شوف تشوف

الرأي

لماذا التعليم المهني حق أساسي؟

المصطفى مورادي
لم يكن التعليم المهني وليد المرحلة الحالية من تاريخ التعليم في العالم، بل إن البواكير الأولى لفلسفات التربية نصت بوضوح على أهمية هذا النوع من التعليم. ومنطلق هذا الاهتمام هو أن الحفاظ على مساواة أكبر بين المواطنين، وفي الوضع الراهن للمجتمعات، يعني أن الناس موزعون إلى مهن مختلفة، لذلك تتطلب كل منها معارف خاصة بها، وتقدم هذه المهن يساهم في الرفاهية المشتركة. ومن المفيد من أجل المساواة الفعلية فتح الطريق أمام الذين تسمح لهم أذواقهم وقدراتهم بطلب هذه المهن. لكن بسبب تعليم عمومي خاطئ، فإن فقرهم يهمشهم نهائيا، ويقودهم نحو البؤس والتبعية للآخرين، مما يتطلب تدخل الدولة، التي من واجباتها ضمان وتيسير وتوفير وسائل الحصول على هذه المعارف، فلا يقف هذا الواجب عند حدود تعليم المهن التي ننظر إليها على أنها جزء من الخدمات العمومية، بل تمتد أيضا للمهن التي يمارسها الإنسان في حياته الخاصة، دون التفكير في الفائدة التي سيجنيها المجتمع من هذه المهن.
تساعد المساواة في التعليم المهني على تقدم الفنون، كما لا تقضي فقط على اللامساواة الناتجة عن تباين ثروات الناس الذين يمارسونها، ولكنها تؤسس لنوع آخر من المساواة أكثر عمومية، ونعني بذلك الخير العام الذي نجني من ورائه. ومن المهم أن السعادة المشتركة، وهي سعادة المجتمع التي تمكن الناس من الحياة التي يبحثون عنها، وأيضا من إرضاء حاجياتهم بسهولة، فيعم بذلك السلام والتعاون والإخاء. لكن الوسيلة الوحيدة لبلوغ هذا الهدف هي تحقيق نوع من الكمال في إنتاج الفنون، بما في ذلك الفنون المشتركة، أي بلوغ درجة أكبر من الجمال، والأناقة أو الدقة حتى في الفنون الموجهة للأقلية الغنية، بدون أن تكون مؤلمة بالنسبة للذين لن يستمتعوا بها، بل وتصب في مصلحتهم لأنها ستطور مشاريع الصناعة التي يحكمها التنافس.
لن يتحقق ذلك إذا كانت الأسبقية في الفنون، يتقاسمها فقط الناس الذين تلقوا تعليما بعناية، وتفوقهم، خاصة في تعليم متساو إلى حد ما تمنحه لهم موهبتهم الطبيعية. فالعامل الجاهل لا ينتج إلا أعمالا سيئة في ذاتها: في حين أن الذي لا تنقصه إلا الموهبة، يمكنه أن يتنافس في كل ما لا يتطلب إطلاقا أحدث مصادر الفن. فالأول سيئ، والثاني جيد ولكن بشكل أقل. وكنتيجة لهذا التعليم الشامل، يمكن أن ننظر إلى جانب إيجابي آخر، وهو جعل مختلف المهن أقل ضررا على الصحة، ولاسيما وأن الوسائل التي نتجنب بها الأمراض التي تسببها العديد من المهن هي وسائل بسيطة ومعروفة بالنسبة للجميع، والصعوبة تتمثل خاصة في حصول الناس على هذه الوسائل، مع ما يعيشونه من روتين في مهنهم، هي شعورهم بالحرج من أدنى التغييرات، وافتقارهم لهذه المرونة التي تقتضي أن المهنة التي يمارسها أصحابها بعلم يمكن أن تنتج ما يضطرهم إلى الاختيار بين ضياع الوقت بشكل يقلص من مكاسبهم من جهة، أو القيام باحتياطات تضمن حياتهم من جهة ثانية، أي أنهم يفضلون خطرا بعيدا أو غير مؤكد على حرمان مؤكد. ومن شأن هذا أيضا أن يكون وسيلة لتخليص أولئك الذين يثقفون أنفسهم في مختلف المهن وأولئك الذين يمارسونها من المجموعات الصغيرة ذات الأسرار الصغيرة، والتي تنتشر تقريبا في كل الفنون بشكل معد، بشكل يوقف تقدمهم، مانحين هدايا دائمة لذوي النية السيئة والدجالين. فامتزاج الأسرار المهنية بالأسرار الدينية هو حقيقة كانت ملازمة للعصور الوسطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى