شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

لماذا ينتحرون؟

 

 

بقلم: خالص جلبي

أنقل إليكم طرفا من مأساة الشباب في الغرب، موعظة للغافلين وذكرى للمؤمنين. قصص الانتحار هذه التي لا تكاد تصدق.

احتشد جمع غفير في كنيسة مدينة «بريجند Bridgend» النائية، من مقاطعة والاس البريطانية «Wales» على المقاعد الخضراء الطويلة، بدعوة مستعجلة للصلاة على روح الفتاة «جينا باري «Jenna Parry، 16 ربيعا، التي ودعت الحياة انتحارا؛ فتكلم الكاهن ما شاء له الكلام عن نعمة الحياة وكراهية الموت، والحفاظ على الحياة بكل صورة ممكنة، ثم أغمض الكاهن عينيه مبتدئا بترانيم الصلاة على روح الفتاة الصغيرة، في الوقت الذي نكس الحضور رؤوسهم في كنيسة «تابرنيكل Tabernacle».

لم يكن انتحار «جينا بيري» إلا نهاية سلسلة مروعة خلال 18 شهرا، أخذت حياة 17 شابا وفتاة، لم تتجاوز سن أكبرهم 27 عاما، وكان أصغرهم بعمر 15 سنة، بدأت السلسلة بالشباب، ثم افتتحت صفحة البنات الصغيرات.

رفع الكاهن يديه بالدعاء اتجاه سقف الكنيسة: «اللهم أنزل رحمتك على هذه القرية البائسة الظالم أهلها! اللهم أعنا أن نفهم ما يحدث لنا..». وتابع: «صلوا للعائلات! صلوا للأطفال الأموات! وللذين ما زالوا على قيد الحياة! لندعو الله ونصلي أن يتوقف الانتحار! أن لا يكرر أحد لنفسه هذا!». ثم رفع صوته: «كفاية لا نريد المزيد! لا نريد!».

ردد الجمهور خلفه: لا مزيد .. لا مزيد.. لا نريد.. رددوا أولا بصوت خفيض.. بعدها بانفعال أعلى وبصوت محتقن.. كفاية لا مزيد (No More!).

كل هذا يحدث من مقاطعة «والاس Wales» وفي المدينة الصغيرة «بريدجند Bridgend»، حيث اشتد داعي الموت في مدينة الأطفال الحزانى، فتدافع الشباب إلى الانتحار، مثل الوباء، بشنق أنفسهم بحبل، بطريقة مكررة مثل فيلم يعيد نفسه، فيتدلون معلقين من زريبة أو شجرة أو مخزن بضائع، في نفس مكان عيشتهم بين أهليهم، وكلهم في ميعة الصبا.

لقد كان لافتا للنظر أن يأخذوا حياتهم شنقا وخنقا بأيديهم على نحو غير مفهوم، ما جعل هذه المدينة زاوية الموت المظلمة القاتلة من أوروبا، التي لا تضاهيها نسبة انتحار في كل بلاد الاتحاد الأوروبي، وبمعدل ضحية كل شهر.

وحين اكتشف انتحار «جينا بيري» بعد شروق الشمس بقليل، كانت جثة هامدة معلقة بمنديل حرير بجانب حظيرة للكلاب! ويقرأ القراء على الشجرة، حيث علقت نفسها، وخرجت روحها، هذه العبارة المؤثرة بخط والديها: «لماذا فارقتينا مبكرة يا فراشتنا الصغيرة؟».

لقد احتشد الكثير من المهتمين والباحثين ومراسلي الصحف ورجال الدين وعلماء النفس والاقتصاد ومحرري الصحف ومصوري الإذاعات من كل أنحاء العالم، لفهم هذه الظاهرة الثلاثية المحيرة، موت بانتحار، عند شباب يستقبلون لتوهم الحياة في ربيع العمر! وموت على نحو تسلسلي. كان أصغر الأموات بعمر 15 ربيعا وأكبرهم 27 سنة، والكل ماتوا بالطريقة نفسها شنقا وخنقا وبين ذويهم، معلقين على جذوع الأشجار وأعمدة الإسطبلات، وبدون ورقة وداع.

فهل السبب البطالة؟ الكحول؟ المخدرات؟ الملل؟ الوحدة؟ أو الكل في خلطة من مجموعة عناصر قاتلة؟ وما هو دور الإنترنت وصفحات المواقع والتواصل الاجتماعي، حيث يصرح الشباب عن أنفسهم؟ ولماذا يقتل معظمهم أنفسهم في بيوتهم؟ قريبا جدا من أبويهم؟ ولماذا كان للموت عنده كل هذه الجاذبية؟

في البدء كانوا ذكورا، بدون استثناء! بعمر 17 و19 عاما، ونادرا ما تجاوزوا 22 سنة، وبقي التواتر على هذا المعدل مدة سنة كاملة، وعرف عن البعض منهم صداقات مفككة، معزولين في المراقص، أو على الغالب متوحدين مع الإنترنت.

كانت الضحية الأولى «دال كرولDale Crole » وعثر على جثته مع مطلع عام 2007م في مخزن للبضائع، معلقا نفسه بجبل مجدول بعناية.

وفي 18 فبراير من العام نفسه لحقه صديقه «ديفيد ديلنج David Dilling»، ثم جاء دور «توماس ديفيس Thomas Davis» الثالث، وكان صديقا للاثنين الأولين، مما دفع أمه إلى أن تترجاه وهي تقرأ في عينيه المصير نفسه.

قالت له: يا بني لا تفجعني بك ولا تفعل بنفسك ذلك! قل لي إنك لن تفعل بنفسك هكذا.

أجابها ابنها: اطمئني يا أماه لن أسبب لك الألم مطلقا!

وبعد يومين عثر عليه معلقا نفسه بحبل إلى شجرة في منتزه!

أما التسعة الذين لحقوا بهم إلى جنازة الموت؛ فكان للبعض دافع أو اعتبر كذلك؛ مثل انفصال مع صديقة، شجار مع البوليس، الوحدة.

وكل من ودع لم يترك خلفه رسالة وداع تشرح دوافعه للاستقالة من الحياة.

أو ببساطة لم يعرفوا من أي شيء يودعون أنفسهم، وإلى أين هم ماضون؟

ثم بدأت صفحة الفتيات فاستفتحتها «ناتاشا راندل Natasha Randall»، 17 ربيعا، حيث شنقت نفسها في 17 يناير 2008م، وكانت الفتاة الأولى في سلسلة الضحايا من البنات، وبالنسبة إلى موقعها فقد دخل 16000 زائر عليه، يريدون فهم الدوافع خلف توديع الحياة الجميلة لفتاة شابة مليئة بالحياة والنضارة إلى المقابر والبلى والعدم.

بعد ناتاشا شنقت أربع فتيات أنفسهن، في فترة قصيرة، كان آخرهن جينا التي ذكرناها.

أما «ليه Leah» وعمرها 15 ربيعا، التي كانت تعيش في «بونتيسايمر Pontycymer» وهي بين ثلاثة وديان في شمال بريجند، وهي مدينة نمت منذ القرن التاسع عشر بسبب مناجم الفحم، وهي التي أغلقتها تاتشر لاحقا، ومعها ذبلت المدينة وفر الناس منها، وودعتها «ليه» و«روزانا» صديقتها أيضا، وحين ذهبت «ليه» إلى عزاء ودفن ناتاشا، حيث احتشد أناس مثيرون، قالت: بالموت لفتت النظر إليها، وهو ما يجب أن أفعله!

وفي وقت لاحق انتبه الناس إلى الفتاتين، حيث قامتا بتعليق نفسيهما بشريط تلفون موبايل، ولكن يبدو أن ملك الموت لم يكن له موعد معهما بعد، فسارع الناس إلى إنقاذهما حتى حين.

 

نافذة:

لم يكن انتحار «جينا بيري» إلا نهاية سلسلة مروعة خلال 18 شهرا أخذت حياة 17 شابا وفتاة لم تتجاوز سن أكبرهم 27 عاما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى