
احتضنت العاصمة الإسبانية، مدريد، أمس الخميس، اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وإسبانيا، في دورتها الثالثة عشرة، التي توجت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات من أجل تعزيز الشراكة بين البلدين، والتي تشكل محركا استراتيجيا لتعزيز الروابط بين إفريقيا وأوروبا.
ويأتي اجتماع اللجنة في ظل التطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربية بالأمم المتحدة، بعد صدور القرار التاريخي الذي كرس المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأساس واقعي وعملي لحل النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية، وكانت إسبانيا من بين الدول التي اعترفت بهذه المبادرة وعبرت عن تأييدها للمقترح المغربي.
لقد دخلت العلاقات المغربية- الإسبانية مرحلة جديدة، منذ أبريل 2022، وأصبحت مبنية على الثقة المتبادلة، وذلك عقب الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للمغرب، بدعوة من الملك محمد السادس.
وأضحت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين حاليا شراكة متعددة الأبعاد وتشمل كافة المجالات، من خلال التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، وفق مبدأ رابح-رابح، وكذا على الاحترام المتبادل، وتواصل الشراكة الثنائية بين البلدين دينامية تطورها وتمضي قدما نحو آفاق جديدة طموحة وواعدة للتعاون. ويتجلى ذلك من خلال المواقف التي أعلنها رئيس الحكومة الإسبانية، خلال استقباله من طرف الملك محمد السادس، ومن بينها الموقف الواضح من قضية الصحراء المغربية، حيث جدد التأكيد على موقف إسبانيا الوارد في البيان المشترك لأبريل 2022، والذي يعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية هذا الخلاف. وعلى المستوى الاقتصادي أعلن سانشيز أن إسبانيا تعد شريكا مرجعيا للمغرب باستثمارات متوقعة تناهز 45 مليار أورو في أفق 2050.
إن هذه الشراكة المتفردة ستمكن المغرب وإسبانيا من مضاعفة أكبر لجهودهما من أجل تقديم مساهمة بناءة في كل المجالات بما يخدم البلدين، وكذا الفضاء الأورومتوسطي وإفريقيا، وكذا داخل الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية والدولية بشكل يمكن من مواجهة رهانات الحاضر والمستقبل.
وتعد إسبانيا الشريك التجاري الرئيسي للمغرب وذلك منذ سنة 2012، والمغرب يعد الشريك الثالث لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما التزم البلدان بإنعاش التبادلات التجارية والاستثمارات، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة في إطار شراكة رابح-رابح، مستفيدين في ذلك من الميثاق الجديد للاستثمار الذي اعتمده المغرب حديثا، والذي يتلاءم مع التحولات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والرامي إلى جعل المملكة وجهة استثمارية دولية من خلال توفير فرص حقيقية في القطاعات الاستراتيجية.
هذه التطورات تكشف الاهتمام الكبير الذي توليه إسبانيا للمغرب، كبلد صديق وشريك مهم، وفاعل أساسي في تنمية الجوار الجنوبي للمتوسط، ويظهر ذلك بشكل جلي من خلال حديث رئيس الحكومة الإسبانية، في ختام زيارته، عن أهمية المبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، خاصة مبادرة البلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذا أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي «نيجيريا – المغرب»، لأن هذه المبادرات ستعود بالنفع كذلك على دول شمال البحر الأبيض المتوسط، وعلى رأسها إسبانيا.
إذن هناك إرادة مشتركة بين المغرب وإسبانيا من أجل تعزيز التعاون بشكل أكبر بشأن القضايا الإقليمية، وكذلك مواجهة التحديات المتعددة من أجل تحقيق السلم والاستقرار والتنمية.





