سري للغاية

شاعر سوداني يعرف تاريخ فاس أكثر من أهلها

حسن البصري

في السودان وفي العديد من الدول العربية شوارع تحمل اسم هذا الشاعر السوداني، كما توجد مراكز ثقافية باسمه، فضلا عن كراس في جامعات عربية تخلد ذكراه في الأدب والفكر.
تردد عبد الله الطيب على المغرب وسجل حضورا لافتا في القصر، خاصة في الدروس الحسنية الرمضانية. كان أول لقاء جمع الملك الحسن الثاني بالشاعر عبد الله الطيب حين قدم الضيف السوداني درسا حول صحيح البخاري، وعندما كان يشرح صحيح البخاري ومسلم كسر الملك الحسن الثاني البروتوكول وقام أمام المدعوين بحضن عبد الله الطيب، وعندما انتهى الدرس طلب منه الإقامة في المغرب وعرض عليه منصب محاضر في جامعة فاس.
ولسبب استدعائه لتقديم درس قصة أيضا، فقد ألقى محاضرة حول التراث الإنساني، بعد دعوة من وزارة الثقافة المغربية، وحظيت مداخلته باهتمام كبير من الدارسين والصحافيين، بل تصدرت صورته الصفحات الأولى للجرائد المغربية، خاصة «الاتحاد الاشتراكي» و«العلم»، التي كتبت في صفحتها الأولى: «الطيب حدّث أهل فاس بما لا يعرفونه عن فاس». وكان العالم السوداني عبد الله الطيب يحرص دوما على زيارة فاس، التي كان يأتيها لزيارة قبر جده التيجاني، قبل أن يصبح وجها مألوفا في دروب ومجالس الأدب في العاصمة العلمية للمملكة.
توصل الطيب بدعوة من الحسن الثاني للالتحاق بالقصر الملكي، وخرجت جرائد اليوم الموالي بعناوين من قبيل: «قال الملك ائتوني به!».. كما خصصت صحيفة «الراكوبة» السودانية ملفا حول الموضوع بعنوان «سودانيون حول العرش» تطرقت فيه لعلاقة ملوك المغرب بعبد الله الطيب وغيره من المفكرين السودانيين، وقالت إن «الملك المغربي الحسن الثاني رجل شغوف وملم بالثقافة العربية وَعاشق للعلماء، له مجلس شهري للعلماء سمي «الدروس الحسنية»، يهتم بتثقيف العالِم فيجلسه على الكرسي بينما يجلس جلالته على الأرض، تعبيرا عن احترامه وتقديره لورثة الأنبياء».
قال عنه الملك الراحل لأحد العلماء السودانيين، بعد انتهاء درس حسني: «لقد أخذتم، أنتم السودانيين، نصيبكم منه، وجاء دورنا، نحن أهل المغرب، لننهل من هذا المنهل المعرفي الكبير».
يقول الأديب السوداني مجدي الحاج: «يروى أن الحسن الثاني ملك المغرب نفسه كان يحب البروفسير عبد الله الطيب حبا كثيرا ويحضر له بعض المحاضرات، وكان دائما ما يدعوه إلى قصره ومائدته خاصة في شهر رمضان المعظم. وفي إحدى المرات بعد نهاية إحدى المحاضرات فوجئ بسيارة في انتظاره عند باب الكلية وقد فتح له باب السيارة ليركب وقد كان الملك نفسه في انتظاره فلهما الرحمة والغفران».
ومن الأشياء الطريفة التي حكيت عن عبد الله الطيب في المغرب أنه اختير أول حضوره لكلية الآداب في فاس مدرسا للأدب الجاهلي لطلاب السنة الأولى في مادة الأدب العربي، وكان يكرر لهم صدر البيت الشعري ويطلب منهم إكمال عجزه، مما جعل الطلاب يطالبون بترحيله لأنه يعطيهم دروسا فوق طاقتهم الفكرية والأدبية مما جعل إدارة الكلية تقوم بنقله لكي يدرس طلاب السنة الرابعة بدلا من السنة الأولى وذلك لغزارة علمه.
كان عبد الله الطيب حريصا على زيارة المغرب رفقة زوجته البريطانية غريزلدا والتي تعرف عليها في لندن أثناء متابعة دروسه الجامعية، وعاشت إلى جانبه رغم مواقفه من الاستعمار البريطاني لبلده.
بعد وفاته بسكتة دماغية مفاجئة، لم تغادر الزوجة السودان وعاشت هناك وأتقنت اللهجة السودانية بطلاقة، وحفرت قبرا لها بجوار قبره لتعلم الجميع بأن الوفاء ليس في الحياة فقط وإنما بعد الممات أيضا، وقالت: «أريد أن أدفن بجانبه ليتعلم الذين هضموه حقه الوفاء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى