قصة ضيفة الگلاوي التي وصفته بالقرد العجوز ظنا منها أنه لا يفهم الفرنسية
يونس جنوحي
كان الگلاوي يعود إلى الموضوع نفسه مرارا، موضحا أن الأفعال، وليس الكلمات، أساسُ إيمانه، ولطالما كانت هذه قناعته في حياته.
ومع ذلك، فإنه ليس مجرد شخص مُستبد متوحش، لكنه رجل بذكاء كبير، بالإضافة إلى خفة دم جميلة.
في إحدى المناسبات، كانت هناك سيدة زائرة لم تكن تعرف أنه يفهم اللغة الفرنسية. قالت لأحد المرافقين:
-«يا لها من حسرة أن ترى خاتما جميلا كهذا في أصبع قرد عجوز».
لم ينطق الگلاوي بكلمة، إلى أن كانت السيدة بصدد المغادرة، ثم نزع الخاتم من أصبعه وقال:
-«سيدتي، اسمحي لقرد عجوز أن يُهديك خاتما جميلا».
صارت «القرد العجوز» التعبير المفضل عند خصومه، لكنهم كانوا ينطقونها بنبرة خشية أو خوف.
بعض هؤلاء الخصوم كانوا ليندهشوا عند رؤية الگلاوي الذي التقيتُه وهو يبدو فرحا ومنشرحا عندما يمازحني أو أمازحه، أو وهو يواسيني برقّة عندما أخبرته أنّ لديّ ثلاث بنات وليس لدي أبناء ذكور. أو عند مناقشة شخصيات لعبة الغولف. لقد أنشأ ملعب الغولف الخاص به بالقرب من مراكش. أو عندما نتناظر حول الجوانب الفكرية الخاصة بكل من باريس ولندن.
عندما يثير موضوع ما اهتمامه، فإن شرارة جديدة من الحيوية تلمع في عينيه المُتعبتين، ويفقد وجهه قناع العياء الذي كان نتيجة حياة طويلة وعصيبة عاشها. واللسان الذي انتقد الخصوم بغضب، صار رقيقا تماما مثل الرقة التي تُعامل بها ممرضة طفلا مريضا.
لاحقا علمتُ أن عبارة لاذعة، وأكثر من ذلك، يمكن أن تُثير لديه استفزازا خفيفا. من المدهش أنه لم يستنفد كل الطاقة الاحتياطية التي يمكنه الاحتفاظ بها، ولكن لا يزال هناك احتياطي كبير في مُتناول يديه.
سألتُ، في وقت لاحق، أحد القادة الوطنيين:
-«كيف تتصورون حلّ الأمور مع الگلاوي؟».
-«أوه، يوما ما سيموت».
كان هذا تملصا سخيفا من السؤال. بالتأكيد سيموت الگلاوي، لكن الأكيد أن هناك من سيخلفه. هناك الكثير من التكهنات عندما يتعلق الأمر بالميراث. بالرجوع إلى الشريعة القرآنية، فإنه ليس بالضرورة أن يكون الوريث هو الابن الأكبر. للگلاوي سبعة أبناء.
سي إبراهيم، الذي استقبلني واحتفى بي سابقا، كان هو الأكبر. وورث وسامة وسحر والدته التي لم تكن لديها أي ثروة باستثناء جمالها الكبير. لاحقا توفي أخ الگلاوي، وحسب التقاليد أخذ زوجات الرجل الميت. إحداهن تنحدر من عائلة مهمة جدا. كانت ابنة محمد المقري الذي كان الوزير الأعظم للمغرب لأكثر من أربعين سنة. ومن هنا فإن ابنها، سي صادق، لا يمكن أن يُترك خارج الاعتبار. لديه فكر لامع، وهو على العموم يحظى بشعبية.
مع ذلك، فإن الدلائل تشير حتى الآن إلى أن سي إبراهيم هو الوريث.
في وقت من الأوقات، كان الفرنسيون يفكرون في تقسيم سلطة الباشا الواسعة بين أبنائه. معارضته القوية لحزب الاستقلال قد تغير هذا الرأي. بين الفينة والأخرى تأتي إشاعة من فاس مفادها أن ابن الكلاوي، هذا أو ذاك، يتعاطف مع أهداف الحزب.
هذا الأمر مرفوض بشكل قاطع. أبناء الگلاوي وطنيون، بالمعنى الوطني لدى معظم المغاربة، أي في حبهم لبلدهم والاهتمام بتقدمه، لكنهم حتى الآن لم يُظهروا أية إشارات على وجود ميولات ثورية لديهم، مفضلين حدوث تغييرات تدريجية مع التعاون الفرنسي.
صدقا، إن الأبناء المسلمين يبقون تابعين جدا لأبيهم – خصوصا إذا كانت لديه شخصية مثل شخصية الگلاوي- وإذا حدث وكانت لديهم آراء معارضة، فإنه من غير المرجح أن يُعبروا عنها في حياته.