شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

حتى لا نظلم جهاز الأمن

افتتاحية

بين وقت وآخر، تقع هفوات وخروقات أمنية معزولة وشطط في استعمال السلطة وفساد، لكن الإدارة العامة للأمن الوطني تتصدى لها بصرامة وجدية وفعالية وتحيل المسؤولين عنها على القضاء، بعد البحث والتحقيق المحايد الذي لا يضيع معه حق كافة الأطراف المعنية، وخارج ضغوطات الأجندات الضيقة أو محاولة التأثير على العدالة بطرق ملتوية، أو ربط وقائع معزولة بسياسة دولة، وذلك بهدف لي ذراع مؤسساتها والتضخيم والتهويل الحقوقي بموازين مختلة.

مناسبة الكلام هي الأبعاد التي اتخذتها قضية ياسين الشبلي رحمه الله، باعتبارها جريمة فردية مدانة وحالة معزولة، يريد البعض تحويلها إلى «جريمة دولة»، من خلال تصوير أن كل مراكز البحث والتحقيق، بتنسيق مع النيابة العامة المختصة، أشبه بأقبية سرية للتعذيب وممارسة الشطط في استعمال السلطة دون حسيب أو رقيب وخرق القانون. وهو أمر مجانب للصواب من خلال معطيات وأرقام ميدانية وإحصاء عدد الشكايات والتفاعل معها وفق المساطر القانونية، علما أن الشكايات بدورها فيها الكيدية وتلك المتعلقة بتصفية الحسابات الضيقة، وفيها الجادة والدقيقة في الوقائع، وطبعا كل ذلك يفصل فيه القضاء في النهاية.

لقد كانت للدولة الشجاعة الكافية في فتح ملف المصالحة على تعقيداته وضخامته، فكيف بملفات خروقات وتجاوزات معزولة، تريد بعض الأصوات الحقوقية تحويلها إلى سياسة ممنهجة بواسطة التهويل والتضخيم والتوظيف السياسي والحقوقي في غير محله، ومحاولات تهييج الرأي العام الافتراضي بنشر المعلومات المضللة واللعب على العاطفة لتبخيس عمل الجهاز الأمني المغربي بشكل كامل وضرب سمعته الاحترافية التي يقدرها المواطنون واعترفت بها الدول الكبرى من خلال اتفاقيات رسمية، وفعالية التعاون الأمني والاستخباراتي وتجنيب المغرب وبعض بلدان العالم مجازر دموية إرهابية وتفكيك شبكات إجرامية منظمة وتستعمل وسائل تكنولوجية متطورة.

الكل يعرف أن الاستثناء لا يقاس عليه، ومن الحمق ربط قضية معزولة بمنهجية عمل مؤسسة أمنية بأكملها، لأن قضايا العنف داخل مخافر الشرطة تظل محدودة جدا وفق إحصائيات رسمية، وعندما تحدث تواجه بالصرامة القانونية المطلوبة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني التي تعتبر الأمر من صميم استراتيجيتها في دعم تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين وضمان أمنهم وسلامتهم في جميع الأحوال، وللقضاء دوما الكلمة الفصل في القضايا كمخول وحيد بذلك طبقا لدستور المملكة.

وعندما نعود للخروقات والتجاوزات، التي يتم ارتكابها من قبل بعض عناصر الأمن، نجد أن المديرية لا تتسامح أو تتستر في ذلك، وتخرج ببلاغات رسمية للرأي العام تؤكد فيها على فتح تحقيق قضائي، وتقدم كافة المعلومات حول الملفات في احترام لسرية البحث، وتعمل على إصدار قرارات توقيف عن العمل في حق رجال الأمن مهما كانت رتبتهم إلى حين الحكم النهائي في القضايا من طرف العدالة، وكم من عنصر أمني ثبتت براءته بعد مسار طويل من البحث والحكم القضائي النهائي وعاد إلى عمله. لكن هذه الحالات لا تثير شهية البعض للحديث عنها لأنها لا توافق هواهم.

إن قضية الشلبي رحمه الله شهدت قيام المؤسسات الأمنية والقضائية بالعمل الواجب فعله طبقا للقانون، حيث تم تفريغ تسجيلات الكاميرات وتشريح الجثة من قبل الطبيب المختص، وانطلاق جلسات المحاكمة وضمان الحق في الدفاع لكافة الأطراف وتم القضاء بالإدانة في حق أحد الضباط بخمس سنوات سجنا نافذة، وطبعا هناك حق الطعن في الأحكام القضائية إلى حين الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به.

المؤسسات الأمنية دورها واضح في الدستور في حماية أمن المواطنين، وكلما كانت قوية بالقانون وتطبيقه على أفضل وجه دون تبخيس وترهيب بأساليب المظلومية الزائفة وتصفية الحسابات مع أجهزة الدولة، كان الإحساس بالأمن مرتفعا، والقضايا والخروقات والتجاوزات يبقى ارتباطها بالعنصر البشري وليس السياسات العامة أو التشريعات القانونية، بحيث كل من خالف أو تجاوز القانون سينال عقابه دون فرار أو تملص من العدالة.

وتكمن قوة القانون في سريانه على الجميع دون استثناء، إذ بقدر ما يحمي الذي يلتزم به يعاقب من يخرقه، وأفراد القوات العمومية الذين ينتمون إلينا كمغاربة وفيهم إخواننا وعائلاتنا، تعرضوا ويتعرضون لشتى أنواع جرائم الاعتداء من المشرملين أصحاب السيوف القاطعة، ومن يدعون النفوذ، وأبناء الفشوش والانفصاليين الذين عمدوا إلى تشويه جثثهم والتنكيل بها أمام أعين العالم، ولم يحرك ذلك ساكنا في الجمعيات الحقوقية التي تكيل بمكيالين، فتبرر جرائم لا تخدم أجنداتها كما تُحب وتدافع عن مرتكبها بحجة حقوق الإنسان، لكن بمجرد ظهور حالة معزولة لخرق يرتكبه فرد من القوات العمومية تُشحذ السكاكين ويُشرع في التهويل والتضخيم ووصف الأمر بالممنهج وربطه بسياسة الدولة وتوظيف المصطلحات الضخمة لتهييج العواطف، والقياس مع ملفات أخرى لا تتضمن الحيثيات والظروف نفسها، فقط لتلطيخ سمعة جهاز الأمن والمحاولات الفاشلة للتغطية على نجاعته واحترافيته وكسر ثقة المواطن في مؤسساته الرسمية، من أجل خدمة أجندات لها امتدادات خارجية آخر همها حقوق الإنسان أو تحقيق العدل والمساواة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى