خاص

كنت صحفيا فأصبحت وزيرا

لم تعد الصحافة «كاشفة العورات» وصانعة الرأي العام والمؤثرة فيه، بل تحولت في ظل «كوطا» التحالفات السياسية إلى معبر آمن نحو كراسي الاستوزار. فقد شاءت الأقدار أن يتحول كثير من المشتغلين في مهنة المتاعب إلى وزراء يعيشون الرخاء بعيدا عن المتاعب.
تخلص العديد من الصحافيين من صفة زميل ووضعوا القرطاس والقلم في دولاب للحفظ. ونالوا صفة وزير مع ما يسبقها من ألقاب فخرية تضعهم في منزلة «معالي» أو «سعادة الوزير» عوض كلمة «الزميل» التي لازمت مسارهم المهني.
في السابق كان منصب وزير للأنباء أو الإعلام محجوزا للصحافيين، لكن شرط الاشتغال في قطاع الصحافة لا يكفي لنيل حقيبة وزارية، بل لا بد من الصفة السياسية والتزكية الحزبية لتصبح وزيرا متخلصا من ضغط الإصدار ومخاطر المهنة التي أصبحت لها طريق سالكة نحو القضاء. بعد سنوات الإبحار الشاق في عالم الصحافة، والسباحة في الحبر الأسود، تتغير الأحوال حين يتعدى الصحافي عتبة الوزارة، ويصبح وزيرا كامل الأوصاف لا يقبل بيانات حقيقة.
«الأخبار» تقدم جردا لوزراء بسوابق إعلامية.

جريدة «الرأي العام» جسر بن سودة وبوطالب إلى الملك
مباشرة بعد ميلاد حزب الشورى والاستقلال، في النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي، شرع مؤسسه محمد بن الحسن الوزاني، في وضع اللبنات الأولى لإنشاء جريدة تكون بمثابة لسان حال الحزب، اختار لها اسم «الرأي العام»، وجعل من الدار البيضاء مقرا لها وأسند إدارة تحريرها لأحمد بن سودة، وبعد سنوات من المخاض خرج إلى الوجود العدد الأول من الصحيفة، وتحديدا يوم الأربعاء 6 أبريل 1947 م.
قال الأمين العام للحزب في أول اجتماع مع مناضلي التنظيم، إن الصحيفة يعول عليها «لترجمة الأفكار التحررية التي نحملها والتي تشبعنا بها في فرنسا»، فهم المناضلون، الذين تحولوا إلى صحافيين، الرسالة جيدا وعملوا إلى تكريس سياسة البيع النضالي وفق مخطط وضعه أحمد بن سودة. واعتبرت «الرأي العام» بمثابة صوت الأغلبية الصامتة، التي لا تدين بالولاء لحزب الاستقلال.
في ظل هذا السجال الإعلامي، صودرت صحيفة «الرأي العام»، في أكثر من مناسبة، والغريب أن المنع تم بعد حصول المغرب على الاستقلال وليس أثناء الحماية الفرنسية. وهو ما يتحدث عنه عبد الهادي بوطالب في مذكراته، وهو أيضا كاتب عمود رأي (هذه سبيلي) في ذات الصحيفة التي ينتمي إلى لونها السياسي.
«كانت الشرطة تداهم مقر جريدتي «الرأي العام» الصادرة بالعربية و«الديمقراطية» الصادرة بالفرنسية بشارع دانطون بالدار البيضاء، ودخلت قوات الشرطة والقوات المساعدة التابعة لوزارة الداخلية إلى مكاتب صحافة الحزب فأخرجتنا بالقوة جميعا ومن بيننا الوزاني وأحمد بن سودة، وهيئة تحرير الجريدة وأيادينا مرفوعة».
كان ابن سودة عنيدا في مواقفه الوطنية، سليط اللسان، حاد الأسلوب في الكتابة، مما سبب إزعاجا مستمرا للمحتل الفرنسي، فأذاق بنسودة ألوانا من العذاب، وسلط عليه أساليب المحن وشتى المضايقات، كما يقول بوطالب. لكنه تحول من صانع للرأي العام إلى صانع للقرار، إذ تقلد أحمد بن سودة العديد من المناصب السياسية بالرغم من معارضة الاستقلاليين، وانتهى به المطاف مستشارا للملك الحسن الثاني، علما أنه كان أول وزير للشبيبة والرياضة بعد الاستقلال، ناهيك عن مناصب أخرى في دائرة القصر وفي ملف الصحراء.
خلال العشر سنوات التي قضاها عبد الهادي بوطالب في حزب الشورى والاستقلال، ظل الرجل حريصا على الوفاء لمبادئه التي أدخلته خندق الصراع مع الاستقلاليين ومع القصر، وكانت كتاباته على الصفحة الأولى من «الرأي العام» تعبر عن موقف الحزب، قبل أن يتم اختياره من قبل محمد الخامس مدرسا لولي عهده الأمير سيدي محمد بالمدرسة المولوية، حينها قلص من كتاباته ومن جبهاته. وتقلد الراحل عبد الهادي بوطالب طيلة عقدي الستينيات والسبعينات من القرن الماضي، عدة مهام دبلوماسية ووزارات، كوزارة العدل، ووزارة التعليم على عهد الجنرال أوفقير، وما تخلف عنهما من تصادم بينه وبين الجنرال أوفقير، إضافة إلى تقلده منصب وزير خارجية المغرب.

المكي الناصري.. الصحفي والمعلم الذي أصبح وزيرا للأوقاف

ولد محمد المكي الناصري في يوم 11 دجنبر عام 1906 بالرباط، وتلقى دراساته الأولى بمعاهد الرباط. ثم انتقل طلبا للعلم وتتميم دراسته في الخارج، وخلال دراسته الجامعية سنة 1932 تخصص في الثقافة الإسلامية العربية، وفي فروع الفلسفة والاجتماع بكلية الآداب بجامعة باريس، وفي مادة القانون الدولي العام بكلية الحقوق بجامعة جنيف. حيث كان يعمل كاتبا خاصا لأمير البيان شكيب أرسلان أثناء إقامته بسويسرا، ومنه تعلم أصول وقواعد العمل الصحافي.
رغم حضوره القوي في المشهد الطلابي في الغرب، إلا أنه ترأس عدة بعثات طلابية إلى الشرق الأوسط حيث كان عضوا مؤسسا وعاملا في لجنة تحرير المغرب العربي التي أنشأها محمد عبد الكريم الخطابي في القاهرة، وعين عضوا في الوفد الذي قام بتمثيل المغرب ورفع شكواه والدفاع عن قضيته لدى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة من سنة 1951 – 1955، وقيل إنه هو من كتب الشكوى.
وقد أسس عدة صحف ومجلات وطنية وعلمية وأدبية كالمغرب الجديد، والوحدة التي كانت تتناول عدة مواضيع مختلفة.. وله عدة أبحاث ودراسات علمية وأدبية، وأشعار وقصائد وطنية وأخلاقية واجتماعية تناول دراستها مؤرخو الأدب المغربي.
حين عاد إلى المغرب انشغل بالصحافة وبالتربية والتعليم، حيث كان مدرسا في مدينة تطوان، وتحديدا في المدرسة الأهلية، التي كانت لها فروع في جل مدن المنطقة كالعرائش والقصر الكبير وشفشاون، لذا خصص حصصا لتلاميذها حيث كان يقطع المسافات من تطوان إلى ضواحيها من أجل رسالة معلم يتقاضى راتبا لا يكفيه في تنقلاته للمدارس الفرعية قبل أن يصبح مفتشا بنفس المؤسسة ومشرفا إداريا عليها.
موازاة مع مهامه كمربي للأجيال، اشتغل الناصري طويلا في العمل الجمعوي، وكتلة العمل الوطني على الخصوص، التي كانت أول هيئة وطنية سياسية تأسست بالمغرب عام 1925، كما كان مندوبا وممثلا لجمعية الطلبة المسلمين في شمال إفريقية بالمغرب عام 1934.
تقلد المكي الناصري مناصب سامية في الحكومة، حيث سيعين وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافية في نونبر 1972 في حكومة أحمد عصمان، التي تلت المحاولة الانقلابية التي استهدفت الملك الحسن الثاني، وجاء تعيينه خلفا لأحمد بركاش في الأوقاف والدكتور الحبيب الفهري في الثقافة.
أصدر الناصري جريدة «الشعب»، باسم حزب الوحدة والاستقلال، وظهر أول عدد منها بطنجة يوم السبت 6 يوليوز 1952، لكنها لم تستمر.

محمد الوفا.. مدير مطبعة الرسالة الذي أصبح وزيرا

بحكم تخصصه في الاقتصاد، فقد كان محمد بوستة، «راعيه الرسمي» في حزب الاستقلال، يقترح اسم الوفا في كل منصب يتعلق بالجانب المالي، لذا تم تعيينه من طرف اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في منصب المسؤول المالي والإداري لمطبعة الرسالة التابعة للحزب، التي كانت تطبع العلم ولوبينيون وصحفا أخرى. وقد كان وراء نقلها إلى مقرها الحالي في «القامرة». إلا أن علاقته مع مستخدمي المطبعة كان يطبعها التوتر، وحصلت انتفاضات داخلية ضد بعض قراراته. لم يكن الوفا يجلس في مكتبه بل ظل يراقب العمل ويجادل تقنيين في مجال الطباعة بل ويتدخل في عمل تفاصيل العمل الصحافي، حيث شملت غارته بعض صحافيي العلم و«لوبينيون» الذين لطالما اشتكوا من تدخل مدير المطبعة في الخط التحريري. وقضى ابن مراكش في هذا المنصب أربع سنوات. «تم تعييني بقرار من المجلس الإداري مديرا عاما لشركة الرسالة التي تصدر جريدتي العلم ولوبنيون، في إطار عقد عمل موثق، وكانت المهام التي حددها لي المجلس الإداري تتلخص في هدفين اثنين: الهدف الأول: إنقاذ الشركة من التدهور المالي والتدبيري التي كانت عليه. الهدف الثاني: إدخال التكنولوجيا الحديثة في طباعة الجريدتين. وهذا ما قمت به، حيث أن مبيعات الجريدتين ارتفعت بشكل مهم، وتم تحسين وضعية العاملين بالمؤسسة عن طريق إصدار شبكة للأجور لأول مرة في تاريخ الصحافة المغربية، وكذا أداء الديون التي كانت بذمة الشركة لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي، وإدارة الضرائب، وتم تعميم عقد التأمين مع شركة التأمين «الوطنية» على كل العاملين بالمؤسسة، ومن جهة أخرى تم بناء المقر الجديد لجريدتي العلم ولوبنيون عند مدخل مدينة الرباط، واقتناء آلة طباعة جديدة ومتطورة بالألوان. وكان عقد العمل حدد التعويضات التي أتقاضاها في 30 ألف درهم شهريا، وهو نفس التعويض الذي كان يتقاضاه المديران الآخران بالمؤسسة».
دخل محمد الوفا عالم الاستوزار من بوابة حكومة بنكيران كوزير للتربية الوطنية ما بين 3 يناير 2012 و 10 أكتوبر 2013. قرر حزب الاستقلال توقيفه من مهامه الحزبية في يوليوز 2013، «لعدم خضوعه لقرار الحزب» الانسحاب من الحكومة. وهو يشغل حاليا منصب وزير منتدب مكلف بالشؤون العامة والحكامة في حكومة بنكيران الثانية.

محمد الكحص.. حول مكتبه بالوزارة إلى قاعة تحرير
لم يكن محمد الكحص الصحافي بجريدة «ليبراسيون» اللسان الفرنسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتقد أن الصحافة الاتحادية ستحوله إلى وزير، لأن ابن مدينة تازة كان حريصا على أن يعيش في كنف مهنة المتاعب، لكن قدر التناوب ساقه لمنصب كاتب للدولة في الشباب، فقضى فيها فترة طويلة دامت خمس سنوات.
بعد حصوله على شهادة الباكلوريا انتقل الشاب الاتحادي العقيدة إلى مدينة نانسي الفرنسية لمتابعة دراسته الجامعية بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، ثم توقف في مدرسة الصحافة بستراسبورغ، ليعود إلى المغرب وبحوزته شهادة «الميتريز» في العلوم الاقتصادية ودبلوم الدراسات المعمقة في التسيير وكذا دبلوم الدراسات العليا في الصحافة، مما جعل أبواب جريدة «ليبراسيون» مشرعة أمامه، ليشغل بها منصب مدير التحرير سنة 1993، كما يقول رفاق دربه. دخل الكحص التشكيلة الحكومية بدعم من محمد اليازغي الذي كان يعول عليه في تعزيز تياره السياسي، إلا أن محرقة مخيم إفران سنة 2005، عبثت بنوايا الحكص وحولته إلى وزير مدان.
غاب الرجل طويلا عن السياسة، لكن الكحص ظهر مجددا في الفن السابع، حين ترأس لجنة تحكيم مهرجان سينمائي، لكن ما يحسب له عدم التفريط في رفاقه الصحافيين، حيث نقل إلى مكتبه نخبة من أصدقائه وزملائه السابقين كمعاونين ومستشارين في إدارة الوزارة.
انتخب الكحص برلمانيا في مدينة الدار البيضاء بتراب عمالة البرنوصي زناتة، وفتح مقرا في هذا الحي الشعبي حوله إلى مكتب شكايات، ينصت فيه لمعاناة البسطاء، الذين كانوا يؤمنون بأن الإنصات إلى أحزانهم جزء من الحل. قال الكحص في حوار مع إحدى المجلات إنه بإمكان أي شاب مغربي أن يصبح وزيرا، لكن لا أحد شاطره هذا الرأي.

أحمد العلوي.. الوزير الذي أرهب الصحافيين والوزراء

تصف كتابات التاريخ السياسي الحديث أحمد العلوي، بالوزير الدائم، فحين لا يجد له الملك قطاعا على مقاسه يضعه في خانة وزراء الدولة الذين لا حقائب لهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لقد ظل الرجل اسما مرعبا للوزراء ورجال السلطة والصحافيين، بعد أن استمد سلطته من قرابته من محيط الأسرة الملكية، إذ كان مساعدا للملك الراحل محمد الخامس، وحين خلفه ولي عهده ظل أحمد محافظا على نفس الموقع ولم يتأثر بانتقال السلطة، إذ رسخ مكانته مع الحسن الثاني بقفشاته خلال جلساته الخاصة والعامة، لكن في مقابل القفشات يملك «مولاي أحمد» قناعا آخر بتقاسيم السلطة والقسوة والجبروت.
حين عينه الحسن الثاني على رأس مؤسسة إعلامية مخزنية من قبيل «ماروك سوار»، بجميع فروعها، اعتقد الكثيرون أن التعيين مجرد جبر للخواطر، لكن الرجل كشف في إحدى افتتاحياته أسباب نزول القرار وتحدث عن مساره التعليمي وشواهده في مجال الإعلام. كما فند الأقاويل التي تحدثت عن وجود قلم فرنسي يخط كل صباح «الافتتاحية» كي يذيلها توقيع مولاي أحمد العلوي، الذي ظل يوظف كتاباته للتصدي لكل من يشكك في جدوى الملكية، حتى عرف في الوسط الصحافي بالإعلامي الذي يكتب مرافعات ترسم الخط التحريري للمؤسسة الصحافية.
عايش العلوي الملوك الثلاثة، ذهب إلى فرنسا لدراسة الطب لكن السياسة استهوته منذ أن كان مراسلا لجريدة العلم من باريس، بعد أن حجز لنفسه مكانة في وسط الجالية المغاربية لعلاقته العائلية مع المحيط الملكي، وحين عاد إلى المغرب عين وزيرا للأنباء والسياحة وأضيفت لاختصاصاته الفنون الجميلة، وظل وزيرا للدولة من غشت 1983 إلى غاية تسعينات القرن الماضي، ضمن الحكومة الثالثة والعشرين، ثلاث سنوات من «الشوماج» الوزاري المؤدى عنه.
ابتلي بحب الصحافة، وكان يعشق منصب وزير للإعلام ورغم الاستوزار ظل الرجل حريصا على كتابة عمود في جريدة لومتان، بل إنه تحول إلى ناطق «غير رسمي» للقصر، ويردد المقربون منه حكاية طريفة تعود لشهر ماي 1960، حين كان العلوي مكلفا بعرض أسماء الوزراء المرشحين لدخول الحكومة، ولما اكتشف أنه غير موجود ضمن اللائحة، لم يتردد في إضافة اسمه إلى قائمة الاستوزار كوزير للإعلام.
مات أحمد العلوي، الرجل الذي كان رجال السلطة يفهمون توجهات الملك من افتتاحياته، في السابع من دجنبر 2003، بعد معاناة مع مرض أقعده وحوله إلى وزير بكرسي متحرك.

الخلفي.. من الراية إلى التجديد إلى وزارة الاتصال

جمع مصطفى الخلفي بين التخصص العلمي والديني والسياسي، وفي حقيبته تعايشت الفيزياء بالدراسات الإسلامية بالعلوم السياسية في خلطة أتاحت للرجل هامشا كبيرا لاختيار مناصبه.
بدأت ميولاته السياسية أثناء الغزو الأمريكي للعراق حين كان يتقدم الحركات الاحتجاجية الطلابية، قبل أن يصبح ناطقا رسميا باسم فصيل الطلبة التجديديين، الامتداد العضوي لحركة الإصلاح والتجديد سابقا، التي أصبحت تسمى «العدالة والتنمية».
ظهرت ميولاته الصحافية وهو طالب حيث عرفت كتاباته طريقها إلى الإعلام المكتوب، وهو ما جعله يشتغل كصحفي في جريدة الراية ومنها نال منصب مدير نشر «التجديد»، الذراع الإعلامي لحزب العدالة والتنمية، مرورا بالكتابة الجهوية للحزب في القنيطرة، وحين صعد حزبه إلى السلطة كان أبرز المرشحين لمنصب وزير الاتصال.

المساري.. المحرر الصحفي الذي تحول إلى وزير
برز اسم محمد العربي المساري في الحقل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي المغربي، لكنه يصر في حواراته على أن يرتدي قبعة الصحافي، التي اشتغل بها على امتداد ستة عقود من الزمن، حيث ناضل من أجل حرية الصحافة سواء كصحافي في جريدة العلم أو كوزير للاتصال.
ولد المساري في مدينة تطوان التي أنجبت في بداية القرن الماضي عددا كبيرا من الشخصيات التي تألقت في مجال الصحافة. تدرج في سلم مهنة المتاعب منذ منتصف الخمسينات في الإذاعة الوطنية المغربية، لكنه سيتألق في الصحافة المكتوبة وتحديدا أثناء التحاقه يجريدة العلم، حيث دخلها محررا عاديا وغادرها مديرا بعد أن شغل لفترة طويلة مهمة رئيس تحرير، بموازاة مع ذلك دخل المشهد النقابي حين انتخب أمين نقابة الصحافة الوطنية المغربية، وكانت له إسهامات في تكوين رجال الإعلام خاصة المكتوب منه. بل إنه أصبح رئيسا لاتحاد المغرب في أكثر من مناسبة مصرا على أن تظل الكتابة الصحفية والأدبية وجهين لعملة واحدة.
تولى ابن تطوان منصب وزير الإعلام سنة 1998 في أول حكومة تناوب في تاريخ المغرب بقيادة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، وكان هذا الأخير يقول عنه إنه «ضمير الإصلاح». وفي الجانب السياسي أيضا، التحق منتصف ستينيات القرن الماضي بالمجلس الوطني لحزب الاستقلال، وأصبح من قادته، كما تم تعيينه سفيرا لبلاده لدى البرازيل ما بين عامي 1985 و1991.
شغل المساري أيضا منصب رئيس لجنة الجائزة الكبرى للصحافة المغربية، وكان بيته في الرباط منتدى للإعلاميين والمثقفين المغاربة والأجانب، إلى أن عجزت النخب السياسية عن التفريق بين لمساري الصحافي ولمساري الإعلامي. في حفل تأبينه اختلط رجال الفكر برجال السياسة بالشعراء بالصحافيين، وحين نعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الراحل، وصفته بـ«أحد الرموز المناضلين والكتاب والصحفيين ورجالات الدولة المعروفين بدفاعهم المستميت عن القضايا الوطنية».

عبد القادر الصحراوي.. كاتب افتتاحيات «المحرر» الذي تمرد على الحزب

قبل أن تسند إليه مهمة وزير للأنباء في فترة عصيبة من تاريخ المغرب، وسط أجواء الانقلاب والتمرد، كانت التقارير التي يضعها محمد أوفقير أمام الملك الحسن الثاني تجمع على أن قلم عبد القادر الصحراوي قادر على تحريك الفتنة، من خلال الافتتاحيات التي كان يكتبها في جريدة «المحرر» لسان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
في مطلع السبعينات من القرن الماضي، نصح العارفون بشؤون السياسة الملك الحسن الثاني، بمنح حقيبة وزارية لأحد أشرس الصحافيين في الاتحاد الوطني وسيسند إليه وزارة الإعلام. وهو الذي عرف بكتابته افتتاحيات نارية ضد النظام، من أشد خصوم رفاقه المعارضين. قبل الصحراوي المنصب فغضب منه رفاقه الاشتراكيون ومنهم من اعتبره خائنا لمبادئ الحزب، في سيناريو تكرر بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وعبد اللطيف السملالي حين قرر هذا الأخير الجمع بين وزارة الشبيبة والرياضة وعضوية الحزب. قبل أن تظهر نماذج سبقته إلى الاستوزار على غرار المستشار عبد الهادي بوطالب الذي غادر حزب الشورى والاستقلال إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وقبله أحمد بن سودة الذي كان يرسل راجماته في صحيفة «الرأي العام» ثم أصبح سفيرا للمغرب في لبنان ووزيرا للشباب والرياضة، ثم مستشارا في الملفات العربية والإسلامية.
نال الصحافي عبد القادر الصحراوي منصب برلماني فصعب عليه الجمع بين الصحافة والسياسة، لكنه قرر فك علاقته بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وقرر أن يحشد جهوده لإعادة ترميم العلاقة بين الصحافيين والدولة حين عين وزيرا للأنباء من 11 غشت 1971 إلى 20 نونبر 1972.

اليوسفي.. المعارض الذي مزج الصحافة بالسياسة
رغم أن أغلب الكتابات التي لامست حياة عبد الرحمن اليوسفي تركز على مساره كرجل قانون، وتقفز على فترة مهمة من حياته قضاها في كتابة المقالات والخواطر السياسية وفي تعليم النشء أيضا، خاصة بالدار البيضاء، إلا أن الرجل لا يلغي «هذا المرور الإعلامي» من حياته كسياسي وكإعلامي وكمناضل يساري، وأبرز مؤسسي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأحد صناع «التناوب».
صحيح أن عبد الرحمن اليوسفي ولد يوم 8 مارس 1924، في مدينة طنجة، إلا أن مدينة الدار البيضاء تعتبر مسقط قلبه ووجدانه، حيث قضى فيها فترة كبيرة من حياته، بل إنه يعتبر من بين مؤسسي فريق الاتحاد البيضاوي بمعقله «كريان سنطرال».
اجتاز الشاب عبد الرحمن الباكالوريا الحرة، فعين للتدريس بمدرسة فاطمة الفهرية الحرة قرب جامع ولد الحمرا قبالة ميناء الدار البيضاء، لكنه سرعان ما انتقل إلى مدرسة الاتحاد بالحي المحمدي ومنها بدأ يخط لرجال الحركة الوطنية أولى بيانات الغضب التي نشرت في الصحف، قبل أن تطرده السلطات الاستعمارية من مصنع السكر ومن القسم بعد أن شعرت بحجم الخطر القادم من فصله الدراسي.
ولأن رب ضارة نافعة، فقد قرر اليوسفي استكمال تعليمه في مجال القانون، فأصبح محاميا بنفس أريحية المدرس، غير أن المحامي سيصبح صحفيا، بعد أن استهوته الكتابات النارية في صحافة حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لاسيما حين شغل منصب رئيس تحرير صحيفة «التحرير» الناطقة بلسان المعارضة، فكانت كتاباته أشبه بمرافعات نارية مثيرة للجدل.
بعد مرور سنوات عديدة من الصراع ضد القصر، قبل عبد الرحمن يد التناوب التي امتدت إليه، وأصبح المحامي والصحافي المعارض وزيرا أول، لكنه مع مرور الوقت سيكتشف أن الانتظار أهون من الاستوزار وأن التناوب «غلطة العمر» فغادر صوب مدينة كان الفرنسية التي حولها إلى باحة استراحة.

عبد الكريم غلاب.. كاتب عمود مع الشعب الذي يمارس الغولف

لم يمارس عبد الكريم غلاب مهنة أخرى سوى الكتابة، فالرجل اختزل حلمه في القرطاس والقلم. بل إنه ظل يؤكد للمقربين منه عزمه على أن تظل صفة الأديب تلفه إلى أن يلفه الكفن الأخير. لكن الرياح جرت بما اشتهاه الحسن الثاني، حيث أصبح الروائي والصحافي عبد الكريم وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول، يتأبط ملفات الإصلاح الإداري.
لم يجد الرجل بدا من التخلص من عباءة الأديب وهو الذي شغل منصب رئيس اتحاد كتاب المغرب، كما اضطر تحت الإكراه السياسي إلى إنهاء علاقته مع أبطال روايته والاهتمام بوقائع حقيقية أملتها النزعة الحزبية بحكم انتمائه لحزب الاستقلال وتشبعه بفكر علال الفاسي.
دخل الحزب من جديد مرحلة الحكم ونال عبد الكريم صفة رئيس منتدب، وأصبح يقضي جل أوقاته في مكتب مكيف جعله ملحقة لجريدة العلم يكتب منه افتتاحيات نارية لا تتردد في انتقاد الوضع السياسي الذي يحكم البلاد، وهي المقالات التي حملها ذات يوم «أصحاب الحسنات» إلى الحسن الثاني فاستشاط غضبا منها وقرر كسر قلم رجل عرف بانسجام مواقفه مع قناعاته. بل إن الرجل قضى في سجن لعلو فترة اعتقال بسبب كتاباته في جريدة العلم التي كانت تزعج النظام وتحتم عليه اقتحام مطبعة ومكاتب المؤسسة الإعلامية، خاصة عموده اليومي «مع الشعب»، رغم أن ما كان يعاب عليه هو ممارسته رياضة الغولف فور الانتهاء من كتابة هذا العمود.
راهن امحمد بوستة على منح الصحافي عبد الكريم غلاب حقيبة الشؤون الثقافية، لكن الملك الحسن الثاني كان يفضل أسماء أخرى، فأحيل صاحب «المعلم علي» على الوزارة المنتدبة للإصلاح الإداري ضدا على رغباته وانسجاما مع رغبات الحزب، وحين غادر الاستقلاليون مركب الحكومة عاد غلاب إلى قواعده الصحافية سالما.

المسيوي.. اقترح على صحافيي رسالة الأمة اقتناء الجريدة

في ليلة تأبين عبد العزيز المسيوي، خلال شهر أبريل من سنة 2011، لوحظ وجود عدد من الرياضيين ورجال الإعلام، ودار حديث عن توغل الرجل في مجالات التربية والتعليم والرياضة والإعلام قبل أن يخوض غمار السياسة.
وحين ووري جثمان الفقيد الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، كانت كلمات التأبين تسلط الضوء على رجل متعدد الاختصاصات، بين ما هو رياضي ونقابي وسياسي وإعلامي تربوي، كما تولى بعض المهام السياسية، من بينها كاتب الدولة لدى وزير الخارجية مكلف بالعلاقات مع اتحاد المغرب العربي، وشغل لفترة طويلة مهمة مدير ديوان وزير الشباب والرياضة عبد اللطيف السملالي، ناهيك عن موقعه كنائب برلماني باسم الاتحاد الدستوري لمدة 18 سنة من 1984 إلى 2002، كما برز في مجال التشريع الرياضي بصفة خاصة، حيث أصدر مؤلفات سلط من خلالها الأضواء على القوانين المنظمة للمشهد الرياضي الوطني.
ولد عبد العزيز في مراكش سنة 1944، من أسرة ذات أصول أمازيغية وانتماء عربي، استطاع أن يقطع مراحل صعبة، خلال مرحلة التعليم الابتدائي في مراكش، وعاش مع أبيه المتقاعد من سلك الشرطة، ولازم البيت إلى سنة 1960، حيث دخل المدرسة الإقليمية للمعلمين، ومنها تخرج ليصبح معلما في مجموعة مدارس «إيميني» بإقليم ورزازات.
بدأت العلاقة الحقيقية بين المسيوي ورجال الإعلام خلال تنظيم المغرب للألعاب البحر الأبيض المتوسط، سنة 1983، حيث كلفه عبد اللطيف السملالي بتدبير ملف الإعلام، فنسج علاقة وطيدة مع الصحافيين، وخلص الوزير من هذا «العبء الثقيل». ولأن عبد العزيز كان رجاويا حتى النخاع، فقد أنشأ صحيفة خاصة بنبض هذا الفريق وجلب إليها أقلاما رياضية متشبعة بالفكر الأخضر، وظل على امتداد مساره السياسي والرياضي قريبا من الصحافيين.
ولأن المسيوي كان يشغل منصب أمين مال حزب الاتحاد الدستوري، فقد كان يشعر أكثر من غيره بحجم مصاريف الجريدة وما تشكله من عبء على مالية الحزب، لذا دعا يوما الصحافيين إلى بيته المتاخم لدرب غلف، وتحدث لهم عن الضائقة المالية التي تضرب الصحيفة وصعوبة تدبير رواتب المستخدمين، باعتباره المسؤول المالي عن الحزب، ثم اقترح عليهم مشروعا للتدبير الذاتي للمؤسسة الإعلامية، سنوات قبل ظهور قانون شراء الأسهم.

نبيل بن عبد الله.. ترجمان ومدير صحيفة ووزير

لا علاقة للمحصول الأكاديمي لنبيل بالمهام التي تقلدها باستثناء مهمته كسفير، فهو خريج المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية بباريس سنة 1985، شعبة العلاقات الدولية، مارس بعدها مهنة ترجمان محلف مقبول لدى المحاكم المغربية، وأصبح عضوا بالمجلس الوطني للشباب والمستقبل، وشغل بنعبد لله منصب مدير لجريدتي «البيان» و«بيان اليوم» إلى غاية سنة 2000.
خلال مزاولته مهام إدارة صحافة حزب التقدم والاشتراكية، ظل الرجل يعتمد على فصاحة عضو المكتب السياسي للحزب خالد الناصري، خاصة في اجتماعاته مع صحفيات وصحفيي بيان اليوم الذين يتولون تغطية الحياة السياسية الوطنية وأنشطة الحزب. كما حرص على لقاء الجسم الصحفي للجريدتين حين تقلد حقيبة وزارة الاتصال في حكومة إدريس جطو، أو حين عين في منصب وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة في حكومة عبد الإله بن كيران، بل إنه لا يتردد في دخول تجربة الانتخابات البرلمانية كمرشح أول لحزب الكتاب دون أن يحظى بأصوات الناخبين، بعد أن عاب عنه رفاق الأمس تحالفه مع العدالة والتنمية التي لا تتلاءم وفلسفة حزبه الحداثي.

الأشعري.. صاحب عمود «عين العقل» في عين العاصفة

كان محمد الأشعري ابن مدينة زرهون، يشعر بميولات سياسية، تحاول أن تقفز بالشاعر والروائي نحو الضفة الأخرى. وحين اختار الاشتغال في صحيفة المحرر وبعدها الاتحاد الاشتراكي، كان يقضي وقته في محراب صفحات الثقافة والفكر، قبل أن يبسط نفوذه على الصفحة السياسية، علما أنه كان أقرب إلى صحافة المجلات الأدبية، بل كان يدير مجلة آفاق ويشتغل أيضا كصحافي في جريدة الاتحاد الاشتراكي، رغم أنه ليس خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بل خريج كلية الحقوق. أصبح مديرا لمكتب الرباط واشتهر بعموده «عين العقل» في الصفحة الأولى من الاتحاد الاشتراكي.
بدأ الرجل عاشقا للشعر متيما بالقوافي، مصرا على نشر ديوانه الأول سنة 1978، دون أن يعلم أنه ذات يوم سيصرف النظر عن كتابة الأشعار وجمعها في ديوان، بعد أن أصبح وزيرا لا يمكن رؤيته إلا بعد العبور من مكتب ديوانه، بعد أن تولى منصب وزير الثقافة في حكومة رئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسفي وأضيفت له حقيبة الاتصال مع زميله الاتحادي، وظل وزيرا للثقافة في حكومة خلفه إدريس جطو، إلا أن الأشعري لا يتردد في الإعراب عن ندمه للمشاركة في حكومة جطو. لكن الاعتراف جاء متأخرا.

أوجار.. الصحافي الذي أصبح وزيرا لحقوق الإنسان

بعد حصول ابن تارغيست محمد أوجار على شهادة الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الأول بوجدة، قرر الريفي متابعة دراسته العليا في مجال الصحافة والإعلام خارج المغرب وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والبرتغال. وحين عاد إلى بلاده أسند له أحمد عصمان منصب مدير جريدة «الميثاق الوطني» بحكم انتمائه لغرفة القيادة في حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما مكنه عمليا من القيام بعدد من الأبحاث والدراسات حول الديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، بل إنه انتخب نائبا للكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية.
دخل الصحافي الريفي الوزارة عبر جسر التناوب الديمقراطي، حيث عينه الملك الحسن الثاني، في شهر مارس 1998، وزيرا مكلفا بحقوق الإنسان، وفي شهر سبتمبر 2000 عينه مجددا الملك محمد السادس في نفس المنصب، وخاض تجربة نائب برلماني في الغرفة الأولى.
قال أوجار في حوار مع قناة الجزيرة، إن دخوله الحكومة قادما من «مملكة» الصحافة، كان يروم الدفاع عن الصحافيين الذين كانوا غير محصنين ضد القانون: «سنسعى إلى إدخال تعديلات على قانون الصحافة، ودعوة الجسم الصحفي للتفكير في أخلاقيات المهنة»، قال الوزير كلامه وانصرف لكنه ظل حاضرا في غرفة القرار داخل حزب الحمامة بالرغم من التقلبات التي شهدها. كما شغل منصبا في الهيئة العليا للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري. في مايو 2013 انتخب رئيسا للتحالف العربي للمدافعين عن حرية الإعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى