شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

عندما أنقذ «توبقال» نيجيريا من التقسيم

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

القارة الإفريقية تضم أوسع منطقة صالحة للتنقيب عن الذهب في العالم. في السينغال تحديدا، تبقى منطقة «كيدوغو»، وهي موضوع تقرير حديث عن وضعية النساء اللواتي يشتغلن منذ سنوات في مواقع التنقيب عن المعادن النفيسة، أهم منطقة تُسلط عليها شركات التنقيب العالمية الضوء.

لا يقتصر التنقيب على الذهب والأحجار الكريمة وحسب، بل يشمل أيضا مادة الزئبق السامة، وهذه المادة تؤدي إلى أضرار صحية جسيمة. ولا حاجة طبعا للتذكير بأن شركات التنقيب متعددة الجنسيات لا تفكر في صحة النساء القرويات البسيطات اللواتي يشتغلن يوميا، بظهور مقوسة ومنحنية، للتنقيب، وسط الوديان وأسفل أكوام الأتربة، عن أي بقايا تدل على وجود كمية من المعدن صالحة للاستخراج.

سنويا تُظهر التقارير الدولية تورط شركات تحمل جنسيات دول أوروبية رائدة في مجال حقوق الإنسان وتضمن الرفاهية المطلقة لمواطنيها، مثل الدول الاسكندنافية، والدول الأوروبية الأخرى التي تقود المجالس الخاصة بحقوق الإنسان ومستقبل المناخ. يقلقون باستمرار على اتساع ثقب الأوزون ويخافون من سيناريوهات انقراض الدلافين والحيوانات التي لم تعد تلد أو الأخرى التي لم تعد تبيض، لكنهم يغمضون أعينهم عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في الدول الفقيرة والمسحوقة في عمق القارة الإفريقية.. بل هناك حقوقيون ومثقفون أجانب يتحدثون في كل المواضيع، ويقضون أيام السنة في التنقل عبر مطارات العالم لحضور الندوات والأيام الدراسية ويحاضرون في حقوق الإنسان في مناطق النزاع.. لكنهم يدفنون رؤوسهم في الرمل، كلما تعلق الأمر بمصير سكان القرى الإفريقية المجاورة لآليات شركات التنقيب العالمية عن المعادن.

سنويا تُسرق ملايير الدولارات من قلب إفريقيا، وتُصرف على شكل أحجار كريمة وسبائك ذهبية، دون أن يستفيد جيران تلك المناجم حتى من خدمات الماء الصالح للشرب.. بل إن هناك مثقفين أجانب يُكذبون التقارير التي تفضح هذا الاستغلال الوحشي للقارة الإفريقية بالتواطؤ مع الأنظمة العسكرية التي لا تقوم إلا لتسقط وتحل محلها أخرى.

غير أن هناك دليلا ماديا، لا يتحدث عنه أحد، يكشف بالملموس صحة تورط الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، في تأجيج الصراع في بعض الدول الإفريقية قبل أزيد من نصف قرن، لإضعافها سياسيا واستغلال خيراتها.

يتعلق الأمر بقصة الطائرة الأمريكية التي كانت تنقل كميات من العملة الورقية الجديدة، إلى غينيا بيساو سنة 1969. هذه الأموال كانت تحمل صورة جنرال وصل إلى الحكم حديثا وقتها، وكان يقود قوة محلية انفصالية تدربت على حمل السلاح في نيجيريا. الأمريكيون كانوا حريصين على أن يصل الجنرال إلى الحكم، ووفروا له حتى العملة الجديدة للجمهورية التي سوف يُعلن عنها، ومعها كميات من السلاح.

لكن عندما وصلت الطائرة، ليلة 18 نونبر 1969، فوق السماء المغربية، وكانت بصدد العبور فوق قمم جبال الأطلس، للتوغل في القارة الإفريقية، تعرضت لحادث عنيف. فقد ارتطمت الطائرة بقمة جبل توبقال. نظام الرادار في الطائرة لم يرصد قمة الجبل المسكوة بالثلوج في واحد من أكثر فصول الشتاء التي عرفتها منطقة الأطلس قساوة.

بسبب الثلوج المتراكمة فوق قمة توبقال، دُفنت الطائرة حرفيا تحت أمتار من الثلوج، ولم ترصدها حملات التمشيط عن حطام الطائرة.

كل ما كان يعرفه الأمريكيون أن الطائرة اختفت تماما فوق منطقة الأطلس، ولم يظهر لها أثر نهائيا.

نُسيت القصة، ولم يُكشف للصحافة أي شيء عن شحنة الطائرة ولا المهمة التي كانت تنفذها.. إلى أن حل صيف سنة 1971، الذي كان واحدا من أكثر مواسم الصيف التي سُجلت فيها درجات حرارة قياسية.

انصهرت الثلوج في قمة توبقال وبدأ هيكل الطائرة في الظهور، رصدته الطائرات التي تحلق فوق جبال الأطلس عبورا نحو عُمق إفريقيا، وهو المسار الذي لا تزال طائرة الملاحة الدولية تحافظ عليه إلى اليوم، وسرعان ما هرع الأمريكيون إلى المكان ووجدوا حطام المحرك وهيكل الطائرة والجثث المتجمدة للربان والطاقم الذين كانوا مكلفين بالمهمة السرية. ونشرت «الواشنطن بوست»، وقتها، تقريرا مفصلا عن هذه الرحلة، وافتضح أمر المهمة السرية التي كان الغرض منها تشجيع جنرال عسكري على الانفراد بالحكم، وتقسيم نيجيريا التي كانت تضم واحدة من أغنى المناطق بالمعادن النفيسة.

وفي الأخير يقولون لنا إن هناك من يؤمنون بنظرية المؤامرة أكثر من اللازم، وكأن الأشباح هي التي تخطط لمثل هذه المهام السرية.. والحمد لله أن توبقال قرر أن يوقف مخططا من بين أخرى كثيرة لا بد أنها مرت فوق رأسه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى