شوف تشوف

الافتتاحيةالرأيالرئيسية

دار الورثة

 

 

 

يونس جنوحي

 

إلى اليوم، لم يظهر أي أثر بعدُ للوثائق الأصلية التي خطها بعض الكُتاب والدبلوماسيين الأجانب الذين عاشوا في المغرب، رغم أن نُسخ كتبهم اعتمدت في أغلب جامعات العالم، ولا يزال الطلب عليها موجودا في منصات البيع الإلكترونية عبر العالم.

المخطوط الأصلي لأغلب هذه الكتب، حُرر في المغرب بيد المؤلف الأصلي للكتاب. وهذا المؤلِف الأصلي غالبا ما يكون دبلوماسيا أو موظفا وفي بعض الأحيان من الأثرياء الأجانب الذين قرروا الاستقرار في المغرب، سنوات طويلة قبل الحماية الفرنسية، وعندما يرسل الكاتب نسخة من مخطوطه إلى المكتبات الأجنبية، خصوصا مكتبات نيويورك أو لندن، فإن النسخ الأصلية لهذه الكتب تبقى غالبا في ملكية صاحبها.

ما يحدث أن هؤلاء الكتاب غادروا المغرب في ظروف دولية ملتبسة، أو ماتوا بين المغاربة ودفنوا في المقابر الخاصة بالمسيحيين أو الجنسيات الأوربية التي عاشت في منطقة طنجة الدولية.

عقارات هؤلاء الأجانب، انتقلت إلى ملكية ورثتهم، وفي أغلب الحالات باعها الورثة إلى مُلاك جدد، ليسوا مغاربة بالضرورة.

في بعض الحالات، مثل ما حدث مع الدبلوماسي البريطاني، السيد هاي، الذي يعتبر أحد أقدم الدبلوماسيين الأجانب الذين اشتغلوا في المغرب خلال أواخر عهد المولى الحسن الأول، وغادر قبل الحماية بسنوات، أو بعده مع القنصل الأمريكي السيد هولت، الذي غادر المغرب سنة 1910، فإن الوثائق الأصلية نقلتها العائلة بعد مغادرتهم المغرب إلى بريطانيا والولايات المتحدة ولم يتركوا وراءهم أي شيء في المغرب.

لكن في بعض الحالات، خصوصا مع حالة «ماكلين» الذي حصل على وظيفة في المخزن المغربي بعد سنة 1894، فإن الوثائق الأصلية التي امتلكها، وأغلبها مراسلات ثمينة بينه وبين القصر الملكي، الوزراء المغاربة، والدبلوماسيين الأجانب، والتي من شأنها أن توثق لمرحلة مهمة من التاريخ الدبلوماسي للمغرب، كلها تدخل في خانة «وثائق مجهولة المصير».

لو أن مراسلات هذا الرجل، الذي حمل لقب «القايد» لكثرة ما اشتغل في المخزن وعرف دواليب السياسة المخزنية، وحتى دسائس الوزراء، وُثقت بشكل يليق بالمكانة والدور الذي لعبه في تاريخ المغرب، لعرفنا أمورا كثيرا عما وقع في فترة التنافس الاستعماري على المغرب.

ورغم أن مهمة «ماكلين» أو «القايد» الأصلية كانت هي المشاركة في تدريب الحرس الملكي وترتيب الجيش المغربي، بحكم خبرته العسكرية في جيش اسكتلندا، إلا أنه انشغل عنها بربط الصداقات مع أغلب الدبلوماسيين الأجانب الذين جاؤوا إلى المغرب إما في مهام دبلوماسية طويلة الأمد أو «السفارات» قصيرة المدة. بل وصل إلى درجة المشاركة في الوفد المغربي الرسمي في الزيارات الرسمية إلى بريطانيا، وتولى مهمة الترجمة.

ولاء الرجل للمغرب لم يكن واضحا، وقد يكون مشاركا في مهام تجسس لصالح المملكة المتحدة، أو لأي تمثيلية أجنبية أخرى في المغرب. لكن وثائق مراسلاته الأصلية ومكتبته الشخصية، كلها الآن مفقودة ولا يوجد أي خيط يوصل حتى إلى المكان الذي كان يستقر به في طنجة الدولية التي تقاعد فيها بعد انتهاء مهمته مع المخزن في فاس.

الدليل الوحيد على أن «ماكلين» لم يكن شخصية أسطورية، هو قبره الموجود اليوم في مقبرة خاصة بالأجانب في مدينة طنجة. أما وثائقه التي يمكن أن تغني اليوم الخزانة المغربية، فالله وحده يعلم مصيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى