دين و فكر

فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها

أحمد الراقي
الحديث التاسع عشر بعد المائة الثالثة (319)

عن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ له في رِزقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أَثرِهِ، فَلْيصِلْ رحِمهُ» متفقٌ عليه.
صلة الرحم خلق دعا الإسلام إليه، أمر بصلة الأرحام، رغب في ذلك، بين الآثار المترتبة على الصلة في الدنيا والآخرة، حذر من قطيعة الرحم، ففي كتاب الله أمر بصلة الرحم، وترغيب في ذلك، يقول الله جل وعلا: «وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ»، أي: اتقوا الأرحامَ بصلتكم لها، وقال جل وعلا: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ»، وقال تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى»، والمقصود بالرحم أقاربَك من جهة أبيك وأمك، إخوانك وأخواتك، أعمامك وعماتك، أبناء أخيك وأبناء أخواتك، أبناء عمك، وأقاربك من حيث الأب، أخوالك وخالاتك، أقرباء أمك، كل أولئك رحم.
صلتك للرحم ـ يا أخي القارئ ـ تتمثل في أمور، فمن ذلك الإحسان إلى فقيرهم ومحتاجهم، والوقوف معه في شدائد الأمور، زيارتهم، تحسس مشاكلهم، السؤال عنهم، العناية بهم، الاهتمام بشأنهم، إظهار المحبة والشفقة والرحمة بهم، تلك أمور رغب الشارع فيها، «وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ».
وفي الحديث النبوي أن صلة للرحم من واجبات الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)، فجعل صلةَ الرحم من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر، فأكمل الناس إيمانا من كان واصلا لرحمه. وأخبرنا عن مكانة الرحم فقال: (خلق الله الخلق، فلما فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟! قالت: بلى، قال: فذلك لك)، وتقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما: عن رسول الله قال: (من وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله).
فالمؤمن إنما يريد من صلة رحمه قرب يتقرب بها إلى الله، طاعة يطيع الله بها، عملا صالحا يرجو من الله المثوبة عليه في الدنيا والآخرة، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، ليس الواصل الذي يقول: رحمي زارني سأزوره، رحمي دعاني سأدعوه، رحمي أهدى إلي سأهدي إليه، ولكن الأصل أن هذه الأمور والمكافأة بجنس ما أعطي يكون مع الرحم وغيره، فالنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وعلى الإحسان إلى من أحسن، ولكن قضية الرحم تأخذ مسارا فوق هذا كله، وهو أن الواصل يصل من قطعه ليدل على أن تلك الصلة نابعة من إيمان صحيح، فإذا قطعت الرحم وأبعدت الرحم لم يرض بهذا، بل يصل من قطعه منهم، ويحسن إلى من أساء إليه منهم، ويتحمل كل المشاق في سبيل إرضاء ربه جل وعلا، روى مسلم من حديث أبي هريرة أَن رجلاً قال: يا رسول اللَّه إِنَّ لي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحسِنُ إِلَيْهِمِ وَيُسيئُونَ إِليَّ، وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيجْهلُونَ علَيَّ، فقال: «لَئِنْ كُنْت كما قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دمْتَ عَلَى ذَلكَ» قال النووي («وتسِفُّهُمْ» بضم التاءِ وكسرِ السين المهملةِ وتشديد الفاءِ. «والمَلُّ» بفتحِ الميم، وتشديد اللام وهو الرَّماد الحارُّ: أَيْ كأَنَّمَا تُطْعِمُهُمْ الرَّماد الحارَّ وهُو تَشبِيهٌ لِما يلْحَقُهمْ مِنَ الإِثم بِما يَلْحقُ آكِلَ الرَّمادِ مِنَ الإِثمِ، ولا شئَ على المُحْسِنِ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يَنَالهُمْ إِثْمٌ عَظَيمٌ بَتَقْصيِرهِم في حَقِه، وإِدخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيْهِ).
فنبينا يحثنا على صلة الرحم مبيناً لنا نوعاً من ثواب الله جل وعلا وجزائه للواصل في الدنيا والآخرة، كما في حديث اليوم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسَأ له في أثره فليصل ذا رحمه)، إذا فصلة الرحم سبب لبركة الرزق، وسبب لبركة العمر، إما زيادة فيه، أو بركة في لياليه وأيامه وتوفيقاً لعمل صالح.
وفي الأخير فإن في الصلة مشقة وكلفة وتعبا، لكن المؤمن يتغلب على هذه كلها بتوفيقٍ من الله له، وأما أن يسترخي العبد، ويقول: الأمر متعب، من أتاني أكرمته، ومن بعد عني فلست مسؤولا عنه، فهذا أمر مخالف للشرع، فالسنة للمسلم أن يبحث عن رحمه، أن يصل رحمه الصلة الإيمانية التي يرجو بها ما عند الله من الثواب، صلة يرجو بها ما عند الله من الثواب مع الصبر والتحمل لما عسى أن يلقاه، لكن كل شيء يهون على المؤمن إذا كان سعيه في سبيل الله، فيهون التعب والمشقة، ويتحمل كل الأذى؛ لأنه يرجو بما عمله ما عند الله من الثواب للواصلين، يرجو بما عمله ثوابَ الله للواصلين، والله جل وعلا لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً، فمن صدق اللهَ في تعامله فإن الله يوفّقه ويعينه، والله يقول: فَلَوْ صَدَقُواْ اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى