شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مثالب تسييس الرياضة

تتزين الأحداث الرياضية بكل الفضائل الشعبية النبيلة، فتستدعي قيم الهوية والتضامن والتشجيع، عند التباري الدولي داخل حدود الأوطان وخارجها.

ما الذي يمكن أن يكون أكثر رواجا راهنا، أكثر من الحدث الرياضي الكروي العالمي؟ فهو له دعاية واسعة النطاق، إقبال شعبي جماهيري، رساميل وتعاقدات تجارية خيالية، رهانات جيوسياسية مؤثرة، فلقد خلق فعلا من نفسه ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، مستمرة عبر الزمن، تميل في أغلب التجارب التاريخية المؤلمة، الأنظمة السياسية التسلطية، إلى الاستيلاء عليها قسرا وتحريف قصدها النبيل.

فيتم، للأسف، التلاعب بأحداث المنافسات الرياضية بشكل متزايد لأغراض دعائية، والمستفيد هو الأنظمة التي تستخدمها لتصريف حسابات، لا داعي لوجودها أصلا في هذا المجال.

فإن كانت الرياضة كممارسة جماعية، ترفع شعار القيم والفضائل والثقافة النبيلة، فلا نغفل أنه يمكن أن تتحول رغما عنها، إلى وسيلة دعاية لأغراض مسيئة ولإثارة الاستعداء.

المعروف أن الأحداث الرياضية الكبرى تتيح فرصة لتحسين سياسات البلدان المضيفة، من خلال تسليط الضوء على منجزاتها.

لكن بالمقابل، هناك أنظمة مستعدة لإنفاق مبالغ ضخمة، بل متهورة، لاستضافة حدث رياضي ضخم، وجعله رافعة لتشديد قبضتها على أعناق أفراد مجتمعها، محاولة منها تجميل تقاسيم صورة زائفة، ستعرض على واجهات الساحة الدولية للجذب.

في هذه الحالة، ليست شرعية المحافل الرياضية هي موضع التساؤل، بل مكونات طبيعة بشرية معينة ما زالت متعطشة للتشبث بالسلطة، تتنكر ماضيا وحاضرا، لكل الأسئلة المزعجة.

يمكن، إذن، أن يتخذ التسييس المفرط للأحداث الرياضية شكل الاستفزاز السياسي للخصوم. يمكن أن يحدث هذا، عندما تستخدم مؤسسات دولة أو مجموعات لها صلة بالمرفق الرياضي، كوسيلة لإثارة خصومها السياسيين أو استعدائهم. يمكن القيام بذلك، من خلال أفعال مثل عزف الأناشيد القومية المتعصبة، أو إشهار الرموز المقيتة أو الشعارات السياسية أثناء اللعبة، أو من خلال الإدلاء ببيانات أو إيماءات سياسية خبيثة، قبل المباراة أو أثناءها أو بعدها.

يمكن أن يحدث الاستفزاز السياسي أيضا، عندما يستخدم البلد المضيف أو الفريق المضيف، الحدث للإدلاء ببيان سياسي أو لتأكيد تفوقه الوهمي على خصومه.

قد يُنظر إلى مثل هذه السلوكيات على أنها عدم احترام مقصود، ويمكن أن تضر بسمعة الروح الرياضية العالمية، وبمكانة قوانين التباري واللعب الأخلاقي النظيف في المنتديات الدولية التحكيمية.

في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي أيضا، إلى توترات سياسية وصراعات بين البلدان أو الجماعات.

الاستفزاز السياسي للخصوم، والتلاعب بالمشاعر الوطنية من قبل الأنظمة العسكرية، هو شكل من أشكال التسييس المفرط للأحداث الرياضية، التي تهدف إلى تأكيد الهيمنة والسيطرة على الساكنة، وإثارة الخصوم السياسيين أو استعدائهم.

أحد الأمثلة على ذلك، هو استخدام الرياضة من قبل الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية في القرن العشرين.

غالبا ما استخدمت هذه الأنظمة الرياضة كوسيلة للترويج لإيديولوجيتها، ولتأكيد هيمنتها على السكان. كما استخدمت الرياضة كوسيلة لصرف انتباه السكان عن القضايا السياسية والاقتصادية المتدهورة، ولتعزيز الشعور بالهوية الوطنية والافتخار والاعتزاز. مثال آخر مسيء تاريخيا، هو استخدام الرياضة من قبل المجلس العسكري في اليونان من 1967 إلى 1974.

كل هذا، يمكن أن يشمل أيضا، استخدام الهتافات الرياضية لنشر مشاعر الكراهية والعداء تجاه مجموعات ثقافية إثنية أو أقليات معينة. يمكن القيام بذلك، عن طريق استخدام لغة أو رموز مهينة أو مسيئة أثناء الألعاب، أو باستخدام الهتافات.

أحد الأمثلة على ذلك، هو استخدام الهتافات المعادية للأقليات، من قبل مشجعي كرة القدم في بلدان معينة، واستهداف الفرق واللاعبين الذين يُنظر إليهم على أنهم يهود أو عرب أو سود يتحدرون من بلدان العالم الثالث. وطبعا مرارا، تم إدانة هذا النوع من السلوك على نطاق واسع، باعتباره عنصريا وتمييزيا، وقد أدى إلى اتخاذ تدابير مختلفة لمكافحته، مثل الغرامات وحظر الملاعب وغيرهما من أشكال العقوبة.

ختاما، تجب حماية الرياضة من التدخل السياسي ومن التحريف، فالمبدأ، المجمع على سموه من طرف كل الهيئات الرياضية، يقول: إن لا علاقة لها بالصراعات والنزاعات، والذي فعليا يتولى الإشراف على شؤونها هي هيئة فيدرالية، هيئة تهدف تدابيرها إلى الحفاظ على استقلالية المجال الرياضي بعيدا عن الخلط.

في مثل هذه الأوضاع، والتي لا يحترم فيها الميثاق الرياضي السامي، ولا تقدر فيها الأخلاق والقوانين الرياضية المحايدة، لم نعد نعرف في أي نفق مظلم ستحشر الرياضة مستقبلا، خاصة مع التجاوزات والانتهاكات التي أصبحت عرضة لها.

جمال أكاديري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى