شوف تشوف

فاتك القطار 2.1

 

 

 

 

 

ليس هناك مرضى بالزهايمر أكبر من السياسيين، فهم ينسون بسرعة، وأحيانا يعتقدون أن بإمكانهم أن يتغابوا على الناس بارتدائهم جلود الحملان لإخفاء أنياب الذئاب التي يكتسبونها طبيعيا.

ومشكلة السياسيين عندنا أنهم يرفضون مغادرة المشهد السياسي بـ”الخاطر” وبعزهم وكرامتهم ويقسمون جهد أيمانهم ويصرون على عدم المغادرة إلا وهم مبهدلون مهانون.

شباط رفض المغادرة فتمت بهدلته، إلياس العماري غادر و”تنادم معاه الحال” فعاد لكي يبهدل ويغادر مهانا، وبنكيران رفض أن يغادر المشهد السياسي بشرف عندما تخلى المخزن عن خدماته وصرفه عن الحكومة وشؤونها وقرر أن يتشبث بالوهم معتقدا أن إخوانه في الحزب سيقفون إلى جانبه وسيمنحونه ولاية ثالثة عليهم لكي يستمر في حربه على طواحين الهواء، فإذا به اليوم يكتشف الحقيقة المرة التي أشرنا إليها في أكثر من مناسبة وهي أن إخوانه ليسوا مناضلين ثوارا بل مجرد طلاب مصالح ومناصب يأتي أغلبهم من هوامش المغرب إلى الرباط حافيا نحيلا ويستحلي لبس البذلة وربطة العنق فيتكرش ويتحنك ويترقى طبقيا ومهنيا ويستبدل شقة السكن الاقتصادي بفيلا في منتجع الهرهورة، لذلك رفض برلمان حزبه التجديد له لولاية ثالثة، وخرج الرباح يصف بنكيران بالصنم ويقول إنهم ليسوا عبدة أصنام، متناغما مع يتيم الذي سبق له أن قال إن بنكيران ليس رسول الله.

الْيَوْمَ نكتشف أن بنكيران لا يعتقد فقط أنه مبعوث من الله وأنه تحول إلى صنم فقط بل إنه صار يعتقد أنه قادر على العودة إلى الحياة من القبر، وهذا ما قاله في مؤتمر شبيبة حزبه عندما قال إنه سيعود من القبر إذا أراده الشعب.

ظاهر كلام بنكيران يعكس رغبة جارفة في تصدر المشهد لكن باطن كلامه يخفي مخططا انقلابيا مدروسا ضد الحكومة، وقد بدأ فعلا في تنفيذ مخططه بتأزيم الوضع داخل أغلبية حكومة العثماني، انتقاما من إعفائه من رئاسة الحكومة وعزله من طرف إخوانه من قيادة حزب العدالة والتنمية، وهو ما فطن إليه قادة أحزاب الأغلبية، ما جعل إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي يحذر أعضاء المكتب السياسي لحزبه وفريقه البرلماني، بمجلسي النواب والمستشارين، من الانسياق وراء استفزازات بنكيران وأتباعه داخل البرلمان.

وقد بدأت تتضح معالم هذا “المخطط الاستعجالي” منذ الأسبوع الماضي، من خلال الأزمة التي تسبب فيها نواب حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب أثناء مناقشة ملف تقاعد البرلمانيين وداخل لجنة العدل والتشريع، أثناء مناقشة مشروع القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة والقانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذلك المناوشات مع فريق الاتحاد الاشتراكي خلال جلسة الأسئلة الشفوية.

وبدت الصورة أوضح، خلال الجلسة العامة للمؤتمر السادس لشبيبة حزب العدالة والتنمية عندما اختار بنكيران بنفسه في أول خروج له، منذ “عزله” من قيادة الحزب، مهاجمة المحيط الملكي وعزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي.

وزاد بنكيران من تعميق الأزمة داخل الأغلبية الحكومية، معلنا تأييده لموقف الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، تحت قيادة ذراعه اليمنى إدريس الأزمي الإدريسي الذي ترشح لمنافسة العثماني على الأمانة العامة للحزب، بتأكيده على أن حزبه لن يتراجع عن مقترح قانون إلغاء تقاعد البرلمانيين، ولو أدى ذلك إلى سقوط الحكومة، ووصف موقف أحزاب الأغلبية الأخرى الرافضة لمقترح حزبه، بأنه “أسلوب البلطجية”، في إشارة إلى حزب لشكر الذي يتولى رئاسة مجلس النواب.

ويظهر من كلام بنكيران أن الرجل ما زال يحن “نفسيا” إلى الماضي ويتقمص دور رئيس الحكومة وأمين عام حزبه، خصوصا عندما قال إنهم لن يتنازلوا في موضوع تقاعد البرلمانيين، “واش بنكيران عند بالو باقي أمين عام حزب ؟ بأية صفة إذن يطالب ويأمر ويعطي التعليمات ؟

ومن يعود إلى جلسات واجتماعات مجلس النواب سوف يلاحظ أن مناوشات غير مسبوقة قادها برلمانيون محسوبون على بنكيران ضد حلفائهم داخل الأغلبية البرلمانية والحكومة، ولم يسلم من ذلك حتى وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، عندما فرض عليه برلمانيو حزبه تعديلات على قانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن طريق التصويت بالأغلبية، ما جعله يهدد بطرح سحب الثقة من الحكومة أمام البرلمان.

أما لجنة العدل والتشريع فقد شهدت مواجهة ساخنة بين أتباع بنكيران ووزير الوظيفة العمومية، الاتحادي محمد بن عبد القادر، وانتقلت المواجهة إلى جلسة الأسئلة الشفوية التي عقدها مجلس النواب، والتي شهدت “قربالة” بين نواب فرق الأغلبية المساندة للحكومة، عندما احتج فريق العدالة والتنمية على إلقاء إدريس الشطيبي، نائب رئيس مجلس النواب الذي ترأس الجلسة، عن فريق الاتحاد الاشتراكي، لكلمة حول الاحتفال باليوم العالمي للثقافة الإفريقية.

هكذا أخرج بنكيران في الوقت الضائع رشاشه المعبأ برصاص “بيريمي” وشرع في إطلاق النار في كل الاتجاهات، متقمصا دور أكبر معارض في المملكة وناسيا أنه ترأس الحكومة خلال خمس سنوات، وخلال فترة تحمله المسؤولية تمكن من فرض قرارات “لاشعبية” استهدفت جيوب الطبقة الفقيرة والمتوسطة، لم تقدر أي حكومة من قبله على تمريرها.

والظاهر أن بنكيران أصبح يعاني من فقدان الذاكرة، خصوصا عندما انتقد الجمع بين السلطة والثروة، ناسيا أن حكومته هي التي وضعت القانون التنظيمي المنظم لأشغال الحكومة، وهو قانون على المقاس، يسمح بالجمع بين الوزارة والاستثمار، ونسي أنه عندما صار في الحكم رفع شعار “عفا الله عما سلف” بالنسبة للأغنياء، وشرع يدافع عن اغتناء الأغنياء ويسحق الفقراء بالضرائب، كما نسي أن حزبه وفر غطاء سياسيا لرجال أعمال يستفيدون من انتمائهم للحزب الحاكم، من خلال هدايا ضريبية، باستمرار العمل بالامتيازات الممنوحة للأغنياء الكبار في الميدان الضريبي، ما نتج عنه تخلي الحكومة عن 3600 مليار من الضرائب، وفِي مقابل ذلك فرض ضرائب جديدة على الفقراء.

وإذا عدنا إلى خطب بنكيران منذ تحمله مسؤولية رئاسة الحكومة، فإننا نجد أنه كان يدافع بقوة عن الأثرياء والأغنياء، بحجة أنهم هم من يحركون الاقتصاد ولا تنبغي إخافتهم، وقال إن الأغنياء يطبقون القانون وعليهم أن يتمتعوا بعملهم وجهدهم لأنهم يساهمون في حركية الإنتاج، وأن مشروع حزبه ليس ضد رجال الأعمال ولا الأغنياء، كما أنه غازل هذه الفئة وأعلن أن حزبه يدعم الأغنياء، بقوله “واش بغيتونا نبقاو غير رباعة ديال المزاليط ولاكيفاش”.

وإذا نسي بنكيران ما كان يقوله هو وذراعه اليمنى الأزمي فنحن لم ننس، فإدريس الأزمي الإدريسي الوزير “البكاي” السابق المكلف بالميزانية والقيادي بحزب العدالة والتنمية، عارض بشدة فرض ضرائب جديدة على الأغنياء، كما أشهر “الفيتو” ضد كل التعديلات المقترحة للزيادة في الضريبة على ثروة الأغنياء والتي تسمى بالضريبة على “الدخول والأرباح الناتجة عن الثروة”، ورفض الزيادة في الضريبة على الشركات الكبرى التي تحتكر استغلال الثروات الأرضية. وبرر الأزمي هذا الرفض بكون فرض الضريبة على ثروة الأثرياء ستكون له آثار سلبية على الجانب الاستثماري بالمغرب، ومن شأن فرض هذه الضريبة التشجيع على التملص الضريبي مما سيؤثر على موارد خزينة الدولة، وأثبت فعلا أن الحكومة تحمي هذه الطبقة مقابل الزيادة في الضرائب التي تمس الطبقات المتوسطة والفقيرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى