
عرفت الولاية الجماعية الحالية تفشي ظاهرة خطيرة بالمدن الكبرى، تتجلى في السطو على ممتلكات جماعية ومرافق عمومية وتفويتها إلى الخواص لتحويلها إلى عمارات إسمنتية.
هناك بعض المسؤولين والمنتخبين يفتقدون حس المسؤولية ويتصرفون وكأنهم يسيرون ضيعات في ملكيتهم وليس شؤون المواطنين، التي تتطلب الالتزام بالمقتضيات القانونية وحماية الممتلكات العامة والخاصة، لكن البعض تجاوز حدود الجرأة والشجاعة لضرب عرض الحائط بكل القوانين، من أجل تسهيل عمليات الاستحواذ على عقارات تدر ذهبا داخل مدن قفزت فيها أسعار العقار إلى مستويات خيالية.
فقد تابعنا تفاصيل فضيحة السطو على عقار كان مخصصا لمؤسسة تعليمية بمدينة إنزكان، وتحولت بقدرة قادر إلى مشروع عقاري يضم عمارات ومركزا تجاريا، وهي الفضيحة التي فجرتها جريدة «الأخبار» والتي أطاحت بعامل الإقليم، في انتظار ترتيب الآثار القانونية على باقي المنتخبين المتورطين.
كما تابعنا فضيحة السطو على مركب للشباب ممول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمدينة سيدي قاسم، وتحويله إلى فندق خاص يحتضن سهرات «الشيخات»، وهي الفضيحة التي فجرتها كذلك هذه الجريدة، وأطاحت بعامل الإقليم، فضلا عن عزل منتخبين كبار وتقديمهم أمام غرفة جرائم الأموال.
وهناك حالات أخرى مماثلة، حيث تم بمدينة فاس السطو على مسبح عمومي ممول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبمدينة طنجة تم السطو على حديقة عمومية وتحويلها إلى ملعب خاص، وبمدينة القنيطرة هناك محاولة للسطو على عقار تفوق قيمته 50 مليار سنتيم، ويحتضن مرافق عمومية.
لقد توصلت مصالح وزارة الداخلية بتقارير حول وجود شبكة متخصصة في السطو على عقارات جماعية بالمدن الكبرى، وذلك بتواطؤ مع رؤساء مجالس جماعية ومنتخبين، وتقدر قيمة هذه العقارات بالملايير، وبناء على هذه التقارير، أصدر وزير الداخلية تعليماته من أجل فتح تحقيق ومحاسبة كل من ثبت تورطه في هذه الجرائم، وإحالة الملفات ذات الصبغة الجنائية على القضاء.
وبدورها شرعت المديرية العامة للجماعات الترابية التابعة للوزارة في إحصاء الممتلكات العقارية للجماعات بالمدن الكبرى، مثل الرباط وسلا والدار البيضاء ومراكش وفاس وطنجة والقنيطرة وتمارة وبوزنيقة وغيرها، وتحفيظ الأملاك غير المحفظة وتحيين الرسوم العقارية للأملاك المحفظة بكيفية تدريجية، مع وضع نظام معلوماتي لمراقبتها، وتدخل هذه الإجراءات لمحاربة ظاهرة السطو على الممتلكات العقارية المملوكة للجماعات داخل المدن الكبرى من طرف كبار المنعشين العقاريين، وهناك شبهة حول تورط بعض رؤساء الجماعات والمنتخبين في عمليات السطو.
كما رفضت المديرية التأشير على مقررات صادرة عن مجالس جماعات ترابية تتعلق بتفويت أو كراء ممتلكاتها العقارية، بسبب رصد خروقات وتلاعبات قد تؤدي إلى السطو على هذه العقارات من طرف جهات نافذة، كما تتولى المديرية إحصاء أملاك الجماعات الترابية وتحفيظها، وضبط وحماية الأملاك الجماعية وتنميتها، فضلا عن تعزيز الرصيد العقاري الجماعي، وتثمين وتحسين مردودية أملاك الجماعات الترابية.
ورغم كل هذه الإجراءات، فإن بعض المنتخبين منعدمي الضمير يعتبرون الجماعات بمثابة بقرة حلوب لمراكمة الثروات والاغتناء غير المشروع، لذلك هناك أمل مشروع في أن تتعامل وزارة الداخلية بنفس الصرامة التي تعاملت بها أثناء تعديل القوانين الانتخابية لمجلس النواب، بوضع إجراءات صارمة لمنع المفسدين من الوصول إلى مجالس الجهات والعمالات والجماعات الترابية.





