الرأي

داء فقدان النزاهة الفكرية

خلال مشاركتها في «مناظرات 2016» التي بثته قناة «ميدي 1 تيفي»، أثبتت أمينة ماء العينين، عضو الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، أنها سوفسطائية حقيقية، مع حصر المعنى الذي تحمله هذه الصفة في معنى واحد ووحيد وهو «مُعلمة التضليل» القادرة على إثبات الحقيقة ونقائضها، إذ المهارة المطلوبة هنا هي أن تكون صاحبتها تتقن «الهضرة» ولا شيء غيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا الأصل الإيتيمولوجي لكلمة «هضرة» العامية وهو فعل هدر يهدر.. هدرا. فهذه النقابية المستجدة في عالم العمل النقابي، وذلك بشهادة زملائها، حاولت أن تضلل الرأي العام وتنسب القانون- الإطار الذي ينكب عليه الآن المجلس الأعلى للتربية والتكوين لحزبها، معتبرة تشكيل لجنة وزارية لتفعيل الرؤية الاستراتيجية بمثابة إنجاز حكومي. مع أن الحقيقي هو أن فكرة إصدار القانون الإطار هي فكرة ملكية خالصة حملها الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015، وأن الأصل الذي تقوم عليه فكرة القانون هو بسبب فشل الحكومة في تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب.
والمتتبع لقطاع التربية والتكوين في الخمس سنوات التي تولت فيها حكومة بنكيران تدبير الشأن العام، سيستنتج أن آخر حزب يمكنه الحديث عن التعليم الآن هو حزب العدالة والتنمية أولا وباقي الأحزاب المشكلة للحكومة ثانيا. فعلى مدى ثلاث سنوات تقريبا، والتي تولى فيها محمد الوفا حقيبة التعليم، كان «سعادته» يرفض إطلاقا فكرة وجود أزمة في تعليمنا، بل وصلت به صفاقته حد الاتصال الشخصي لتقريع أي مسؤول أو أستاذ أو صحفي تحدث عن الأزمة، وهناك تسجيلات موجودة تثبت هذه الحقيقة، حينها كانت أمينة ماء العينين نفسها تنظم قصائد المديح في حقه، تماما كما فعل زملاؤها في نقابتها وحزبها.
حتى جاء الخطاب الملكي بمناسبة 20 غشت 2013، والذي فضح السياسوية والنقابوية المقيتة للحكومة في التعامل مع التعليم، طارحا أسئلة عميقة تهم التعليم، منها أسئلة تتعلق بتكافؤ الفرص والمساواة بين المغاربة في نيل تعليم جيد ومنصف، وكذا تغليب السياسوية في التعامل مع برامج الإصلاح، ومنها التوقيف المفاجئ للبرنامج الاستعجالي والتكوين المستمر وثانويات التميز وغيرها.. حينها بلع الجميع ألسنتهم، ليأخذ الملك محمد السادس المبادرة شخصيا في حلحلة الوضع التربوي والتكويني، عبر سلسلة اقتراحات وأفكار جديدة كلية، جاءت في خطابات ملكية موالية. ومنها الأمر بإصدار القانون التنظيمي للمجلس الأعلى وتكوين أعضائه وإطلاق العمل على جلسات الإنصات وإخراج الرؤية الاستراتيجية، وهي كلها مبادرات ملكية خالصة، جاءت لتنقذ منظومة تربوية كانت تنهار يوما بعد يوم.
ففي الوقت الذي كانت ماء العينين نفسها تستمتع بـ«تحلاقيت» التي كان يمارسها الوفا في البرلمان، فقط لأنه أوقف عشرة أساتذة للتعليم الابتدائي رفضوا مراقبة امتحانات الباكلوريا في الراشيدية، لم تكن هي نفسها تجرؤ على أن تمارس «تخراج العينين» الذي تمارسه الآن في المجلس الأعلى، ضد عجز هذا الوزير عن تحريك المياه الآسنة لهيكلته الوزارية، والتي تضم أكثر من 12 مديرا مركزيا وهميا، ولم تكن لتسائل الوزير عن تبنيه للباكلوريا الفرنسية بطريقة أقرب للتدليس، بل ولم تكن لتملك «الشجاعة» لتطالب الوزير بالكشف عن افتحاصات البرنامج الاستعجالي، وتقديم الفاسدين للقضاء، ولم تكن لتتساءل عن الفساد الذي يضرب المنظومة التربوية في قطاعات يرتاع فيها الريع والفساد، مثل قطاع الكتاب المدرسي والرياضة المدرسية والتعاون الدولي والقطاع الخاص وبرنامج «جيني»..
طبعا فالحزبوية الضيقة تقتضي من سعادتها أن تكتفي فقط بدور المتفرجة المستمتعة بالحلقة المراكشية التي كان يتقنها الوفا. وعندما أخذ الملك محمد السادس المبادرة بتوقيف هذه المهزلة، وأطلق المبادرة لإصلاح التعليم، عبر بوابة المجلس الأعلى، غيرت أمينة ماء العينين جلدها، ونصبت نفسها في موقع المدافعة الغيورة عن التعليم الديمقراطي وباتت «كتخرج عينيها» في الجمعية العامة للمجلس، فقط لإثارة الانتباه إلى شخصها العنجهي.
نتفهم كثيرا أن تكون السياسة هي فن ركوب الأمواج، لكن ليس بالركوب على المبادرات الملكية، وليس في قطاع التعليم، فالحقيقة التي أثبتتها هذه السنوات الخمس، هي أن الملك محمد السادس هو من يقود دفة الإصلاح في هذا القطاع، وأي محاولة لسرقة دينامية الإصلاح الحالية هي تضليل مقيت للرأي العام، ونقص حاد في النزاهة الفكرية، سيما إذا تعلق الأمر بمربية أجيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى