شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف التاريخ

بعض المغاربة اعتقدوا أن الأمريكيين جاهزون لتحرير المغرب من الاستعمار

يونس جنوحي

الفرنسيون منزعجون، وهو انزعاج مشروع، من الانتقادات الموجهة إليهم من الخارج. وتُردد بعض الفصائل البريطانية أصداء الدعاية الواسعة التي يُمارسها حزب الاستقلال. وحتى السياسيون البريطانيون المسؤولون أدلوا في بعض الأحيان بتصريحات متعالية حول الإدارة الفرنسية، مُتجاهلين حقيقة مفادها أننا نواجه مشاكل مماثلة تماما في بعض مستعمراتنا. لم يجد أحد، حتى الآن، الطريقة المثالية -هذا إن كانت هناك طريقة أصلا!- للتوفيق بين مصالح السكان الأصليين والمُستوطنين الأوروبيين. وهذا مصدر إزعاج أساسي في المغرب. يشكل المستوطنون الفرنسيون قاعدة اقتصادية، لكن معظمهم فشلوا في التيقظ والانتباه للظهور السريع لأفكار الحركة الوطنية. إنهم يميلون إلى التفكير في الثمار التي يُمكن جنيها بسرعة، بدلا من التفكير في الإصلاح الاجتماعي.

يشعر الفرنسيون بالغضب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالانتقادات اللاذعة القادمة من جانب الجامعة الإسلامية الرجعية وبعض الدول العربية. لو كان القادة المصريون، على سبيل المثال، قدّموا أداء جيدا في ممارسة السلطة في بلادهم، فربما كان الفرنسيون أكثر استعدادا لقبول النصيحة منهم. ومع ذلك وجدتُ أن الجزء الأكبر من الازدراء الفرنسي للخارج كان موجها للأمريكيين. فقد كان الفرنسيون يرددون: «إن الفرنسيين لا يعرفون طريقة أفضل للحُكم، أما الأمريكيون فيجدر بهم أن يعرفوها، والمصريون يمكن تجاهلهم، لكن الأمريكيين ليسوا كذلك».

طرح أحد كبار السياسيين الفرنسيين السؤال التالي: «لماذا الأمريكيون بعيدون جدا عن المنطق؟ إنهم يدافعون عن اليهود في فلسطين. لم يستغل العربُ الأرض بشكل جيد، أما اليهود فاستغلوها جيدا. ولهذا السبب يجب أن يحظى بها اليهود. لكن عندما نُنزل هذه الحجة تحديدا على الحالة المغربية، فإن الأمريكيين يعارضونها ويسخرون منا بحجج قديمة حول الاستعمار.

إنهم يُنفقون مئات ملايين الدولارات لتسليحنا، منذ أن كانت القوة الفرنسية ضرورية لتحقيق الرفاهية في العالم، ثم بعد ذلك قاموا بإضعافنا سياسيا من خلال التدخلات غير المدروسة والطفولية أحيانا. انظر إلى دعمهم غير المخفي للمطالب التونسية! ألا يعرفون شيئا عن الشعوب المُتخلفة؟ ألم يتعلموا من تجربتهم السيئة في الفلبين؟ يبدو أن الكثيرين منهم يعتقدون أن كل ما عليك فعله هو إعطاء الجميع حق التصويت. ثم بعد ذلك يصبح لديك حكم ديموقراطي، والجميع سيُصبحون سعداء. يا لها من سخافة! كان حريا بهم استخلاص الدرس مما وقع في كوريا!».

يقول أحد كبار المسؤولين الفرنسيين:

«أخذتُ على عاتقي مسألة التكلف ببعض الصحافيين الأمريكيين. لقد جاؤوا إلى هنا ورأوا الحقيقة بأعينهم. اعترفوا باندهاشهم من الجو الهادئ، واستخلصوا المبالغات في الحكايات التي وصلت إلى مسامعهم عن المغرب. لكنهم بعد ذلك كتبوا مقالات انفعالية مليئة بالأحاسيس، وأوضحوا لي أن رؤساء التحرير لديهم وقراءهم يريدون قراءة القصص المثيرة التي تُحدث ضجة كبيرة ولن يهتموا أبدا بقصص التقدم السلمي. يا لها من مهزلة! ومع ذلك من المثير للدهشة ما سيصدقه الناس بالاعتماد على الشعارات العاطفية. ولا أقصد المغرب فقط، إذ إن التأثيرات هنا كانت مأساوية. ستلتقي مغاربة يعتقدون تقريبا أن الأمريكيين جاهزون لبدء مسيرة في سبيل تحرير المغاربة. أنا وأنت نُدرك معا كم أن هذه الفكرة سخيفة، لكن الأشخاص ذوي المعرفة المحدودة بالعالم السياسي يأخذون هذا الكلام على محمل الجد أكثر مما يجب».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى