شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بردٌ في الجيب..

 

 

 

يونس جنوحي

 

نقترب من الشهر الثالث على كارثة الحوز وتارودانت. الزلزال الذي ارتج له المغرب كاملا، لا تزال تداعياته تخيم على نفوس العائلات المتضررة في إقليمين متجاورين، تحول بينهما تضاريس وعرة تنتمي لامتداد جبال الأطلس.

كلما أثير موضوع الدعم بين العائلات، وإلا وظهرت أصوات تنادي بأنها لم تتوصل بعدُ بالتعويض. سُجلت شكايات كثيرة حتى الآن، تهم عائلات تقول إن اللجان المكلفة بإحصاء المنازل المتضررة أو المهدمة، لم تزرها. ونفس الأمر يسري على أسر كثيرة.

بينما هناك شكايات أخرى يتهم فيها السكان المحليون، بعض الأشخاص بانتحال صفة مُلاك بعض المنازل التي أتى عليها الزلزال. وهذه الحالات، على قلتها، إلا أنها فعلا تستدعي يقظة المسؤولين المكلفين بتدبير تداعيات الزلزال. إذ أن أعوان السلطة المحلية، رصدوا منذ اليوم الأول للزلزال، وصول بعض «الغرباء» عن الدواوير، في محاولة منهم للركوب على ظرفية الزلزال، وتصفية النزاعات العائلية المتعلقة بالإرث، ومِلكية المنازل التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من قرن من الزمن. وهي منازل يقع بعضها على مساحات شاسعة، مقارنة بالحيز الترابي الذي يشغله الدوار أو القرية المنكوبة.

بعض الغرباء عن الدواوير حاولوا الحصول على المساعدات التي وُزعت طيلة أيام الشهر الأول لوقوع الزلزال، أي طيلة شتنبر وبداية أكتوبر، لكن محاولات أغلبهم باءت بالفشل، بفضل يقظة المكلفين بتوزيع المساعدات، وأغلبهم من شبان المنطقة الذين تمرّسوا جيدا في مجال العمل الجمعوي والتطوعي، وطردوا «المُرتزقة» شر طرد.

هذه الأيام، سُجل انخفاض تدريجي في درجات الحرارة، وهو ما يعني أن البرد يُقدم نفسه لسكان منطقة تارودانت والحوز، في ظرف استثنائي لم يسبق لهم أن عاشوه في حياتهم. وهذا الظرف يتعلق بالسكن في الخيام، إلى جانب أنقاض منازلهم.

وحتى بالنسبة للأسر التي تمكنت من اكتراء منازل في البلدات والمدن المجاورة، فإنهم يفكرون هذه الأيام في مصاريف اقتناء البطانيات الكافية لكي تقيهم شر البرد، بحكم أن أثاثهم وملابسهم وحتى أموالهم وأوراق ملكيتهم لمنازلهم المهدمة، وعقود زواجهم بطبيعة الحال، كلها توجد تحت الركام.

يقول بعض الظرفاء إن البرد الذي يفرضه الطقس، ليس مشكلة ما دام البردُ يخيم على درجة حرارة الجيب.

وهؤلاء، يتحدثون بمنطق تاريخي يعرفه سكان المنطقة جيدا. ما دام الجيب دافئا، فإن حرارة الجو أمر ثانوي جدا بالنسبة لهؤلاء. وحتى عندما كان العسكري الفرنسي الشهير «فيليكس موغا» يختار رجال جبال قرى الأطلس لكي يشتغلوا في بناء الطرق والمناجم في فرنسا، خلال خمسينيات القرن الماضي، فقد كانت الحكمة المتداولة وقتها في الأطلس، أن الغربة وبرد فرنسا وثلوجها لا ينفع معه لا الحساء ولا الجلباب الصوفي الثقيل، ووحده الفرنك الفرنسي يُدفئ أطراف آلاف المرشحين الذين غادروا القرى في اتجاه فرنسا لكي ينخرطوا في الأعمال الشاقة التي لا تتوقف صيفا ولا شتاء.

إن سكان منطقة تارودانت والحوز، يحتاجون إلى المغاربة أكثر من أي وقت مضى. هناك تخوف كبير الآن من أن تكون كل حملات التبرع السابقة مجرد عواطف لحظية جياشة، خبا وهجُجها في عز برد الشتاء، الفترة التي يحتاج إلينا فيها كل سكان المنطقة أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى