قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ضربات الترجيح

حسن البصري

لم يعش المغاربة حالة ترقب لقرار سياسي كما عاشوه، مساء يوم أمس الجمعة، فقد كان السهر والانتظار مرتبطا بمباريات المنتخب.

حسمت قضية الصحراء بضربات الترجيح، لفائدة المغرب، وانتصرت خطة الحكم الذاتي، وفي شوارع نيويورك الصاخبة تردد صدى «لعيون عينيا».

كفكف دموعك يا تبون فرضيعتك يا ولدي ليس لها أرض أو وطن أو عنوان.

في السياسة كما في منافسات كرة القدم تحسم ضربات الترجيح الموقف، كلما ظل التعادل سيد الموقف. حين تعجز أقدام اللاعبين عن هز الشباك وتحقيق الانتصارات، يحيلهم الحكم بإشارة منه على تسديدات الحسم بين حارس ولاعب.

المعلقون والمحللون المشارقة يصرون على تسميتها «ركلات» الترجيح، كلما لجأ إليها الحكم لترجيح كفة فريق على آخر وحسم نتيجة المباراة، بعد إخفاق كلا الفريقين المتنافسين على حسمها خلال الوقت الأصلي أو الإضافي.

شاءت الصدف الماكرة أن تكون أول مواجهة كروية بين المغرب والجزائر في الجزائر العاصمة، يوم 31 أكتوبر 1965، أي قبل ستين سنة بالتمام والكمال على المباراة السياسية التي جرت في ملعب الأمم المتحدة بنيويورك.

مباراة نهاية أكتوبر 1965 كانت ودية طبعها التآخي والود، بينما مباراة أكتوبر 2025 لا ود فيها ولا إرجاء.

حين أحال مجلس الأمن الدولي قضية الصحراء على ضربات الترجيح داخل ملعب محايد، في مواجهة يحكمها طاقم من مجلس الأمن الدولي ومراقبون وحكماء، فإنه كان يسعى إلى حسم المباراة بعد سنوات من الترقب والانتظار.

أثناء دراستنا الإعدادية رسخ أستاذ اللغة العربية في أذهاننا حكاية أطول حرب في تاريخ العرب، غضبنا من كليب بن ربيعة الذي قتل بسهم حاد ناقة فتاة تدعى البسوس، تحولت قضية مقتل ناقة دون نية إحداثه إلى حرب بين قبيلتي بكر وتغلب دامت أربعين عاما، وعرفت بحرب البسوس.

حدث هذا في شبه الجزيرة العربية، قبل ظهور الإسلام، إذ كانت المعارك بلا فرامل والمنازعات لا تنتهي إلا بعد نفاد النبال وضياع السيوف والسياط وموت موقظي الفتن.

بين المغرب والجزائر عشرات المباريات الرياضية، منها ما انتهى بلا غالب ولا مغلوب، ومنها ما انتهى بدم مسكوب. لكن في أغلب المعارك الكروية بين البلدين تعلن الحكومات المتعاقبة حالة طوارئ في البلاد، يتحول اللاعبون إلى جنود ويصبح المدرب قائد فيلق، وحين يتحقق الفوز يصدر بيان بتخصيص يوم الانتصار للاحتفال بالذكرى، قبل ترقيتها إلى عيد وطني تعطل فيه مصالح المواطنين، ويتوقف التلاميذ عن الدراسة، وينال العمال إجازة موقعة بأقدام اللاعبين.

تتربص المواجهات الكروية بين المغرب والجزائر بالمدربين، فتطيح بهم عند الهزيمة وتحولهم إلى أبطال قوميين يوم الانتصار.

أما المسؤولون فباسم الخصام المزمن، يتوعدون بالاقتحام، بينما يتوعد نظراؤهم بالانتقام، وفي توجيهات ما قبل المباريات تذكير بخطبة طارق بن زياد، وفي ما بين الشوطين وعد تارة ووعيد تارة أخرى.

الصحافيون يتجندون والمناصرون في حالة تأهب قصوى، والأمنيون يأخذون مواقعهم في الجبهات الأولى، بين إطلاق الرصاص واقتياد رؤوس الفتنة إلى ساحة القصاص.

حضرت مباراة حاسمة بين المنتخبين المغربي والجزائري، في مدينة صفاقس التونسية خلال منافسات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سنة 2004.

انتصر المنتخب الوطني بثلاثية، وتبين أن سبب الخسارة هو الإنزال الرهيب للحكومة الجزائرية، وإصرار رئيسها على عقد اجتماع طارئ في صفاقس التونسية خصص لشحن همم اللاعبين، تبين أن الشحن فاق حدوده وأن الضغط أثقل أقدام اللاعبين والنتيجة خسارة و«ضسارة».

في ركن غير بعيد من مستودع الملابس كان المدرب الجزائري رابح سعدان يخفي وجهه بين كفيه، تحول من سعدان إلى زعفان، بينما كان الجمهور المغربي  الذي تكبد عناء السفر، يردد لازمة: «الزاكي ووليداتو حتى فرقة ما غلباتو».

قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى