكتابة الإقليمية، كونه لم يتطرق إلى عمق المشاكل، ولم يفصح عن التزامات الرئيس. وهو ما دفع النائبة العاشرة للرئيس خولة أجنان إلى إعلان أنها «غير ملزمة بما جاء في هذا البلاغ، وأنه يتضمن كذبا وبهتانا». ومن أجل التعبير عن حسن نية الغاضبين، حضر بعضهم أطوار الجلسة الثانية لدورة المجلس الجماعي، وخلال مداخلات أغلبهم، تبين أن الوضع ما يزال على ما هو عليه، وأن النزاع ما يزال قائما، خصوصا وأن الرئيس لم يبادر إلى التعبير عن حسن نية، لأن بعض القرارات المتفق عليها كانت تحتاج منه لاتخاذها قرارا كتابيا فقط. بل الشيء الوحيد الذي اتخذه المالوكي هو أنه قال للمقربين منه بأن يعيدوا السيارتين للنائبتين، غير أن خولة أجنان رفضت ذلك، كي ترسل رسالة إلى الرئيس بأنها غير متلهفة على السيارة، وأن الخلاف أكبر من ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى