
حسن البصري
حين كنا صغارا نرابط في الطاولات الأمامية للفصول الابتدائية، أوهمتنا المناهج التعليمية أن الفقير يقضي لياليه مرتاح البال، فيما يجثم الأرق على جفن الغني الذي يعد ماله ويعيد عده، وحين سئم من حياة الثراء طرق باب الفقير ليعرض عليه أمواله وينعم براحة البال، لكن الفقير «الشهم» رفض العرض وأعرض عن الجاه، وفضل اعتناق وسادة الخصاص كل مساء، والعهدة على أحمد بوكماخ.
صدقنا في طفولتنا رواية «الفقير والغني»، قبل أن نكتشف زيف هذه السطور التي استغبت عقولنا وعقول مدرسينا أيضا، وفي المرحلة الإعدادية سنقرأ أشعار المتنبي وسنعيد ترتيب أفكارنا الطرية، وسيتبين لنا أن الشقاء لا ينتج عن الثراء، وأن العاقل يشقى في النعيم بعقله، بينما «أخو الجهالة في الشقاوة ينعم».
ينطبق هذا الاستهلال على هشام أيت منا، رئيس الوداد الرياضي، الذي قضى أيامه في مونديال الأندية وهو يعد ملايير منح الاتحاد الدولي لكرة القدم، ويشيد بسخائه. لكنه عاش كالثري الذي عشنا معه في رواية «الغني والفقير» مهموما مكسور الوجدان. يوزع مال «الفيفا» في صفقات غريبة، لم يسبق لأي ناد مغربي أن عاشها.
استعان أيت منا بلاعبين «جوتابل» تنتهي صلاحيتهم بصافرة الإقصاء، كأداة الحلاقة الرخيصة.
استعان بخبراء عابرين ووسطاء دفعوه إلى بيع الجمل بما حمل.
استعان بصحافيين لا تستقيم كتاباتهم، إلا إذا اقترنت بعبارة «شاهد قبل الحذف».
استعان بمدرب يعشق «الشاو» ويتقاسم معه الرغبة في تصدر الترتيب العام لـ«التراند»، بدل تصدر مجموعة كأس العالم للأندية.
لكن لا بد أن يتجرع كل عابر للمونديال مرارة الألم فيغبط الخارجين من جنة كأس العالم للأندية، ويحسدهم لهناء بالهم كما يحسد غني بوكماخ جاره الفقير.
نحمد الله ونشكره لأن مونديال الأندية لم يكرر سيناريو «تذاكر قطر»، ولم يسجل أي انفلات في هذا الجانب، وكل من ذهب إلى أمريكا ابتغاء اغتناء سريع استحضر تبعات تذاكر مونديال الدوحة، فأعرض عن المتاجرة في الشغف الجماهيري، وآمن بأن النظام الأمريكي لا يتساهل مع المفسدين، مهما علا شأنهم.
لكل مونديال ضريبته، قد يدفعها اللاعب أو المسير أو المدرب، ففي أول مشاركة لفريق مغربي في كأس العالم للأندية بالبرازيل سنة 2000، امتنع المدرب أوسكار عن مرافقة الرجاء إلى أرض سحرة الكرة، وأصر على لي ذراع الرجاويين، فركبوا الطائرة بدون مدرب، ومن هنا بدأت محنة أوسكار التي ستنتهي بفاجعة.
مباشرة بعد مونديال الأندية سنة 2013، كبرت شهية محمد بودريقة للمال السائب، حين أقدم على تحويل منحة «الفيفا» إلى حسابات شركاته، وهو ما كشفت عنه الصحف المغربية في حينه.
قام بودريقة قبل اثنتي عشرة سنة، بتسمين حساباته البنكية، في الوقت الذي كان الجمهور الرجاوي يطلب دعما عائليا لاستكمال ملحمة مونديال الأندية، وهو يردد موشح: «والواليدة رسلي اللعاقة الرجاء باقا».
كأس العالم للأندية أسقطت وزيرا من كرسي وزارة الرياضة، بسبب تساقطات مطرية جعلت اسم محمد أوزين مقترنا بـ«سطل وكراطة».
وقبل مونديال الأندية بالإمارات سنة 2017، تلقى سعيد الناصري، رئيس الوداد الرياضي، صفعة على قفاه، بسبب إقحام اسم ممنوع من الصرف في لائحة المكتب التنفيذي، فتنبه له القصر وأصبح الرئيس ومن معه على فعلتهم نادمين.
اليوم يتبين أن مال الكرة لا يجر إلى السجون، والدليل أن كل رؤساء الأندية الصادرة في حقهم أحكام قضائية، أو الذين ينتظرون دورهم، أدينوا بتهم أخرى لا علاقة لها بالكرة، وحده رئيس أولمبيك آسفي الحيداوي كان استثناء، حين حوكم في قضية بيع تذاكر.
حين سيقترب قضاة العدوي من مقرات الأندية المغربية، ستعلن مندوبية التامك عن تخصيص أجنحة لمن اغتنوا من مال الكرة.