
يونس جنوحي
مرة أخرى تنجح طفلة في توحيد المغاربة، وجعلهم يسجلون رفضهم للسلوكيات البدائية التي يمارسها بعض الذين يقاسموننا الانتماء إلى هذا البلد.
قضية الطفلة «غيثة»، التي ينتظر المغاربة جميعا استيقاظها من الغيبوبة لكي تعود إلى حياتها الطبيعية، تُسائلنا جميعا. طفلة لم تبلغ الخامسة بعدُ، يدهسها متهور بسيارة رباعية الدفع وسط رمال الشاطئ، وعندما يهرع والد الطفلة وأسرتها لانتشالها من الرمال، يتبجح معارف الشاب الذي دهسها بأنهم يتوفرون على المال.
هناك عقلية بائدة، لا يزال المؤمنون بها يتجولون بيننا، وهي أن الذين يراكمون المال في حساباتهم البنكية أو غرف نومهم، يجب أن يحظوا بمعاملة خاصة في هذا البلد.
بعض المحسوبين على الأغنياء في هذا العالم -وليس عندنا نحن فقط- يعتقدون يقينا أنهم يجب أن يحظوا بتعامل خاص، وأن البقية عليهم فقط أن يُحددوا قيمة الخسائر، لكي يتكلفوا هم بالدفع.
ليست هذه المرة الأولى التي يفجر فيها أبناء الميسورين صدمة من هذا النوع. فقد سبق لشبان طائشين، أغلبهم دون العشرين، يركبون سيارات تتجاوز قيمة الواحدة منها المليوني درهم، أن دهسوا مواطنين في أماكن عمومية، وأبانوا عن سلوك أرعن يستوجب المُساءلة والعقاب.
أبناء «الفشوش» خرجوا عن سيطرة أوليائهم، وهم مشبعون بخطاب طبقي مقيت، فتحوا أعينهم وسطه، اقتنعوا بموجبه أنهم يتميزون عن بقية المغاربة، وأن مكالمة واحدة فقط مع أولياء الأمور كفيلة بتوقيع شيك بأصفار كثيرة، يحل كل المشاكل.
الطفلة غيثة كانت تلعب مع والدها في الشاطئ. والأب، كما جميع الآباء فوق هذه الكرة الأرضية، حشر ابنته في الرمال، ليفاجأ بأن شابا طائشا يلعب بسيارة رباعية الدفع، تتجاوز قيمتها مئة مليون سنتيم، مر بعجلات السيارة الثقيلة فوق رأس الفتاة التي لم تبلغ الخامسة بعد.
لا يجب أن يُسمح للسيارات أصلا بالمرور في منطقة شاطئية. منذ سنوات والناس ينددون ببعض السلوكات غير المسؤولة في الفضاءات العمومية. دراجات نارية مخصصة للصحاري، تجوب أرصفة مخصصة للراجلين، ودراجات نارية مخصصة لتسلق الجبال، تتجول بحرية وسط أحياء المدن بعد منتصف الليل، يقودها شباب طائش، يحرم المرضى من النوم ويقلق راحة النائمين. هذه الدراجات تتجاوز قيمة الواحدة منها عشرين مليون سنتيم، لكن العائلات لا تجد حرجا في اقتنائها لصالح أبناء لا يزالون تلاميذ في المدارس. ماذا تنتظر من هؤلاء سوى ارتكاب الكوارث؟
مثل ما وقع مع الطفل «ريان»، الذي علق لأيام في قعر بئر مهجور، وجمع العالم حوله ودعا معه الخطباء في المنابر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وصلى من أجله بابا الفاتيكان والهندوس والدروز ومختلف المعتقدات، ها هي طفلة اسمها «غيثة»، تحصد تضامن المغاربة مرة أخرى، مع فارق أن ما وقع لها ليس من قسوة الطبيعة، وإنما من قسوة البشر.
آخر الأخبار تقول إن الشاب الذي ارتكب الحادث المؤلم في قبضة العدالة، ضدا على «السيناريو» الذي كان يتصوره من يعتقدون فعلا أنهم بامتلاكهم المال، سيحظون بمعاملة من نوع آخر..
«غيثة»، الاسم الذي تغنت به الأغنية الشهيرة، صارت ابنة المغاربة جميعا، وقضيتها صارت قضية رأي عام.. أما الذين يعتقدون أن جيب الأب أو الأم كفيل بحل كل المشاكل، فالواضح أنهم لم يستوعبوا الدرس بعدُ رغم كثرة المعارك التي خسروها لصالح المغاربة.
أحد الحكماء المجانين قال مرة إنه لا يستوعب كيف أن الناس في هذا العالم الذي تضربه الحروب والصواريخ والحوادث والعواصف، يقررون الإنجاب، في وقت لا يملك هذا الحكيم الشجاعة لاقتناء حذاء أبيض، مخافة أن يتسخ. الجواب سهل: الناس دائما يتشبثون بالحياة، والحوادث العرضية لن تمنع أحدا من التمسك بحقه في العيش.. لذلك فإننا جميعا ننادي بحق «غيثة» في الحياة..